165 ليرة في اليوم الواحد تكفي لدمج الأطفال المعوقين في المدارس الرسمية

هل يكفي أحد عشر سنتاً أميركياً (165 ليرة) في اليوم الواحد لدمج عشرة بالمئة من أطفال لبنان في التعليم النظامي، في المدارس الرسمية؟ ومتى ستقر «السياسة الوطنية للدمج المدرسي»؟ وإلى متى سيحرم الأطفال المعوقون حركياً، وبصرياً، وسمعياً وذهنياً من حق الوصول إلى الخدمات التعليمية الرسمية في لبنان؟. أسئلة لطالما شغلت جمعيات الأشخاص المعوقين، وأرجئ البحث فيها رسمياً لعدم إدراجها في سلم الأولويات الرسمي الذي لا يحتمل إلا السياسي والأمني.
مع انطلاقة العام الجديد، يتحضر «اتحاد المقعدين اللبنانيين» لإطلاق المرحلة الثانية من حملته المطلبية «عمّر للكل وما تعيق قدراتي»، بعنوان «الحملة الوطنية نحو بيئة مبنية للجميع». وقد طالت الحملة في مرحلتها الأولى، التي بدأت بعد انتهاء حرب تموز 2006، واستمرت حتى نهاية العام 2010، كافة المعنيين بإعادة الإعمار لضمان تمتع المباني العامة والخاصة المعاد إعمارها للمعايير الدنيا للبيئة الدامجة، المنصوص عليها في القسم الرابع من القانون 220/ 2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، وتتابع الحملة المطالبة للوصول إلى تطبيق قانون البناء بما يحترم قدرات وطاقات جميع المواطنين. ويواجه الأشخاص المعوقون في لبنان التهميش والعزل نتيجة السياسات العامة المتبعة في عدة مجالات كالتربية والتعليم، والعمل، والصحة وغيرها. ولعل أبرز الانتهاكات المسجلة بحقهم يتمثل بعدم تمتعهم بـ «حق الوصول، عبر غياب البيئة الهندسية الدامجة التي تمكنهم من التنقل بسهولة واستقلالية»، كما يشير أمين سر الاتحاد الدكتور مروان البسط. تلك البيئة «الدامجة الخالية من العوائق الهندسية نص عليها القانون، لكنه لا يزال ينتظر المراسيم التطبيقية كي يوضع موضع التنفيذ». ويشير البسط إلى أن الحملة انطلقت بعد «العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي خلّف دماراً كبيراً على مستوى البنى التحتية والأبنية والمرافق العامة. ودخل لبنان في عملية إعادة اعمار واسعة طالت معظم المناطق والقرى الجنوبية إضافة إلى ضاحية بيروت الجنوبية». وتهدف الحملة إلى إيجاد بيئة دامجة مجهزة وخالية من العوائق الهندسية، «تستجيب للتنوع الإنساني واختلافاته، ويمكن استعمالها بالتساوي من قبل الجميع»، وفق البسط.
كما عملت الحملة على توعية المعنيين على أهمية التجهيز الهندسي وضرورته لكافة الأشخاص في المجتمع وتنمية مهارات العاملين في القطاعين العام والخاص ونشر ثقافة كافية حول التجهيز الهندسي، مستهدفة «مجلس الإنماء والإعمار»، الوزارات المعنية، «مؤسسة جهاد البناء»، «مشروع وعد»، «مشروع إعادة إعمار الجنوب»، سعياً إلى الإسراع في اعتماد المعايير الدامجة. وبالتوازي مع «التدخل مع الجهات المعنية وبهدف تكوين قاعدة معلوماتية حول واقع الإعمار في لبنان، نفّذ الاتحاد مجموعة من الدراسات والمسوح الميدانية، ومنها تقرير رصد عملية إعادة الاعمار في الجنوب بعد حرب تموز، الذي أظهر أنه لم يتم العمل بالمعايير والمواصفات الهندسية والفنية المطلوبة في جميع المباني والمرافق التي أعيد بناؤها أو ترميمها من الأضرار»، كما تقول مديرة البرامج في الاتحاد سيلفانا اللقيس. وتشير اللقيس إلى فقدان معظم المدارس في لبنان للمواصفات الدامجة كما أظهر «المسح الميداني لأقلام الاقتراع الذي نفّذ قبيل الانتخابات النيابية في العام 2009. كما أثبتت دراسة التقدم نحو بيئة مؤهلة لاستقبال الاشخاص المعوقين» أن الكلفة الإضافية لتطبيق المعايير الخالية من العوائق تتدنى كنسبة مئوية عند ارتفاع قيمة الأعمال المقدرة للبناء بكامله، ما يعني أنه يكون من المفيد إدخال المعايير الخالية من العوائق، إذ أن الكلفة الإضافية ضئيلة مقارنة بالاستثمارت»، وفق اللقيس.
الدمج التربوي بالأرقام
كما تعمل الحملة في مرحلتها الثانية للوصول إلى «بيئة تربوية صديقة لكافة الفئات المجتمعية، تلتزم مختلف معايير التنوع، وبيئة تعليمية تضمن لجميع الفئات من الطلاب الدراسة في صفوف موحدة مع أقرانهم لتطوير إمكاناتهم الاجتماعية والمعرفية والمعنوية». فإذا كان حق الوصول يبقى الهاجس الأكبر إلا «إننا ما زلنا نفتقر إلى مرسوم تطبيقي يضمن نفاذ الطلاب ذوي الإعاقة إلى الخدمات التربوية التي توفرها الدولة اللبنانية وذلك على مختلف المستويات من الكادر التعليمي والإداري، والمناهج والامتحانات إضافة إلى التجهيزات التقنية والهندسية»، كما تقول اللقيس.
وتشير المعطيات المتوفرة حول الأفراد المعوقين إلى أن النفاذ إلى الخدمات التعليمية يشكل تحدياً أساسياً. فتبلغ نسبة الأمية عند الأفراد المعوقين حوالى 38 بالمئة في حين تنخفض نسبة الذين ارتادوا الجامعات إلى حوالى 3 بالمئة. وتكمن المفارقة في أن النسب تنخفض مع التقدم في المراحل الدراسية، ما يشير إلى عدم تمكن النظام التربوي في لبنان من استيعاب الأفراد المعوقين وبناء قدراتهم (25 بالمئة ابتدائي، 13 بالمئة متوسط، 5 بالمئة ثانوي). وشمل المسح الذي قام به الاتحاد 961 مدرسة رسمية، وصنفت المدارس وفق تقسيم جغرافي وبحسب توفر التجهيزات الهندسية، لينتج عنه أن صفر بالمئة منها يتمتع بالمعايير الدامجة مجتمعة.
في المقابل، أشارت «الخطة الوطنية الخمسية لتطوير التعليم العام»، التي وضعتها وزارة التربية في العام الماضي، إلى «رعاية ذوي الحاجات الخاصة في مختلف المراحل التعليمية». غير أنها لا تتضمن أي مؤشرات قياس أو أهداف محددة تتعلّق بتحسين نفاذ الطلاب ذوي الإعاقة إلى الخدمات التربوية في مختلف المراحل.
وتضع الحملة تصوراً مبنياً على الدراسات المنجزة للشروع في تحويل التعليم الرسمي في لبنان إلى تعليم دامج، وقد أنتج «مشروع موازنة لبنان» التابع للاتحاد ذلك التصور، وفق البسط. إلا أن ذلك ينبغي أن يترافق مع نوايا جدية لدى وزارة التربية لتضع تصورها حول تجهيز تلك المدارس في المدى المنظور، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع نموذجي لتجهيز مدرسة نموذجية في كل قضاء، على أن تبدأ الوزارة من العام الحالي، وسنوياً، بحجز الكلفة التقديرية للمشروع النموذجي ضمن موازنتها.
أما السيناريو الحسابي الذي تقدمه الحملة لكلفة التجهيز فيبدو بسيطاً إذا ما اقترن بعمل وزارة التربية عليه لمدة 12 عاماً.
فالكلفة التقديرية لتجهيز مدرسة رسمية واحدة وفق الوحدة الهندسية في الاتحاد لا يزيد عن سبعين ألف دولار أميركي، وقد شمل المسح 961 مدرسة، أي أن تجهيز تلك المدارس نموذجياً يتطلب بحده الأقصى اثنين وستين مليونا ومئتين وسبعين ألف دولار.
أما عدد الطلاب المسجلين في المدارس الرسمية للعام الدراسي الماضي فبلغ 285574 طالباً، أي أن كلفة التجهيز الهندسي تكون 236 دولاراً للطالب الواحد. ولا تتعدى العشرين دولاراً إذا ما قسمت على 12 عاماً. وتستنتج الحملة أن أحد عشر سنتاً أميركياً في اليوم الدراسي الواحد للتلميذ الواحد تكفي لتجهيز كافة المدارس الرسمية في لبنان، بما يضمن اندماج كافة من هم في عمر الدراسة فيها.
وتكتمل بذلك حلقة التربية للجميع، وصولاً إلى نظام تعليمي دامج يضمن زيادة إنتاجية الأفراد المعوقين في المجتمع، وبالتالي تحسين فعالية الإنفاق العام على التعليم.
نحو مرسوم تطبيقي للتجهيز
ويستمر الاتحاد في عمله المطلبي الضاغط من أجل استصدار المرسوم التطبيقي للتجهيز الهندسي، متعاوناً مع مجموعة من الاستشاريين في مجال الهندسة والقانون والموازنة. بالإضافة إلى العمل على نشر الوعي المتعلق بموضوع البيئة الدامجة في مختلف المناطق. ويشير المهندس بشار عبد الصمد، الاستشاري لدى الاتحاد، إلى أن «الحملة عملت على تسريع إقرار المرسوم التطبيقي الخاص بالتجهيز مع كلٍ من التنظيم المدني ونقابة المهندسين، وهما الجهتان الأساسيتان المعنيتان». كما عقد الاتحاد اجتماعات عدّة مع وزارة الأشغال العامة ووزارة الشؤون الاجتماعية المعنية بتطبيق القانون 2000/220. وأثمر التحرك بروتوكول تعاون تم توقيعه مع نقابة المهندسين بعنوان «نحو بيئة مبنية دامجة للجميع». كما وقع الاتحاد مذكرة تفاهم مع «منظمة الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية» تقضي بتطوير مفهوم التنمية الدامجة في لبنان وتعمم تجربة الاتحاد في البلدان التي تعمل فيها المنظمة، وفق عبد الصمد. وأنتج «مشروع تفعيل إعادة إعمار جنوب لبنان» دليل إرشادات حول التجهيز الهندسي بعنوان «من أجل بيئة مبنية دامجة» حيث يظهر بالصور والخرائط إمكانيات إدراج معايير الحد الأدنى الواجب اعتمادها في عملية التجهيز الهندسي للمنشآت الخارجية والأقسام المشتركة. على أن يشهد العام الحالي صدور المرسوم التطبيقي الأول في مجال التجهيز الهندسي للأبنية المنوي إنشاؤها.
وقد حملت السنوات الأربع الماضية أملاً إضافياً بإمكانية إعادة تجهيز المنشآت القديمة، كما حدث في التعديلات الهندسية التي طالت عددا من المنازل في أقضية صور، وبنت جــبيل، ومرجعيون بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة، بالإضافة إلى تعديل الخرائط الهندسية المتعلقة بإعادة إعمار مخيم نهر البارد وفق معايير هندسية دامجة.(السفير 11 كانون الثاني2011)