رجا نعمة (66 سنة) هي مثال المرأة العاملة المشرذمة بين واقعها العائلي وواقعها المهني فهي غير قادرة على تحقيق ذاتها مهنياً في وظيفة مستقرة وفي ظروف لائقة نتيجة عبء مسؤولياتها العائلية. كما انها لم تستمتع بأمومتها بسبب مستلزمات العمل. عملت رجا رئيسة لإحدى الدوائر الرسمية في لبنان حيث اضطرتها ظروفها العائلية إلى الحصول على إجازات متفرقة من دون راتب من أجل رعاية ابنها ومن ثم أحفادها، فاقتطعت كلها من تعويض نهاية الخدمة. لذا نجد ان نظام الضمان الاجتماعي في لبنان، الذي يهدف ظاهرياً الى الحدّ من التناقض بين مسؤوليات المرأة المهنية والمنزلية، حرمها من ظروف لائقة حين تبلغ سن الشيخوخة . وتعاني المرأة اللبنانية آثار هذا التمييز في العمل حيث تحد مسؤولياتها العائلية من فرص الترقي الوظيفي بسبب اقتطاع العمل وكثرة الإجازات، ما يعرقل زيادة الأجر، وتالياً، يخفض من مكافآت نهاية الخدمة، إضافة الى حرمان عائلتها من الحصول على تعويضها في نهاية الخدمة عند الوفاة، إلا إذا كان الزوج عاجزاً عن العمل أو ليس لديه مصدر دخل آخر. أما في حال وفاة الرجل العامل، فللأسرة حق الانتفاع من تعويض نهاية الخدمة بغض النظر عن مدخول الزوجة. وبالرغم من ان معظم المضمونين اجتماعياً نساء (35.3 في المئة من النساء، مقارنة بـ23.8 في المئة من الرجال، يستفيدن من الضمان الاجتماعي، وفق تقرير الأحوال المعيشية للأسر لعام، 2007)، لكن غالبيتهن مضمونات بالتبعية لضمان أزواجهن وآبائهن. وفي حال استبعاد المرأة من الضمان الرسمي لا يبقى امامها سوى التسجيل في شركات تأمين خاصة بقوانين وأحكام خاصة وهي غير مضمونة النتائج أحياناً، وإما اللجوء الى جمعيات تعاضدية طائفية تضعها في حال تبعية لعائلتها وطائفتها. في النهاية، فإن استبعاد النساء من الحق في الحماية عند سن الشيخوخة ليس سوى تراكم لمساوئ تعترضهن في سوق العمل وتحمّلهن عبء المسؤوليات العائلية منفردات. والنتيجة أن المرأة تستمد مواطنتها الاجتماعية – إن وجدت! - لا من حقوقها كفرد أو كعاملة بأجر، لكن من الروابط العائلية والطائفية. (الحياة 29 تشرين الأول 2009)