تتباهى وزارة الصحة والوزير محمد خليفة بالانجازات التي حققها لبنان على صعيد التمويل الصحي وخفض التكلفة الإستشفائية والتي أشاد بها التقرير العالمي للصحة الذي تم إطلاقه العام الماضي تحت عنوان "التغطية الصحية الشاملة" خلال لقاء في برلين. وللإشارة، فقد نوّه التقرير بخطة الدولة اللبنانية للإصلاح الصحي والتي هدفت إلى تحسين الأداء الإستشفائي وعصر الإنفاق من خلال إطلاق البرامج الصحية الأولية وبرامج التوعية لتحسين صحة المواطن. والجدير ذكره في السياق نفسه أن سياسة الدولة الصحية باتت ترتكز على تطوير مراكز الرعاية الأولية لكي تصبح كما المستشفيات وبأهميتها بعدما كان هناك النظام الصحي السابق يركز على المستوصفات التي لا علاقة للدولة فيها. وفي هذا الشأن، ترى الدولة أن هذا التوجه الجديد سيؤدي إلى خفض الفاتورة الصحية من خلال الكشف المبكر عن الأمراض والتنبه الى تداعياتها ومعالجتها بواسطة التحصين المسبق كاستخدام اللقاحات، تطوير الموارد البشرية الموجودة في الوزارة من خلال فتح الأبواب للمستشارين وأصحاب الكفاءة وفي الطليعة المؤسسات الأكاديمية، واعتماد نظام المعلوماتية ليتم تشخيص المشكلات ومعالجتها على أساس علمي.
وتظهر الإحصاءات، التي عرضها وزير الصحة محمد خليفة في برلين، أنه من العام 1999 وحتى العام 2004 غطت وزارة الصحة 135 ألف حالة إستشفائية في القطاعين العام والخاص، ولم تكن موازنتها أكثر من 3,5 % وكان هناك عجز سنوي نتيجة هذه العمليات يصل إلى نحو 50 مليار ليرة. واليوم، تعالج وزارة الصحة 260 ألف حالة إستشفائية في لبنان، منها 150 ألف حالة في المستشفيات الحكومية، وهناك نحو 60% من اللبنانيين يستشفون على حساب وزارة الصحة العامة وليسوا كلهم معدمي الحال (بين هؤلاء نسبة 20% يلقون الدعم الكامل من الدولة).
وكجزء من هذه السياسة الجديدة، اعتمدت وزارة الصحة اللبنانية أشكال مراقبة جديدة للقطاع الصحي حيث التزمت نظام الاعتماد في المستشفيات الحكومية، وفي الوقت عينه لم تميز القطاع الخاص عن العام. وتطمح الدولة إلى تطوير تجربة الشراكة على مبادئ الشفافية مع القطاع الخاص والجودة في العمل. وتقر الحكومة الآن، ان بعض المؤسسات الخاصة اعتادت على الربح الريعي من الدولة نظراً لوجود محاصصات سياسية وطائفية، كما قامت بتجيير قسم كبير من التمويل لمصلحة المستشفيات الحكومية وبالتشدد في مراقبة الأدوية وتخفيض الفاتورة الدوائية.
وبحسب التقرير العالمي، ساهمت هذه الخطة التي اعتمدتها الدولة بخفض الإنفاق العام على الصحة من 12.4% إلى 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك عبر خفض الإنفاق المباشر للأسر من 60 إلى 44% من إجمالي الإنفاق. وقد كشف الوزير خليفة أن الإنفاق الصحي على الفرد في لبنان لا يتخطى الـ350 دولاراً سنوياً وهو يشمل الدواء، الاستشفاء وأتعاب الأطباء، حيث بات نظامنا الصحي يعتبر الأرخص مقابل ما يتم إنفاقه سنوياً في أوروبا وهو بحدود 7 الآف دولار للفرد و15 ألف دولار للفرد في أميركا. ورأى خليفة أن الخدمات الاستشفائية في لبنان تتميز بالسرعة في الحصول عليها، على عكس الكثير من الدول المتقدمة حيث ينتظر الفرد 9 أسابيع على الأقل للخضوع لأي عمل جراحي.
ولكن، وعلى الرغم من هذه الصورة الوردية، التي يهلل لها الوزير خليفة، فإن قراءة نقدية للواقع على الأرض من زاوية حقوق المواطنة تبين جلياً أنه لا يزال ثمة فجوات واسعة على صعيد تأمين الصحة للجميع. وإذا كان 60% من اللبنانيين يستشفون على حساب وزارة الصحة العامة، فإن القسم الباقي من المواطنين الفقراء هم خارج أي تغطية صحية، كما أن نسبة التغطية ليست كاملة حيث نجد أنه في أحيان كثيرة يتم تغطية 20 أو 30% فقط من كلفة بعض العمليات الإستشفائية، وتبقى كلفة الأدوية ورسوم الأطباء في لبنان من بين الأغلى في العالم والرقابة على القطاع الخاص ضعيفة.