"نظام التمويل الصحي، مدخل الى تغطية شاملة"، عنوان ورشة العمل التي نظمتها وزارتا الصحة والاقتصاد في ألمانيا، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية وتخللها إطلاق التقرير العالمي للصحة في لقاء في برلين، جاء هذا العام بعنوان "التغطية الصحية الشاملة".وجاءت دعوة وزارة الصحة اللبنانية للمشاركة في الورشة، انطلاقا من الانجازات التي حققها لبنان ويتضمنها التقرير العالمي.ولاقت الانجازات اللبنانية التي تتحدث عن طرق التمويل الصحي تنويها من المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغريت تشان.وقد تألف الوفد اللبناني من وزير الصحة الدكتور محمد خليفة، والمدير العام لوزارة الصحة الدكتور وليد عمار والمستشار الدكتور عماد الحاج.
بعد الافتتاح الرسمي الذي رحب خلاله وزير الصحة الألماني فيليب روزلير والاقتصاد والتعاون والانماء ديريك نيابيل بالحضور وتمنيا لهم النجاح، قدمت المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية الدكتورة مارغيريت تشان لمحة عن أبرز مما جاء في التقرير والذي استغرق تحضيره حوالي السنتين .وأشارت الى نسبة من الأشخاص لا يحظون بالتغطية الصحية في العالم، وقالت انه على الدول العربية أن تتعاون أكثر مع الدول الفقيرة لتحسين واقع التغطية الصحية لشعوبها، مذكرة بأهمية إطلاق البرامج الصحية الأولية لتحسين صحة المواطن، وذلك من خلال برامج التوعية .ودعت تشان صناع السياسات الصحية الى التنويع في البرامج مشيرة الى أهمية مشاركة القطاعين العام والخاص في تحسين الأداء ، ونوعية الخدمات واستشارة الدول الغنية لتساعد الدول الفقيرة في تسيير أمور أنظمتها الصحية.وتحدثت عن الانجازات في بعض الدول، ومنها لبنان، وأهمها إنشاء مراكز الصحة الأولية التي في إمكانها خفض الفاتورة الصحية من خلال الكشف المبكر عن الأمراض والتنبه الى تداعياتها ومعالجتها بواسطة التحصين المسبق كاستخدام اللقاحات، بحيث تكون كلفة المعالجة أقل كلفة قبل ان يتطور المرض، كما ركزت على خفض الكلفة في بعض البلدان.
وأبرز ما تم عرضه في اللقاء الذي ضم عددا كبيرا من وزراء الصحة في العالم وخبراء عدة، شرح أنظمة صحية عدة مع تبيان كل الحسنات والسيئات لكل هذه الأنظمة، في دول ذات كثافة سكانية مرتفعة خصوصا ما فوق ال 100 مليون شخص، ومنها البرازيل والمكسيك حيث لا تغطية صحية من وزارة الصحة إلا على نوعين فقط من الأمراض السرطانية، هما شرطان الثدي وسرطان عنق الرحم ، فيما لا تغطي الدولة كلفة غسيل الكلي للمحتاجين، وفي الفيليبين حيث هناك 30% من الأشخاص لا يتسنى لهم معاينة الطبيب ومصيرهم الموت.وكذلك تم عرض استراتيجيات العمل في البلدان الصغيرة النامية والمتقدمة.
انجازات وزارة الصحة اللبنانية
شارك لبنان ضمن طاولة مستديرة يشرح خلالها وزير الصحة الدكتور محمد خليفة الانجازات التي حققتها الوزارة من حيث خفض الكلفة الاستشفائية.وقال ان التقارير الصحة العالمية كانت تتحدث في السابق في شكل سيئ عن لبنان، ولكننا بدأنا بالعمل على أصعدة عدة، والسبيل للوصول الى النجاح في الوضع الصحي يكمن في إبعاد القطاع عن التجاذبات السياسية وتباع خطة عمل كالآتي:
أولا: تطوير الموارد البشرية الموجودة في الوزارة من خلال فتح الأبواب للمستشارين وأصحاب الكفاءة،وفي الطليعة المؤسسات الأكاديمية.
ثانيا: اعتماد نظام المعلوماتية ليتم تشخيص المشكلات ومعالجتها على أساس علمي وليس من خلال المحسوبيات السياسية والمعايير العلمية.
ثالثا:يجب أن يكون هناك نظاما صحيا عاما وآخر خاصا، من هذا المنطلق ، كان الاندفاع نحو تفعيل المؤسسات الصحية .فمن عام 1999 الى عام 2004 غطت وزارة الصحة 135 ألف حالة إستشفائية في القطاعين العام والخاص، ولم تكن موازنتها أكثر من 3,5 % وكان هناك عجز سنوي ، نتيجة هذه العمليات نحو 50 مليار ليرة.واليوم، تعالج وزارة الصحة 260الف حالة إستشفائية في لبنان، منها 150 ألف حالة في المستشفيات الحكومية، وهناك نحو 60% من مجمل العملية الاستشفائية في لبنان تتم على نفقة وزارة الصحة، وبعد دراسة معمقة للتجارب العالمية حددنا مكامن النجاح والفشل في كل تجربة، من أقصى تجاب اليسار الاجتماعي الى النظام الليبرالي الذي يعتمد نظام السوق الحر في الولايات المتحدة الأميركية ، وحددنا العناصر التي أدت الى الفشل، وتعلمنا منها لتحديث نظامنا الصحي.لكن أهم عنصر اكتسبناه كان في اكتساب المستشفى الحكومي ثقة المواطن، واهم ما أجريناه خلافا لوزارات الصحة في العالم أننا التزمنا نظام الاعتماد في المستشفيات الحكومية، وفي الوقت عينه لم نميز القطاع الخاص عن العام، وخضنا تجربة الشراكة على مبادئ الشفافية مع القطاع الخاص والجودة في العمل، وخصوصا ان بعضها اعتاد على الربح الرعي من الدولة نظرا لوجود محاصصات سياسية وطائفية، فخرجنا من هذا الجو الى حد بعيد، بحيث ان قسما كبيرا من التمويل تم تجييره لمصلحة المستشفيات الحكومية.
وأصبحت الشراكة مع القطاع الخاص تستند الى معايير متطورة مقارنة بالتي كانت سابقا، وقريبا سنتقاعد على أساس التخصصات المتميزة، ونتيجة لهذه السياسة أصبح عدد كبير من المستشفيات الحكومية جامعية وقسم منها يدرب الأطباء والممرضين.هذه الأمور مجتمعة استعادت ثقة المواطنين فبدا قسم منهم يطلب العلاج في هذه المستشفيات.
رابعا:موضوع الدواء كان يعاني مشكلات كثيرة مما يوجب اتخاذ خطوات عملية تنقلنا من واقع الى أفضل.المشكلة في غلاء الفاتورة الدوائية اليوم ، وتود الى ان معظم الأدوية التي صنعت آخر 5 أعوام هي أدوية بايوتيك تتمتع بحصانة عالمية من خلال الملكية الفكرية، ولذلك وضعنا نظام شفافية الدواء في وزارة الصحة.
خامسا:نظام الرعاية الأولية، فقد كان هناك نظام المستوصفات ولا علاقة للدولة فيها .وفي سياستنا الحالية اعتبرنا ان على مراكز الرعاية الأولية ان تكون كما في المستشفيات وبأهميتها، نظرا للدور لذي يمكن أن تؤديه في تحسين صحة المواطنين وضبط الفاتورة الاستشفائية .سياستنا هي أن يكون هناك عقدا بين كل بلدية في لبنان ووزارة الصحة لإدارة المراكز الصحية في هذه البلدات وقد تعاون معنا حتى الآن 75 بلدية استوفت الشروط ووقعت اتفاقات مع وزارة الصحة لإنشاء المراكز التي رفعت نسبة التحصين والكشف المبكر.وقال ان الأنظمة الصحية حتى تكون ناجحة يجب ان تأخذ في الاعتبار أهمية التعاضد والتكافل الاجتماعي.
حضور هذه المؤتمر تزامن مع تحضير وزارة الصحة لإطلاق البطاقة الصحية التي ستغطي أفراد المجتمع اللبناني الذين لا يستفيدون من أي تغطية صحية، خصوصا المحتاجين أو الأكثر عوزا، كما أوضح المستشار في الوزارة الدكتور عماد الحاج.هذا النظام الصحي الذي ستطلقه الوزارة قريبا سيكون إلزاميا، مما يكرس مبدأ التكافل والتضامن في عملية التغطية، وسيتم التركيز على تحسين أداء المستشفيات الحكومية في البلد.(النهار 2 كانون الاول2010)