ينهمك محمد في تعبئة استمارة دخول الى إحدى الجامعات الخاصة للتخصص في الصيدلة، بعدما علم أن الجامعة المذكورة، تقدم عرضاً يتمثل في اعفاء كل طالب يتقدم بطلب في المعرض من رسوم التسجيل، وقال بعد جولة في المعرض «شجعني العرض وشرح مندوبة الجامعة، وهيك بوفر رسم التسجيل، مع العلم أني كنت أنوي التسجيل في هذه الجامعة لأن أخي فيها، وعندي كل المعلومات، بس حبيت أن أقوم بجولة في الأول ومن ثم أقرر، وساعدني المعرض كثيراً في التعرف على الجامعات والاختصاص الذي أحبّ، وأيضاص الكلفة المادية».
وحال محمد شبيهة بمئات الطلاب الذين توافدوا منذ العاشرة والنصف من صباح أمس الى قصر الاونيسكو، تبعاً لبرنامج محدد سلفاً مع المدارس الرسمية والخاصة، للإطــلاع على ما يقدمـــه المعرض التوجيهي الثالث الذي أقامه المركـــز الإسلامي للتوجيه والتـــعليم العالي، ويستمـــر ثلاثة أيام، برعاية وزير الاتصــالات شربل نحاس.
أما سهى وزميلاتها في السنة ثانية هندسة عمارة في معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية، فكان لهنّ بحث آخر، يتمثل في إيجاد جامعة تقبل بمعادلة علاماتهن، ويوجد فيها اختصاص مزدوج. وترفض سهى وزميلاتها انتقاص أي علامة من العلامات التي حصلن عليها من المعهد، عند المعادلة. وخلال لقائها مع إحدى مندوبات الجامعات الخاصة، حصل نقاش، خرجت بنتيجته أنه لا مجال لها للانتقال الى جامعة ثانية.
وعلى عكس المعارض السابقة، ليس معرض المركز الإسلامي موجهاً لطلاب المرحلة الثانوية فقط، بل لطلاب الجامعات والمرحلة المتوسطة أيضاً. ويشرح المدير العام للمركز المهندس علي زلزلة لـ«السفير» المنهجية التي يعتمدها المركز، بالإشارة الى «أن عملية التوجيه تنطلق من مرحلة التعليم الأساسي ومن الصف الخامس والسادس حتى يستطيع التلميذ أخذ قرار سليم لبناء شخصيته، وكي لا يقع في الضياع. وفي هذه المرحلة يتعرف التلميذ على ذاته، ونقاط القوة والضعف، وبناء أهدافه المستقبلية بعيداً عن تأثيرات الأهل، ويترافق ذلك، مع ورش عمل تدريبية يقيمها المركز في المدارس».
وعن تسلسل المنهجية قال «يتم عقد ورش لها علاقة بالمهارات الحياتية بدءاً من الصف السابع الأساسي، وكيفية إدارة الوقت، والتواصل، وجميعها أمور تتعلق بالتلميذ وبالمهارات التعلمية. ويتم التركيز على المهارات لدى التلامذة، وتتعلق بأنماط التعلم والدراسة المنزلية، والقلق من الامتحانات، صناعة الخريطة الذهنية، كتابة الملاحظات، وكيفية إعداد البحوث للصفوف الثانوية».
أما عن المرحلة الجامعية أوضح زلزلة أن المركز ينطلق ببرنامج لإكساب الطالب المهارات في كل ما له علاقة بالسيرة الذاتية، وكيفية اكتساب بعض المهارات التنفيذية، وقد بدأنا مع الأساتذة، على ان تتواصل العملية.
وعن مرحلة التعليم المهني قال «أما التوجيه المهني فيبدأ من الصف الحادي عشر ويتعلق بالذكاءات المتعددة من خلال اختبارات وورش عمل وربطها بعالم الاختصاصات، والجامعات، وفي هذه المرحلة يبدأ الطالب بالتعرف على التعليم المهني، وهنا يأتي دور المركز في توجيهه الى الاختصاص تبعاً لشخصية كل طالب، إن كان نحو التعليم العلمي أو الإنساني، واتخاذ القرار السليم.
وعما يميّز المعرض هذا العام عن المعرضين السابقين، لفت زلزلة، الى أن المعرض يرتكز على فكرة ثلاثية الأبعاد «جعل الطالب يسأل لمعرفة ماذا يريد، وتزويده بالمهارات من خلال ورش العمل التوجيهية، وزيارة الجامعات للاطلاع عليها عن كثب».
وأعلن زلزلة جديد المركز للعام الحالي، وهو إصدار جديد متميز لدليل الجامعات وبطريقة مبرمجة وإصدار مطبوعات جديدة عن الاختصاصات والمهن، ودورات وورش عمل حول مجموعة من المهارات للطلاب الجامعيين والخريجين والمهتمين، مشيراً الى «عشرات القروض والمنح والحسومات الجامعية التي قدّمها المركز للطلاب المستحقين».
نحّاس: 75%
من متخرجي العلوم يهاجرون
ووصف الوزير نحاس لحظة اختيار المسار المهني ومسار التخصص من اللحظات الصعبة وتلقى مسؤوليات كبيرة من خلالها على شبان وشابات ما زالوا في طور التعليم الثانوي، متأثرين باعتبارات عديدة بعضها ينقل إليهم من أهلهم».
وأعرب عن اعتقاده أن سوق العمل في لبنان تشوبها اختلالات عميقة جداً، و«إذا نظرنا الى ما هو متوافر من إحصاءات يتبين بصورة جلية لدى مراجعة الإحصاءين اللذين وضعا عن أوضاع السكان في سنتي 1996 و2004 بالمقارنة مع أعداد الفئات العمرية، أنه خلال هذه الفترة كانت النسبة الصافية للمغادرين من الفئات العمرية مرتفعة».
وأشار الى ان «هذه النسبة هي الأعلى بالنسبة الى الشبان والأدنى بالنسبة الى الشابات. وإذا نظرنا الى إحصاءات أخرى يتبين انه في مختلف الاختصاصات ولا سيما الاختصاصات العلمية، توفق نسبة المغادرين الثلثين، بل تبلغ الثلاثة أرباع». ورأى أن «هذا الوضع يرتب نتائج ظاهرة للعيان، إذ يجعل مستويات الدخل التي يطمح اليها اللبنانيون غير مرتبطة بالقدرات الإنتاجية المحلية، وينتج من ذلك أن الجامعات تسير بهذا الاتجاه لتتكيف مع بنية الطلب الناتجة من الارتباط الحاسم بالسوق الخارجية للعمل، أي أن تخصصات الجامعات ومناهجها وكلفة الدراسة فيها تبنى ليس على أساس الدخل الذي يمكن أن يحصله الطالب في سوق العمل المحلية، إنما مباشرة من خلال العمل خارج لبنان».
أضاف نحاس: «مقابل هذا الوضع حصلت تطورات على صعيد الوضع الجامعي الذي هو في قسم منه قائم على الجامعة اللبنانية، والآخر على عدد كبير جداً من الجامعات الخاصة وبالتالي المردود الاقتصادي للاستثمار في التعليم العالي متفاوت بين الجامعة الرسمية والجامعات الخاصة، والإقبال على الجامعة الرسمية يفترض أن يكون كبيراً، فالكليات في الجامعة اللبنانية تعتبر الأكثر أهلية لتخرّج طلاباً قادرين على الدخول في السوق الخارجية للعمل، ونلاحظ أنه تمّ حصر الدخول إليها من خلال مباراة، لأن هناك طلاباً كثراً لا يستطيعون ان ينجحوا في المباراة».
ولاحظ «ان لبنان ينتج من المتعلمين في المستوى الجامعي أكثر بكثير مما تستدعي بنية الإنتاج. في المقابل، المهارات التنفيذية المتوافرة فعلياً في الاقتصاد اللبناني متدنية جداً ما عدا بعض الحلقات الاستثنائية، مما يضطرنا في القطاعين العام والخاص الى الاستعانة تكراراً بمؤسسات خارجية، والتي في كثير من الحالات تنتدب لنا لبنانيين مهاجرين الى الدول التي تعمل فيها هذه المؤسسات».
واشار الى ان «هذه الصورة كلها شديدة الترابط وهي ليست ناتجة عن صدفة أو قدر بل من لغط اقتصادي ومؤسسي قائم على الاستفادة من بعض الميزات النسبية القائمة في بنية المجتمع اللبناني لناحية الإقبال على التعليم وبعض الميزات في امتلاك اللغات وبعض العادات الاجتماعية التي تعطي اللبنانيين كأفراد ميزة معينة في سوق العمل لتصديرها، وفي مقابل ذلك هذه الهجرة المتراكمة لا عجب أن تولد تدفقات مالية هائلة ترد الى البلد، فتغذي استهلاكاً يفوق بنسبة غير طبيعية حجم الإنتاج المحلي، وبالتالي تتركز الأنشطة القائمة في لبنان على الحلقات المتصلة مباشرة، أما باستقبال الأموال وتوزيعها أي القطاع المالي، وإما بتوفير سبل الاستهلاك للنقل والتسويق والتجارة».
ولفت الى «أن إدارة الأمور تحتاج الى عمل ارادي حاسم تقع مسؤوليته على الدولة لا على القطاع الخاص، فالدولة وحدها قادرة على إعادة ترسيم الأعباء والمنافع بما يدفع القطاع الخاص من التعليم الجامعي الى الشركات الإدارية، الى شركات التسويق والشركات الفنية كي ينتقل من مكان يكون الربح فيه على اقتناص بعض الحصانات او بعض التراخيص او بعض الوكالات الى مكان يصبح الاستثمار في الإنتاج والإبداع، بما في ذلك الصناعة استثماراً مربحاً، هذه النقلة نسعى بكل جهدنا الى أن ننفذها، وطبعاً هناك معارضات شديدة لها، بعضها ناتج من قلة إدراك وبعضها من سوء نية».
بعد ذلك، افتتح نحاس والحضور المعرض وجال في أقسامه التي تضمّنت أجنحة للمتخرجين الجامعيين العاملين في السوق. كما تضمّن أجنحة لـ 24 جامعة خاصة، إضافة الى ركن خاص بالجامعة اللبنانية، وعشرة قطاعات مهنية، بالإضافة الى قاعة للمحاضرات وورش العمل، وأخرى لاستقبال الطلاب، وركن الاختبارات لمساعدة الطلاب على كيفية الاختيار.(السفير 3 كانون الأول2010)