يفكّر التلامذة والطلاب كثيرا قبل اختيار اختصاصاتهم الجامعية، يحتارون في سوق عمل ليس هناك من درسها بعد. معظمهم يتجه للتخصص في قطاعات مطلوبة في الخارج، لفرط أملهم بمستقبل زاهر في لبنان. ومن بين الاختصاصات التي تضمن مستقبلا لائقا في لبنان و«في المهجر» الاختصاصات العلمية. ما هي الاختصاصات العلميّة التي توفرّها الجامعة اللبنانيّة؟ ما واقعها وآفاقها؟ وما علاقتها بسوق العمل والقطاعات الإنتاجية، وما دورها في تطوير الإنسان والمجتمع؟ توفّر الجامعة اللبنانيّة للطلاب الحائزين على الثانوية العامة فرع العلوم العامة، أو علوم الحياة اختصاصات علميّة عدّة، فكليّة العلوم تمنح إجازة في مواد الرياضيات، والمعلوماتية، والإحصاء، والفيزياء، والكيمياء، والكيمياء الحياتية، وعلوم الحياة والأرض، والإلكترونيك. وتعتمد الكلية نظام الأرصدة، وتمتدّ الدراسة فيها على ستة فصول دراسيّة. وبحسب دائرة الإحصاء في الجامعة اللبنانيّة، انتسب إلى كليّة العلوم في العام الدراسي 2009-2010 أربعة عشر ألفا وثلاثمئة وخمسة وخمسون طالبا ، أيّ ما نسبته 19.85 في المئة من مجموع طلاب الجامعة اللبنانيّة، وهو ثاني أكبر النسب في الكليّات عامة بعد كليّة الآداب والعلوم الإنسانية التي يُسجّل طلاّبها نسبة 31.8 في المئة.
وفي ذهن الكثيرين أن الإجازة في العلوم تخوّل التلميذ الدخول في مجال التعليم فقط، ولكنّ بموجب المرسوم الرقم 74 تاريخ 22/2/2007، أنشئت في الجامعة اللبنانية ثلاثة معاهد عليا للدكتوراه، من بينها المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا الذي يهدف إلى إعداد ومنح شهادة الماستر البحثية وشهادة الدكتوراه ودبلوم «التأهيل في إدارة الأبحاث HDR في الاختصاصات التالية: العلوم والتكنولوجيا، والعلوم الصحية (طب، صحة، صيدلة، طب أسنان) والزراعية والهندسية والهندسة المعمارية، كما يعمل على تكوين الخبرات البحثية في المجالات العلمية والتقنية المتقدمة لتلبية احتياجات مؤسسات التعليم العالي وقطاعات الإنتاج والخدمات في المجتمع اللبناني.
«وسيط» بين الجامعة والمجتمع
وتشير عميدة المعهد العالي للدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا الدكتورة زينب سعد أن شهادات الماستر البحثية 2 المستحدثة ومشاريع الدكتوراه هي متعددة، ومتداخلة الاختصاصات ( trans et multidisplininaire) ومشتركة بين كليات الجامعة اللبنانية ذات الصلة، في محاور ومواضيع مرتبطة بالحاجات البحثية والتعليمية للجامعة ومؤسسات المجتمع. فالماستر لا يقوم على اختصاص محدّد ومغلق ولا يجري تنظيمه ضمن قسم أو فرع واحد من كلية واحدة، بل يشمل اختصاصات تتداخل و تتكامل لتنتج برنامجا متماسكا وصلبا، له مردود علمي مفيد للطلاب. وعلى سبيل المثال يتابع الطالب في ماستر علوم المياه Hydrosciences مقرّرات في الجيولوجيا، والبيئة ومعالجة المياه، ويشارك في ماستر البيوتكنولوجي علميّون من كليات مختلفة (إدارة الأعمال، العلوم، والهندسة من أقسام متعددة، والصحة والصيدلة)، يعملون ضمن المختبر المركزي للبحوث في علوم البيوتكنولوجي على ربط البحث العلمي في التصنيع الزراعي والحيواني واستحداث الطرائق البيولوجية للمعالجة والتنقية وتحسين الإنتاج.
وتؤكد د.سعد أن التعليم والبحث العلمي المتعدد الاختصاصات يواكبان التطوّر التكنولوجي، والرؤية الجديدة للعلوم وحاجات سوق العمل، فالماستر والدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا لم تعد وجهة للتعليم بل تذكرة يجب صرفها في القطاعين الصناعي والاقتصادي.
وتطرح راشال جرجس (سنة خامسة صيدلة) باختيارها لاختصاص علميّ مُنتج إشكالية علاقة الاختصاصات العلميّة بسوق العمل والدور الذي تؤدّيه في القطاعات الاقتصادية والصناعية، وكيفية العمل على تجانس الحقول العلميّة مع مؤسسات المجتمع وشرائحه؟
وتعتبر د.زينب سعد أنّ الحل هو في كون الجامعة اليوم مرتبطة بالاقتصاد (اقتصاد المعرفة)، وهي تلحق سوق العمل. فالإنتاج العلمي يخدم التطوّر الصناعي والاقتصادي عبر إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل المصانع أو عبر إيجاد السبل لرفع معدّل الإنتاج.
وتتمحور مختلف الأبحاث العلميّة في الدول الصناعيّة حول الحاجات الاقتصاديّة لأسواق العمل. وفي البلدان العربية، تتطلب معظم القطاعات الاقتصاديّة شهادات علميّة، ما يظهر أهميّة حثّ الطلاب على إنتاج المعرفة العلميّة والعمل على إقناع المجتمع بالمنتج العلمي وتقبّله.
وعلى سبيل المثال، عندما يطرح الباحث حلولا لنفايات المصانع فانه يرسي لعلاقة تبادل وشراكة بين الجامعة وبين المصنع، وهو نوع من العلاقة جسّدها المعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا باتفاقيات مع مؤسسات اقتصاديّة منها جمعيّة الصناعيين في لبنان لتصنيع المنتجات الصغيرة.
وتشرح د.سعد بأنّ الباحث العلمي يؤدي دور الوسيط بين الجامعة وبين المجتمع، ويتعيّن أن يقنع الشرائح الاجتماعيّة بأهميّة بحثه وتداعياته التقنيّة، والتنمويّة، والاقتصاديّة. فالعلوم، وبحسب منظمة اليونسكو، تساهم في فهم الطبيعة والمجتمع، وتساعد على حلّ المشاكل العالميّة من تغيّر في المناخ، وتدهوّر البيئة، وأزمة الطاقة وغيرها.
وعلى سبيل المثال، تحضّر نور عطوي (22 عاما) نفسها لبدء سنتها الدراسيّة الثانيّة في اختصاص العلاج الانشغالي ،الذي يجمع المواد العلميّة من علم التشريح، ووظائف الأعضاء، ومواد علم النفس.
واختارت نور اختصاصها رغبة منها بمساعدة أشخاص يعانون من مشاكل جسديّة، أو إدراكية في بلاد كانت حتى زمن قريب لا تعترف بوجود مشكلات من هذا النوع وبضرورة التعامل العلمي معها.
وقد تلقّت نور تشجيعا من أهلها باعتبار أنّ الاختصاصات العلميّة منتجة أكثر من تلك الأدبية وتضمن فرص عمل مستقبليّة في المستشفيات أو في مراكز تأهيل المعوّقين.
التخصصات العلمية
تمنح كليّة العلوم الطبيّة في الجامعة اللبنانية شهادة دكتوراه في الطب، ومدة الدراسة فيها هي سبع سنوات، تليها شهادة طب اختصاص في الجراحة العامة، أو أمراض القلب وغيرها، فيما يمكن للطالب في كلية طب الأسنان الاختيار بين دبلوم جراحة في طب الأسنان، وشهادة اختصاص في طب الأسنان، وشهادة الدكتوراه في علوم طب الأسنان التي تمتدّ الدراسة فيها على خمس سنوات.
وابتداء من السنة الحاليّة، تتّبع كليّة الصيدلة نظام الأرصدة الجديد الذي يسمح للطالب، بحسب عميدة الكليّة الدكتورة ماري تويني، الحصول على دبلوم دكتوراه في الصيدلة في خمس سنوات. وعلى ضوء النظام الجديد،تمّ تعديل المنهاج الدراسي بإدخال بعض المواد الجديدة لمواكبة التطوّر العلمي، وتمّ افتتاح شعبة الانكليزية للطلاب الراغبين بالدراسة باللغة الانكليزية. وتؤمن هذه الشهادة للطالب مزاولة المهنة أو التسجيل في الماستر البحثي،حيث أن الكليّة تضمّ ثلاثة مختبرات بحثيّة لاستقبال الطلاب. وتشدّد د.تويني على أنّ الكليّة لا تعاني من مشاكل أكاديميّة علميّة، فالمستوى مميّز بالرغم من المشاكل الإدارية والماليّة العامة موضحة أن اختصاص الصيدلة مرتبط بسوق عمل واسع ومهمّ في لبنان. وبعيدا عن الصيدلة، تمنح كليّة الهندسة شهادة دبلوم في الهندسة المدنية (أشغال عامة - البناء وتنظيم المدن)، وهندسة كهرباء وإلكترونيك (معلوماتيّة)، وهندسة ميكانيك (طاقة - تركيب آلات - أوتوماتيك). وفي العام الدراسي 2009-2010 ضمّت هذه الكليّة 2492 طالبا، وهو عدد مماثل لأعداد السنوات الأربع الماضية.
وسنويّا، يتمّ درس السياسة التربويّة لكليّة الصحة العامة، التي توفّر هذا العام إجازات في العلوم التمريضيّة، وفي الإشراف الصحي، والعلاج الفيزيائي، والقبالة القانونية، وتقويم النطق، والعلاج الانشغالي، والعلوم المخبرية، والصحة والبيئة، والتغذيّة.
وأصبحت مدة الدراسة ثلاث سنوات، باستثناء اختصاص العلاج الفيزيائي الذي يمتد إلى أربع سنوات بقرار من النقابة. وتشير مديرة الفرع الأول د.فاتنة سليمان إلى أن افتتاح غرف العناية والمراكز الطبيّة في الكليّة لاستقبال المرضى مقابل تعرفة رمزية سيسمح للطالب بالتدرّب، مع التأكيد على أن مجال البحث العلمي في تلك الاختصاصات ما زال يواجه عقبات منها عدم تعاون المستشفيات والمراكز الطبيّة مع المشاريع البحثيّة.
ويزوّد مكتب التوجيه في الكليّة الطالب بالمعلومات عن الاختصاصات التي تعتبرها د.سليمان اختصاصات منتجة، وهي توّفر للطالب بعد تخرّجه فرصة عمل في القطاع الصحّي. وفي العام الدراسي الماضي، انتسب إلى الكليّة 2171 طالبا ما يعادل ثلاثة في المئة من العدد الإجمالي لطلاب الجامعة اللبنانيّة.
في المقابل، تمنح كلية الهندسة الزراعية والطب البيطري إجازة في العلوم الزراعية، وماستر مهندس زراعي مهني بعد سنتين من الإجازة. أما في فرع العلوم البيطريّة، فيمكن للطالب الحصول على الإجازة ثمّ على ماستر مهني. وفي كليّة الفنون الجميلة والعمارة، يستوجب الدخول في قسم الدراسات المعمارية حيازة الطالب الثانوية العامة فرع العلوم العامة أو علوم الحياة. أما في المعهد الجامعي للتكنولوجيا في صيدا حيث الدراسة هي جامعيّة ذات طابع تكنولوجي تطبيقي، فيحصل الطالب على الدبلوم الجامعي للتكنولوجيا في هندسة شبكات المعلوماتية والاتصالات، وهندسة صناعية وصيانة، وهندسة مدنية (أبنية وأشغال عامة)، والمعلوماتية التطبيقية في إدارة الاعمال. واستقبل المعهد العام الفائت سبعمئة وسبعة طلاّب، يتابع المتفوّقون منهم دراستهم في فرنسا ضمن اتفاقيّات شراكة مع الجامعات الفرنسيّة.