يعتبر قسم الطوارئ مختلفاً عن كل الاقسام في المستشفيات ما يقتضي ادارته وتنظيمه بما يأخذ في الاعتبار تعقيد المكان. انه ملتقى طرق بين الاستشفائي، وما قبل الاستشفائي، مهمته تنظيم الحالات الطارئة بحسب اهميتها (Régulation médicale) في ظل تشابك اتخاذ القرارات والتشخيصات والتوجهات ضمن اطار زمني محدود. لذا فإن مرور بعض المرضى واهاليهم في اقسام الطوارئ يمكن ان يشكل تجربة سيئة محبطة، بل عنيفة.
يعمل قسم الطوارئ في اطار مرجعي مكاني زمني مغاير للخدمات الكلاسيكية. وهناك تعارض بين مفهوم الفورية الموجودة في طلب المريض ومحيطه، وطول مدة الانتظار الذي تحتمه مبادئ الفرز الطبي.
في هذا المكان حيث العائلات ومقدمو الرعاية الطبية يلتقون في الممرات وبين الحمالات، تسود مشاعر غريبة تنم عن عدم فهم، او تخل او حتى ازدراء. فالجانب المرتبك والمشتت لاقسام الطوارئ حيث حتى مقدمو العناية يفتش بعضهم عن بعض، يتناقض بشدة مع التنظيم الصارم والدقيق الذي تتوقعه العائلات والمرضى عند مجيئهم. من هنا هذه الهوة بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى تنبت بذور العنف الاولى.
• ما هي اسباب هذه الهوة بين مقدمي الرعاية الصحية والمرضى؟
الاسباب بالطبع عديدة ومعقدة. من اكتظاظ اقسام الطوارئ الى ظروف العمل السيئة مروراً بنقص التدريب ومساعدة الموظفين من قبل اشخاص متخصصين. بالفعل ان 90% من اقسام الطوارئ لدينا لا تلبي المعايير الاساسية التي وضعها مرجع الاعتماد والتقييم للمستشفيات.
لكن التجربة تبرهن ان السبب الرئيس لهذا الفرق يبقى التواصل السيئ. اذ لا يكفي ان نعرف كيف نعالج حالات الطوارئ الطبية – الجراحية او ان نحسن تنفيذ الاعمال التقنية لكي نعرف كيف ندير قسم طوارئ. التواصل "فن" يجب ان يملكه كل مدير كشرط اساسي لادارة مكان معقد كقسم الطوارئ. هذا هو اساس نهج القيادة.
• ما هي التدابير المقترحة للحؤول دون حصول حالات كهذه؟
من الواضح ان لا احتجاجات ضحايا العنف الحاصل داخل قسم الطوارئ اكانوا مقدمي عناية او مرضى، ولا التصريحات الاعلامية للمديرين تكفي للقضاء على هذه الظاهرة. ففضلاً عن التدابير الفورية، التي تطالب بها اطقم الطوارئ بشدة بعد حصول اي اعتداء، ولكن نادراً ما تتخذ، من المهم ايضاً توفير التدريب اللازم لمقدمي الرعاية الصحية لمواجهة مثل هذه الحالات التي لا تحضّرهم لها مهماتهم العادية. في هذا المعنى، يمكن تعلّم العديد من التقنيات لرصد التصرفات العنيفة واستباقها.
من هنا ان مراجعة شروط العمل في اقسام الطوارئ اصبحت امراً ملحاً: ويتعلق الامر باعادة التفكير في مكان العمل والقوى العاملة لارساء شعور بتنفيذ عمل نوعي وبكل امان في قسم الطوارئ. من الملح ايضاً معالجة الادارة السيئة لاقسام الطوارئ الملحقة غالباً بأقسام اخرى من دون اي ربط منطقي معها. يمكن التفكير في العديد من الحلول: مثلاً يجب اتخاذ تدابير تفسيرية موجهة الى المرضى ومن يرافقهم على مدخل قسم الطوارئ تشرح دور كل موظف والغاية من الانتظار حسب خطورة كل حالة (الفرز الطبي)، واستخدام الشارات للتعرف الى مقدمي الرعاية... علاوة على ذلك، يجب ان يتواجد حارس في قاعة استقبال كل قسم طوارئ.
لكن من الضروري ايضاً توعية العاملين على تحليل كل حالة من الحالات التي يواجهونها في اطار عملهم وفهمها. في هذا الصدد، من افضل وسائل الوقاية من اعمال العنف داخل اقسام الطوارئ تقدير الوقت بشكل مناسب والعمل باستمرار على التدريب على حسن التعامل مع الآخرين وتحليل الممارسات داخل اقسام الطوارئ مع تحفيز ادراك وتدقير اكبر للهوية المهنية للعاملين في قسم الطوارئ.
بقلم الدكتور ناجي صعيبي
(Ns73@aub.edu.lb رئيس تحرير مجلة "طوارئ"، مؤسس ومدير المدرسة الوطنية للاسعاف والطوارئ.)