ـ شو يعني مسلم؟
ـ كاثوليكي
ـ أين تقع زحلة؟
ـ في الجنوب
ـ من هو الأمير فخر الدين؟
ـ لا جواب
ـ من هو فؤاد شهاب؟
ـ لا جواب
هي بعض نماذج الأسئلة التي استشهدت فيها مديرة كلية التربية (الفرع الثاني) في الجامعة اللبنانية د.تيريز الهاشم لتشير إلى افتقاد تلامذة التعليم الرسمي في لبنان لـ«أدنى الأطر المرجعية في جغرافية لبنان وتاريخه وسوسيولوجيته واقتصاده»، سائلة «من هو المواطن الذي تنتجه مدارسنا».
وأوردت الهاشم استشهادها في ندوة «قطاع التعليم ما قبل الجامعي في لبنان: نحو إستراتيجية وطنية»، التي نظمها المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، كتأكيد على الخلاصة التي كان الدكتور محمد شيا قد خرج بها وتفيد أن «نظام التعليم في لبنان مسؤول عن إعادة إنتاج النظام السياسي الطائفي في البلد، حيث تسهم «التربية الحالية في تدمير مرتكزات الوطن عبر تدمير التعليم الرسمي»، معتبراً أن «حرية التعليم تحولت إلى عامل مقلوب للوحدة الوطنية والاندماج الاجتماعي».
طبعاً يرتكز كلام د.شيا إلى الواقع التعليمي الميداني حيث أضحى لكل طائفة ومذهب، بل لكل مجموعة ومنطقة مدرستها ومنهجها، في تكريس للانقسام المناطقي والطائفي والمذهبي، بعيداً عن أي دور رقابي فاعل للدولة.
وكان من المفترض أن ترتكز الندوة إلى ورقة عمل الدكتور عدنان الأمين حول التعليم ما قبل الجامعي، استناداً إلى «الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان (2007)» التي أعدتها الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية ولجنة الإستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في لبنان، وشكلت محور الخطة التربوية التي اقرها مجلس الوزراء في العام 2009 ، لكن، ومع مداخلات أصحاب الاختصاص، وهم في مجملهم من الخبراء التربويين العالمين بخفايا وبعمق الإشكالية التربوية والتعليمية، تحول اللقاء إلى مناسبة لـ«تشريح» التعليم الرسمي في لبنان، وعدم جدوى كل الوثائق والإستراتيجيات والخطط التي تناوب على وضعها وزراء التربية ومستشاروهم منذ إقرار اتفاق الطائف، وحتى الأمس القريب.
ويتعزز هذا المنحى مع الاستنتاج الذي توصل إليه الدكتور عماد سماحة من أن أهداف الخطط والإستراتيجيات «تبقى حبراً على ورق في ظل استمرار النهج التربوي السائد، والسياسات العبثية بمعزل عن انتماءات هذا الوزير أو ذاك»، مؤكداً انه «لا يمكن إعارة هذه الدراسات وأهدافها أي أهمية، والبرهان انه لم ينفذ منها شيء». وأوضح سماحة «أن المعطيات تشير إلى المزيد من التراجع»، معتبراً انه «إذا لم تستطع هذه المقاربة تحقيق أهدافها تصبح ساعتئذ مجرد إعلان «للنوايا الحسنة والإرادة الخيرة».
وبعدما عرض لعدد الخطط والإستراتيجيات التي أقرت منذ اتفاق الطائف ولغاية اليوم (لا يقل عددها عن ست خطط)، سأل سماحة «لماذا عندما تزداد الخطط والدراسات والإستراتيجيات التربوية الصادرة عن وزارة التربية، يتراجع معها التعليم الرسمي بمراحله وأنواعه ومستوياته كافة».
وبالفعل يمكن لمن يطَّلع على فحوى الخطط التربوية التي تضعها وزارة التربية في لبنان، أن يتوقع أن قطاعنا التعليمي يتفوق على النظم التعليمية في الدول المتقدمة، وليس فقط في الوطن العربي، لكثرة النظريات والمعايير العالية والتوقعات وسمو الأهداف الموضوعة.. وكل ذلك بعيداً عن التنفيذ.
ويكفي أن نذكر أن حصة التعليم الرسمي من التلامذة تدنت من 39.5 في المئة في العام 19950-1951 إلى 30 في المئة في العام الماضي لندرك حجم التراجع في القطاع، وعدم الثقة المتنامية عاماً عن العام . وعليه يستخلص الدكتور عدنان الأمين أن «الأوضاع السياسية في البلاد والسياسات الحكومية الفعلية بعد اتفاق الطائف أدت إلى تثبيت تناقص الثقة بالتعليم الرسمي»، محملاً «جميع القوى السياسية، داخل الحكومات وخارجها، مسؤولية المشاركة في إنتاج هذا الواقع».
ولم تكتف كل طائفة ومذهب وحزب ومجموعة دينية في لبنان بإنشاء مدارسهم، والتركيز على «تربية» تلميذ جاهز وفقاً لتوجهاتهم وأفكارهم فقط، بل حولوا المدارس الرسمية، كل في منطقته، إلى مؤسسات مساهمة في الفرز الطائفي والمذهبي. وتشير المعطيات التي وافق عليها جميع الخبراء المشاركين في الندوة إلى عجز الإدارة الرسمية عن إرغام مدرس واحد على التدريس في منطقة مختلفة عنه من حيث الانتماء الطائفي والمذهبي، وحتى السياسي في بعض الأحيان.
إنتاج نظام سياسي طائفي... وفشل أكاديمي
إذا كان التعليم الرسمي قد فشل في المساهمة في تأمين الانصهار الوطني، لا بل حمله البعض مسؤولية إعادة إنتاج النظام السياسي الطائفي في البلاد، فماذا عن دوره الأكاديمي البحت؟. نبدأ من رياض ألأطفال حيث يشير د. الأمين إلى أن نسبة كبيرة من أطفال الفئة العمرية 3-5 سنوات، ومن ذوي الاحتياجات الخاصة، ما زالت خارج الروضات، حيث لا يوفر التعليم الرسمي فرصا كافية للالتحاق بالروضات، ملاحظاً تدني نسبة المسجلين في التعليم الأساسي الرسمي إلى 37 في المئة. ويسجل الأمين وجود مشكلات جدية في المتابعة الدراسية، تظهر من خلال ارتفاع معدلات الإعادة والتأخر والتسرب التي تظهر بأقوى حالاتها في الصفين الرابع والسابع. وتسجل فروق بين القطاعين الرسمي والخاص، لصالح الخاص، بما فيها النجاح في الامتحانات الرسمية.
ويطال تقصير النظام التعليمي ذوي الاحتياجات الخاصة كونه «لا يوفر تدابير كافية للعناية بهم (من موهوبين وأشخاص معوقين) من حيث المستلزمات والموارد التربوية، والمادية والبشرية.
ويبقى الإقبال على التعليم الثانوي «متوافرا بصورة مقبولة، إذ يلتحق به، وفق الأمين «نصف من هم من الفئة العمرية 15ـ17، لكنها معدلات ما زالت أقل من النسب المسجلة في الدول المتقدمة».
وبعد حديثه عن «نقلة نوعية في المناهج الجديدة» مقارنة بما كان موجوداً، وتوقفه عند مكامن الخلل فيها، توقف الأمين عند «الخلل الموجود في المناخ المدرسي والمتمثل في ضعف العلاقات بين الطلبة والمعلمين والإدارة والأهل»، مؤكداً «أن النواتج التعلمية متدنية في اللغات والرياضيات والعلوم مقارنة مع الكفايات المطلوبة وقياساً إلى المعايير العالمية، وان مساهمة التعليم العام في لبنان في نشر واستخدام تقانة المعلومات والاتصالات ما زالت محدودة».
ويسجل الأمين «نقصاً في الثقافة العامة في المناهج، كما في مجال التربية الفنية (موسيقى، فن تشكيلي، مسرح) وفي الأنشطة اللامنهجية»، ليقول أن التعليم الأساسي الرسمي يواجه «مشكلات جدية في مؤهلات معلميه لجهة النسبة العالية لحملة الشهادات الثانوية وما دون، وعدم تحديد آلية التعاقد مع معلمين من حملة الإجازات، وعدم الخضوع لأي إعداد تربوي، والاستمرار في التعاقد مع أساتذة تعليم ثانوي من حملة الإجازات من دون إعداد تربوي، وتعيين أساتذة التعليم الثانوي المتعاقدين في الملاك بعد دورة «إعداد تربوي» قصيرة». وتساءل الأمين «كيف وصل عدد المتعاقدين في التعليم الرسمي إلى 12 ألفا خلال السنوات الماضية؟ وكيف انحصرت مباريات التعيين بالمتعاقدين؟ وكيف يجري تعيين الراسبين في المباريات؟»، ليعود ويحمِّل جميع القوى السياسية مسؤولية ذلك»، مضيفاً إليها «الإدارات والروابط».
ويتوافق الأمين مع ما عاد د.شيا وأكده نسبة إلى «ضعف دور المدرسة في بناء الانتماء الوطني، عبر ضعف التوليف ما بين الهوية الوطنية وغيرها من المصطلحات ذات العلاقة كالانفتاح الثقافي والتنوع والهويات الطائفية والعيش المشترك، وعدم إنجاز الأبعاد التاريخية والجغرافية والسياسية للهوية في حد أدنى من التوافق، والتباين ما بين المدارس، وما بين الكتاب المدرسي وما يقوله المعلم في موضوع التنشئة الوطنية». ويتوقف الأمين عند ضعف دور المدرسة في التنشئة المدنية والشراكة الإنسانية والقضايا البيئية، وتأمين مساحات الاختلاط الاجتماعي (بسبب فرز المدارس والجامعات).
واستشهد الأمين بدراسة أجريت في العام 2008 على مستوى المعارف والمهارات المدنية لطلبة الصف التاسع في لبنان، أي بعد ثماني سنوات على تطبيق المنهج الجديد، وذلك بالمقارنة مع 28 بلدا فجاء لبنان في طليعة البلدان ذات الأداء الضعيف في المحتوى المعرفي (أي أفضل المجموعة الضعيفة). وبينت الدراسة أن إنجاز الطلبة في لبنان في المهارات المعرفية أدنى من انجازهم في المحتوى المعرفي، فقد جاء لبنان في أواخر المجموعة الضعيفة في المهارات المعرفية. ما يعني أن طلبة لبنان قد «يعرفون» المفاهيم المدنية لكنهم لا يمتلكون مهاراتها الأدائية.
ورغم دفاع مستشار وزير التربية د. مازن الخطيب عن الأداء الرسمي، إلا انه أشار إلى عجز الإدارات الرسمية عن الوقوف في وجه التدخلات الحزبية والسياسية، وتقصير الجميع في ضبط التعاقد مع الأساتذة ومساهمة كل الأفرقاء في تجميع المعلمين ضمن مناطقهم عبر التدخلات في المناقلات.
وتوقف الدكتور حسين بدران عند تأثير كثرة واضعي الخطط والإستراتيجيات لدى تولي أي وزير جديد لحقيبة التربية بغض النظر عن انتماءات هذا الوزير أو ذاك.
وقدم الدكتور المحامي حسين جمول مطالعة في الشكل وفي المضمون لمحتوى الإستراتيجية التربوية، ليتوقف عند جواب وزير التربية على المطالبة بإشراك الخبراء التربويين في مناقشة الخطة التربوية قبل إقرارها بالقول «ما فينا نعمل هالشي قبل إقرارها... ما منعود نخلص».
أدار الندوة الدكتور محمد طي وقدم لها رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق عبد الحليم فضل الله.(السفير 2 كانون الأول 2010)