الخطة التربوية: تحسين للنوعية أم ترشيد للإنفاق؟!

طالما تغنّى لبنان بدوره الثقافي-التربوي الرائد في المنطقة، إلا أن هذا التباهي لا يلبث أن يصطدم في مراحله التعليمية ما قبل الجامعية بالعديد من العوائق "النوعية" و"المادية" التي تحول دون حصول التلميذ/ة اللبناني/ة على فرص متكافئة لتعليم نوعي ومتميز بتكلفة مجانية أو معقولة.
الواقع التربوي الراهن محط اهتمام وزارة التربية اللبنانية التي أقرّت مؤخرا خطة تطوير التعليم العام 2010-2015 والتي تستند الى خمس محاور أساسية هي:
أولا: تعليم متوافر على أساس تكافؤ الفرص ومن برامجه: تعميم رياض الأطفال (زيادة في نسبة الأطفال الملتحقين برياض الأطفال من الفئة العمرية 3-5 سنوات)، وتأمين المتابعة والنجاح (خفض نسب الإعادة من خلال وضع وتطبيق آليات للمعالجة والدعم)، وتأمين البنى التحتية (توزيع ملائم وعادل للمنشآت المدرسية في المناطق كافة).
ثانيا: تعليم جيد النوعية يساهم في بناء مجتمع المعرفة ومن برامجه: تمهين التعليم والإدارة (تعزيز التنمية المهنية للكادر التعليمي "معلمون ومديرون" وترشيد توزيعه في المدارس الرسمية)، وتحديث الإدارة المدرسية، وتقييم التعليم وتطوير المناهج.
ثالثا: تعليم يساهم في الاندماج من خلال التربية على المواطنة.
رابعا: تعليم يساهم في التنمية الاقتصادية من خلال تكنولوجيا المعلومات والإطار الوطني للمؤهلات.
خامسا: إدارة الشأن التربوي أي التطوير المؤسساتي.
وقد ركزت الخطة التربوية الخاصة بوزارة التربية على معالجة مشكلتين أساسيتين هما: تحسين نوعية التعليم العام في لبنان، وترشيد الإنفاق.
تنفيذا للجزء الأول من الخطة، اتخذت الوزارة مؤخرا العديد من الخطوات كان أبرزها عملية الدمج التربوي، مناقلات الأساتذة وإلغاء الترفيع الميسر للطلاب. هذه الخطوات كانت محط جدل بين الوزارة والمؤسسات التعليمية في لبنان وطاقمها التعليمي، بدءا بعملية دمج وإقفال المدارس التي يقل عدد طلابها عن 50 طالبا، حيث شهدت قرارات الدمج اعتراضات ومظاهرات احتجاجية من قبل الأهالي والطلاب والمدارس أنفسها، نتيجة ما اعتبر استنسابية واضحة في التعامل مع هذا الملف، وعدم أخذ بعين الاعتبار الظروف المحيطة بالطلاب.
إذ أنه وعلى الرغم من إدعاء وزير التربية أن قراره شمل المدارس التي يقل عدد طلابها عن خمسين طالباً، إلا أن الواقائع أثبتت استثناءه 98 مدرسة أخرى يقل عدد طلابها عن خمسين طالباً لأسباب غير واضحة.
أما فيما يتعلق بالمناقلات التي قام بها وزير التربية لسد العجز في بعض المدارس التي كانت تفتقد الى أساتذة المواد الأساسية، تؤكد الوقائع ان المناقلات تمّت من دون دراسة، وهذا ما حصل تماما في محافظة الشمال حيث أدت إجراءات المناقلة والتثبيت إلى خلل كبير ترجم بنقص كبير في المعلمين في مدارس طرابلس المكتظة بالطلاب وبفائض في مدارس الاقضية الشمالية، ما جعل كثير من الطلاب الطرابلسيين يمضون حصص الرياضيات والعلوم واللغة الفرنسية في الملعب ومنهم من هم في مرحلة الشهادة المتوسطة.
وبالانتقال الى الخطوة الثالثة، قررت الوزارة الغاء الترفيع الميسّر لتلامذة المدارس الرسمية، والذي كان معتمداً منذ تطبيق المناهج الجديدة، لتلامذة صفوف الحلقة الأولى من التعليم الأساسي أي الأول والثاني والثالث الابتدائي، واستبداله بنظام تقييم يمكن الإدارة من تقييم أداء التلميذ/ة، وترافقت هذه الخطوة مع البدء بتطبيق الدعم المدرسي في مئة مدرسة رسمية على أن تتوسع الوزارة تدريجياً في هذا الأمر. وعلم ان اختيار المدارس تم استنادا إلى إحصاءات المركز التربوي، التي تشير إلى نسبة رسوب وتسرّب مرتفعتين سجّلتهما هذه المدارس، في الصف الرابع الابتدائي، الذي تمّ اختياره باعتباره "صف مصفاة".
لكن هذه الخطوة شهدت أيضا احتجاجات اعتراضية من قبل بعض المديرين في التعليم الأساسي الرسمي الذين اعترضوا على قرار الإلغاء، مؤكدين أن المردود النفسي الايجابي لتطبيق الترفيع الميسر أكثر بكثير من سلبية إلغائه، كما أعلنت بعض المدارس الخاصة عدم التزامها قرار.

ختاما، وعلى الرغم من الجهود التي تقوم بها وزارة التربية، يرى المراقبون أن هذه الجهود لن تأتي بالنتائج المرجوة كونها لا تلحظ التفاوتات المناطقية أوضاع الطلاب والأساتذة.
وفي هذا السياق، يثار أكثر من علامة استفهام حول الأهداف الحقيقة للخطة التربوية، التي يبدو أنها تتجه نحو ترشيد الإنفاق الخاص بميزانية وزارة التربية أكثر من تحسين نوعية التعليم للطلاب.
إن تحسين مستوى التعليم واتاحة فرص متكافئة لجميع اللبنانيين واللبنانيات يتطلب نظرة أكثر عمقا للواقع التربوي ، ومراجعة تفصيلية تتوخى تعزيز قطاع التعليم الرسمي وتكامله مع القطاع الخاص، والذي بات دوره يطغى على قطاع التعليم العام، في وقت تشير الإحصاءات الاخيرة الى استمرار التراجع في نسب إقبال الطلاب على المدارس والثانويات الرسمية.