لم يكن هناك في السابق قانون نافذ يحدد معايير أو شروط تعيين مديري مدارس في التعليم العام، بل كان وزراء التربية، يطبقون تلقائياً عرفاً في شأن تعيين "الناظر" العام مديراً لمدرسة رسمية، بعد تقاعد أو استقالة من سبقه. فلم يحل ذلك في احيانٍ كثيرة دون التدخلات السياسية أو "الواسطة"، وغالباً ما كانت التعيينات تحكمها، بالدرجة الأولى، العلاقات العائلية والصداقات، حتى لو كان الناظر غير مؤهل لتولي المنصب. في مقابل ذلك، لا يصح الجزم في الأمر، لأن بعض التعيينات كانت تتم على أساس الكفاءة التي يتمتع بها "الناظر" لتولي مهمات إدارة المدرسة والتي يعتبره أهم "Post" بالنسبة إليه بعد تدخلات واتفاقات و"شوشرات" قد تحصل في داخلها...
هل تبدّل المشهد مع صدور قرارات وقوانين عدّة منذ العام 2001 حتى السنة الجارية؟ كيف يتم اختيار، أو تعيين، مدير المدرسة؟ وفق أي معايير وشروط؟ وهل يخضع لإمتحان أو دورة أو ما شابه؟
تحاول "النهار" في المقابلة التي أجرتها مع عميد كلية التربية في الجامعة اللبنانية والعضو في لجنة إجراء اختبار أهلية المرشح لإدارة مدرسة رسمية في مدارس التعليم العام الدكتور مازن الخطيب، تسليط الضوء على هذه المسألة المتعلقة بالجسم التربوي باعتبارها من الشؤون التربوية المهمة.
"الحاجة أم الإختراع"، هكذا استهل الخطيب حديثه قائلاً: "كل مسؤول توكل إليه مسؤولية سلطة إدارية، أكاديمية أو تربوية، يصل إلى وقت يسأل فيه المستشارون أو رؤساء الدوائر والمصالح كيف يتم تعيين أو اختيار مدير المدرسة؟ ووفق أي أصول متبعة؟".
في العام 2002 أصدر وزير التربية السابق عبد الرحيم مراد القرار الرقم 594 المتعلّق بأصول تعيين مدير مدرسة رسمية بهدف تنظيم هذه العملية. "تحديد أسس ومعايير تكليف في إدارة ثانوية رسمية". تبعه القرار الرقم 707/2004، الصادر عن وزير التربية السابق سمير الجسر تضمن أصول وشروط معايير تعيين مديري المدارس الرسمية في مرحلتي رياض الأطفال والتعليم الأساسي. وجاء القراران التنظيميان عن القانون الرقم 320 الصادر بتاريخ 20/4/2001، والذي كان أول مستند رسمي يتعلّق بتحديد شروط وأصول تعيين مديرين. "إلا أن عنوان القانون 320 لم يكن "يحدد أصول تعيين مديرين"، بل كان "إعطاء مديري المدارس الرسمية الذين يتولون مهمات الإدارة وفقاً للأصول تعويض إدارة مقداره نسبة 15 في المئة من الراتب طوال مدة توليهم هذه المهمات".
لكن في إطار التشريع لاعطائه 15% من بدل الراتب تعويض إدارة، يؤكد الخطيب أنه تعرّض لموضوع التعيين. فجاء في المادة الثالثة منه: "يُشترط في من يعين مديراً لمدرسة رسمية أولاً أن يكون من موظفي الملاكات التعليمية وغيره من الشروط".
ثم تم تعديل القانون 320 مرتين: "المرة الأولى، خضع لتعديل عبر صدور قانون جزئي رقم 777/2001 الذي حل مكانه وعدّل جزئياً بعض مواد القانون 320"، على ما يوضح الخطيب، مضيفاً: "إلا أنه بتاريخ 23/4/2009، صدر القانون الرقم 73 الذي الغى القانون 320 بالكامل". لماذا؟
"يعود السبب في ذلك إلى مرحلة صدور القانون 320 وما تضمن من إعطاء تعويض الإدارة، ولا سيّما بعض شروط تعيين المديرين، إذ لحظ ان تعويض الإدارة الذي هو 15 في المئة لا يجوز إعطاؤه للمدير إلا بعد خضوعه لدورة إعداد في الإدارة التربوية في كلية التربية ونجاحه فيها".
يرى الخطيب في القانون 320 فكرة تربوية مميزة، إذ "لا يكفي المدير أن يعين مديراً وان يعطى بدلا ماليا 15%، حتى لو توافرت لديه بعض الشروط، بل يجب أن يخضع لنوع من إعداد تربوي خاص مناسب للمهمة التي سيتولاها".
التربية متخمة
لماذا لم تتمكن كلية التربية من العام 2001 حتى تاريخه من إجراء أي دورة لهؤلاء المديرين؟
لأسباب عدة، يجيب الخطيب. "أولاً لم تُعطَ كلية التربية موازنات لتجري الدورات، مع العلم أن الكلية تقوم بدورات مكثفة ومتعددة لمصلحة وزارة التربية لتعيين أساتذة في مرحلة التعليم الثانوي والروضات والأساسي. بمعنى آخر، كلية التربية متخمة بعدد الملتحقين بها من الوزارة"، إضافة إلى أسباب أخرى لها علاقة بوزارة التربية والتعليم العالي حول إعداد لوائح المديرين ممن يتم الحاقهم بالكلية وغيرها من المسائل لم تكن الوزارة جاهزة لها، وفق قوله. الأمر الذي أدى إلى خلق نوع من الإمتعاض لدى المديرية المكلفين لعدم اعطائهم الـ 15%. ولا ذنب لهم في عدم خضوعهم لدورة في كلية التربية وفق تعبيره، "إنهم على حق".
فوزيرة التربية السابقة بهية الحريري عدّلت القانون 320 على نحو أن كل المكلفين في الإدارة، قبل صدور القانون 73، يستحقون تعويض الإدارة 15%، لكن "ضمن شروط معينة، شرط الا يصير المدير أصيلاً إلا في حال خضع لدورة الإعداد في كلية التربية. وهذا يعني أنها فصلت موضوع الـ 15% عن دورة الإعداد وتم ربطها بالأصالة".
وجود القانون 73 عالج مشكلة المديرين المكلفين قبل صدوره، ويلفت الخطيب الى أن مسألة تعويض الإدارة تظهر مجدداً وتطرح اليوم بعد تاريخ 23/4/2009، والتي تفيد "المديرين الذين يتم تكليفهم بعد القانون 73 لا يحق لهم بدل تعويض 15% ولا تعيينهم بالأصالة إلا بعد خضوع هؤلاء لدورة الإعداد".
القانون النافذ 73 وآلية تنفيذه
بما أن القانون 73 أثار جدلاً حول تفسيره القانون، أعدّت كلية التربية في الجامعة اللبنانية هذه السنة البرنامج الملائم لاستقبال المديرين المكلفين بعد هذا القانون للخروج من هذه الإشكالية وفق القوانين. يقول الخطيب: "بدأنا ترتيب عملية الحاق كل المديرين المكلفين بدءً من العام 2001 حتى اليوم ما يقارب عددهم الـ 700. والمجموعة الأولى التي سنستقبلها هي المكلفة بعد القانون 73 يراوح عددها من 90 الى 120. ولكي نرفع الجدل القائم اليوم حول مسألة إعطاء بدل 15% أم لا، "ستخضع هذه المجموعة إلى دورة إعداد إدارية وتربوية، تنظمها كلية التربية كدورة أولى تبدأ مطلع السنة المقبلة 2011 - 2012، على أن تستغرق مدتها ستة أشهر. إذن، المشروع النافذ حالياً هو القانون 73، وتسلم وزير التربية حسن منيمنة من كلية التربية مشروع قانون يتعلق بإعادة تنظيم الوظائف ذات الطابع التعليمي والإداري والتربوي في الوزارة. إلى ذلك، يقوم المشروع على تعديل شروط تعيين المدير ويرفع من مستواها".
ما هي الآلية الميدانية التي تعتمدونها لتطبيق القانون 73/2009؟
تقول المادة الأولى في البند الثالث من القانون 73: "ان يجتاز بنجاح اختبار أهلية تحدد شروط وأصول إجرائه بقرار من الوزير، شرط أن يكون في الملاك وحائزاً إجازة جامعية أو تعليمية أو خريج دور معلمين ومعلمات ومارس التعليم خمس سنوات بعد دخوله الملاك أو عشر سنوات بعد دخوله الملاك.
في حال عدم حيازته إجازة دور معلمين ومعلمات ولا إجازة تعليمية ولا جامعية، فهل يحق له أن يكون مديراً؟
"الجواب نعم"، وفق الخطيب. "ينص القانون، على أنه حتى لو كان غير مستوفٍ شرطاً من الثلاثة يستطيع تولي منصب المدير بشرط أن يكون مارس مهنة التعليم عشر سنوات بعد دخوله الملاك".
إلى جانب الشروط المفروضة، ذُكرت في القانون شروط إضافية مثلاً: "على أن يكون المرشح مجيداً للغة العربية ومحسناً إحدى اللغتين الفرنسية والإنكليزية، ولا يكون محكوماً خلال آخر خمس سنين من مهنته بالتعليم بعقوبة من عقوبات الدرجة الثانية".
أما البند الرابع في المادة عينها، فيقول: "ان يجتاز بنجاح قبل توليه مهام الإدارة بالأصالة وليس بالتكليف دورة إعداد في الإدارة التربوية".
طيلة ثمانية أعوام وعملية التعيين تتم من دون اختبار أهلية، لذلك "أصدر وزير التربية السابق خالد قباني القرار 621 بتاريخ 18/4/2008، "تشكيل لجنة للإشراف على برنامج تطوير قدرات المكلفين بإدارة المدارس والثانويات الرسمية". ثم قامت الحريري عام 2008، بتعديل القرار وأصدرت القرار 1393، "شروط واصول إجراء اختبار أهلية المرشح لإدارة مدرسة رسمية من مدارس التعليم العالي".
إذن، وضعت الحريري القرار 1393 موضع التنفيذ، الفقرة الثالثة من المادة الأولى من القانون 73. وقد تضمن هذا القرار جملة مسائل أقرها على الشكل الآتي: "يخضع المرشحون لتولي إدارة مدرسة رسمية من مدارس التعليم العام المدارس الثانوية والمدارس المتوسطة والإبتدائية ورياض الأطفال المحددة في المادة الثانية من القانون 320 لاختبار أهلية يتضمن: مقابلة مع لجنة اختبار أهلية (15 علامة)، مشروعاً للترشح (5 علامات) ودراسة ملف المرشح (20 علامة)". يتابع: "تضع اللجنة محضراً بنتائج المرشحين في المقابلة، لا سيما العلامة التي يضعها كل من أعضاء اللجنة لكل مرشح، بالإضافة إلى العلامة النهائية المعتمدة لمتوسط علامات المرشح".
ويعتبر غير مقبول كل مرشح نال علامة دون العشرة على عشرين. كذلك، تدرس اللجنة "مشروع الترشح" الذي على كل مرشح أن يسلمه خطياً من صفحتين أو ثلاث صفحات أثناء المقابلة مع اللجنة، والذي يجب أن تتضمن رؤيته الى كيفية تطوير المدرسة التي ترشح لتولي إدارتها. إلى جانب ذلك، تدرس اللجنة الملف الشخصي لكل مرشح وتعطي الشهادات الأعلى والخبرات والمؤهلات التي يحملها وللدورات التي أنجزها، على ما يؤكد الخطيب. وفور إنتهاء اللجنة من درس الملفات الشخصية، "تنظم محضراً بالنتائج النهائية يتضمن ترتيب المرشحين وفقاً لتسلسل مجموع العلامات لكل منهم، مع بيان تفصيلي بها ترفعه إلى وزير التربية".
بدأت اللجنة المختصة عملها الميداني العام 2008، إذ تجري المقابلات كل ثلثاء لعدد من المرشحين لمدرسة واحدة أو أكثر، نظراً الى عدد المرشحين عن كل مدرسة. وتألفت لجنة إختبار أهلية المرشح لإدارة مدرسة رسمية في مدارس التعليم العام بقرار من وزيرة التربية السابقة بهية الحريري، وتضم كلاً من فادي يرق المدير العام للتربية رئيساً والهام قماطي عضواً مقرراً والدكتور مازن الخطيب عضواً ونزار غريب عضواً ومن السيدة شارلوت مقدسي مديرة التعليم الإبتدائي نائباً للرئيس ورئيسة المنطقة التربوية المعنية عضواً، عندما تنظر اللجنة في ترشيح لتولي إدارة مدرسة رسمية في مدارس التعليم الأساسي، أو السيد محيي الدين كحدي مدير التعليم الثانوي نائباً للرئيس، عندما تنظراللجنة في ترشيح لتولي إدارة مدرسة رسمية في مدارس التعليم الثانوي. ينوب نائب الرئيس عن رئيس اللجنة ومقررها في حال غياب أي منهما".
يؤكد الخطيب بالإجابة عن سؤالنا: "ان نسبة 99%، إذا لم نقل 100%، كان يعتمد صاحب المرتبة الأولى ويُكلف بالإدارة منذ بداية عمل اللجنة حتى اليوم. لا تلعب الواسطة أي دور في هذا الموضوع ولا تمارس أي ضغوط على الوزير منيمنة لتكليف أحد غير مؤهل، أو لم يجتز أختبار أهلية".
من هنا، بدت الصورة أنقى وأفضل، وشرع المعلمون في المدارس يثقون بأن المسألة غير قابلة "لسين وجيم"، لجهة تعيين المدير الذي لا يتم إلا وفق المؤهلات والكفاءة والشروط المطلوبة، وفق رأيه.
التربية: مراجعة آلية التعيين
لرفع مستوى الشروط
من الواضح أن المدارس الرسمية هي الجهة المعنية في هذا الخصوص. فما هي حال المدارس الخاصة في شأن تعيين مدير مدرسة خاصة؟
مسألة التعيين لإدارات المدارس الخاصة أمر معقد، كما يصفه الخطيب. ما سبب التعقيد؟ يجيب: "نظراً إلى اختلاف أنواع المدارس الخاصة وأنماطها والجهات التي كانت وراء فتحها، كان من الصعب وضع معايير وشروط تعيين مدير لمدرسة خاصة تلتزمها، علما أن لدى المدارس الخاصة المرسوم 2896/1992.
وفي رأي الخطيب، "كان هناك تساهل في تلك المسألة. غير أنه لا يجوز، بسبب تنوّع المدارس الخاصة، إن لجهة أنها مجانية أو شبه مجانية أو غير مجانية، أو لتنوع الجهات المنشأة لديها والأفكار والآليات التي ترعى عمل هذه الجهات، أن يصدر المرسوم 2896/1992 الذي يشترط في أن يتولى إدارة مدرسة خاصة من مدارس التعليم غير المهني والتقني قبل مرحلة التعليم العام الجامعي".
أولاً: "أن يكون حائزاً شهادة رسمية ولديه خبرة تعليمية عندما لا تكون شهادته بمثابة شهادة اختصاص في التربية أو في الإدارة التربوية".
ويقول المرسوم أيضاً، "في حال تعيين مدير لتولي إدارة مدرسة خاصة يجهل اللغة العربية ويشترط أن يعيّن إلى جانبه مدير مساعد لبناني لديه مؤهلات المدير في حدها الأدنى المبينة في المادة الأولى من هذا المرسوم.
أمام هذه الفوضى، يعتبر الخطيب أن الشروط التي فرضوها على المرسوم لتولي مهمات المدير "خفيفة" جداً، وأعطى مثلاً: "لا اتخيل في 1992 حين سُمح لمدير مدرسة حائز شهادة البكالوريا - قسم ثان وتلقى علومه للمرحلة الإبتدائية لسنتين فقط أن يصبح مديراً لمدرسة ابتدائية!".
لا تزال المدارس الخاصة تطبق هذا المرسوم حتى تاريخه.
أين وزارة التربية من إقرار قانون خاص بالمدارس الخاصة على غرار ما فعلت مع المدارس الرسمية؟
"يجيب: "الوزارة هي المسؤولة عن اقتراح قانون يحد من هذه الفوضى والمعمعة"
ولا يخفي أن ثمة تقصيرا من الوزارة. "من زمن طويل، كان على وزارة التربية أن "تشمر عن سواعدها" وترفض تولى مدير إدارة مدرسة خاصة بمؤهلات ضعيفة جداً ليتولى منصب المدير. فالمطلوب رفع المؤهلات".
حالياً، شكل الوزير منيمنة لجنة لإعادة النظر بالمراسيم الخاصة بنظام فتح مدارس خاصة، ويعيد مراجعة آلية تعيين المدير، فضلاً عن الشروط المتوافرة بهدف رفع مستوى الشروط لتعيينه".