في عصر التكنولوجيا لم يعد مفهوم محو الامية محصورا ب ـ"فك الحرف" ، اذ اتسع ليكون بمستوى التحديات بحيث امتد ليشمل في دول كثيرة تطوير القدرات من خلال التعليم المستمر وصولا إلى مفاتيح الكمبيوتر. ولا يبدو لبنان بعيدا من خط التطور هذا الذي استأنفه في العاشر من الشهر الفائت باحياء وزارة الشؤون الاجتماعية "اللجنة الوطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار" التي أعيد تشكيلها من جديد بعد مرور عقد ونصف على إنشائها، استتبعها في 23 من الشهر نفسه إطلاق مشروع لمحو الامية في 12 مركزا في لبنان بالتعاون مع جمعية الشابات المسيحية. الحاجة بدت ماسة للقيمين على الوزارة لمواجهة سلبيات الأمية على اكثر من صعيد، وبات من الضروري تأمين التعليم ومحو الأمية خارج الإطار المدرسي والجامعي باتجاه ما يسمى بالتعليم المستمر ما يساهم في اتمام برامج التنمية الإجتماعية التي تعهدت بها على مستوى لبنان والمناطق الأقل انماء او الفقيرة بغية تطبيق برامج الإنماء المتوازن و"فق استراتيجية وطنية واضحة وشاملة لا تستثني ايا من اصحاب الحاجة اينما وجدوا"، على ما اعلنه وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ يوم اعاد تشكيل اللجنة. فمع كل التحديات العالمية والاقليمية والوطنية، كان لا بد من احداث تغييرات اساسية في المفهوم والرؤية وفي السياسات وفي الاساليب والممارسات الخاصة بتعليم الكبار. وعلى الرغم من اهتمام الجهات الرسمية بمعالجة ظاهرة الامية، إلا ان الاحصاءات الرسمية تبقى غائبة في هذا الإطار والمرجع الوحيد تلك التي اعدتها الامم المتحدة بالتعاون مع منظمة اليونسكو والتي تشير الى تراجع نسبة الأمية في صفوف الإناث. وفي مقارنة بين الامية في صفوف النساء والرجال، تظهر ارقام اخرى ان المرأة هي الاكثر حرمانا في لبنان وكذلك في العالم حيث هناك 781 مليون راشد لا يقرأون ولا يكتبون اكثر من ثلثيهم من النساء. وتتفق الجهات الرسمية مع الجمعيات الاهلية على ان السبب الاول وراء ذلك هو التسرّب المدرسي، لذا كان لا بد من تعاون بين هذه الاخيرة ووزارة التربية توّج بالغاء الوزير حسن منيمنة "الترفّع التلقائي" في الصفوف الابتدائية الاساسية. وقدمت الجمعيات التي تعنى بهذا الموضوع عند المرأة سلّة حلول ومقترحات للتخفيف من نسبة الامية حتى إلغائها بهدف النهوض بـ"نصف المجتمع" الى أعلى المستويات لتتمكن من تربية أجيال صالحة ومثقفة، فكان التوجه الاول الى تدعيم المستوى التربوي في الصفوف الابتدائية بالاضافة الى دعوات لتحسين المستوى المعيشي للبنانيين حيث يشكل الفقر سببا في التسرب المدرسي ومخالفة الاولاد للقانون ما يودي بهم الى السجن حيث تقف لهم وبالمرصاد جمعيات لمحو الامية والتثقيف الاجتماعي!
يوم علمت مريم بانها لن تتمكن من استكمال دراستها ادركت ان مستقبلها كله انهار.. كانت تحلم بأن تكون طالبة في كلية الطب، تفحص المرضى وتهتم بعائلتها. كان واقع الحياة الذي تعيشه اقوى منها. حياة بائسة في احد احياء المدينة، بدا لها مظلما حتى في عز نهاره وهي تجول فيه لتطلب عملا في احد منازله. لم تكن عائلة مريم فقيرة الى هذا الحد إنما لامست حدود الفقر شيئا فشيئا، بعدما صرف والدها ما جناه في حياته على ملذاته من دون ان يفكر بمستقبل اولاده، اما امها فلم تكن تجرؤ على معارضة قراراته مهما كانت متهورة، كانت خاضعة لكل ما يأمر به. وبسبب هذا الاهمال، رمت مريم القلم والدفتر واستبدلتهما بمكنسة وفوطة لازالة الغبار. تعرفت على كل منازل الحي، وتعرفت الى اولاد ه، سمعتهم يقرأون ورأتهم يكتبون، ينجحون ويرسبون. فكرت انها لو كانت لا تزال في المدرسة لنالت اعلى العلامات في الصف ولفرح بها والداها. كانت واخاها الامل الوحيد لوالدتهما، فيما والدهما غائب عن المنزل لليال وايام. كان عليهما ان يشتريا الادوية والطعام والحاجات الاساسية التي ليس بإمكانهما شراء غيرها. من كاراج عمل فيه اخوها ومنازل كان لها دورا اساسيا فيها، اعتاشت عائلة مريم التي اضطرت ان تتزوج في عمر مبكر، وهي التي اعتادت على تحمل المسؤولية منذ نعومة اظافرها. نقلة نوعية في حياتها، حملتها الى استعادة دراستها في صفوف احدى الجمعيات التي تعنى بمحو الامية، بطلب من زوجها لتكون على المستوى المطلوب لتعليم اولادها. وعلى الرغم من ان احلامها كانت كبيرة، ارتضت مريم بما خبأته لها الحياة على ان تحقق احلامها في مستقبل اولادها..
[ ما هي الامية؟
التزاماً بمبدأ "التعليم للجميع" أنشأت الدولة اللبنانية اللجنة الوطنية لمحو الأمية وتعليم الكبار بموجب القرار الرقم 26/95 الصادر عن مجلس الوزراء. اللجنة برئاسة المدير العام لوزارة الشؤون الاجتماعية، وعضوية ممثلين عن القطاعين الرسمي والأهلي والمنظمات الدولية التي تعنى بمحو الأمية وتعليم الكبار. وتسعى اللجنة الى تطبيق سياسة الوزارة القائمة على تأمين التنمية البشرية المستدامة والشاملة، وذلك من خلال إعطاء مفهوم محو الأمية بعداً تنموياً وإنسانياً لتصبح معه مهارات القراءة والكتابة وسيلة يستخدمها الأفراد من اجل بلوغ مستوى عيش افضل.
والامية ليست جهلاً بالثقافة العامة بل أعمق وأدق من ذلك إذ تعرف رسميا بأنها جهل بلغة البلد والوطن اي اللغة الام وهي العربية. فالأميّ مرتبط بموروث ثقافي اجتماعي تعمل الجمعيات على استقطابه في برنامجها لمحو الامية. وبحسب تعريف اللجنة الوطنية لمحو الامية، الامي هو من لا يمتلك الحد الادنى من قدرات القراءة والكتابة واجراء العمليات الحسابية بما يمكنه من تطوير وعيه وقدراته وتوظيفها في عمله ومحيطه الاسري والاجتماعي. وتطبيقا للشعار "اتعلم كيف اتعلم، اتعلم لماذا اتعلم، اتعلم كيف اكون"، يتعلم الامي كل ما له علاقة بالحياة التي يعيشها بلغة تناسبه وتردّ على حاجاته الانسانية وتمكنه من استكمال تعليمه اذا أراد.
في الماضي، وفي ظل غياب الابحاث الميدانية للتدقيق في المشكلة الاساسية لزيادة نسبة الامية تبين في تحقيقات خاصة ان المشكلة الاساسية التي تؤدي الى تزايد عدد الاميين هي التسرب المدرسي. وقبل اكتشاف السبب الاساسي، تراكمت نسبة الاميين وظهر التسرب كأخطر المؤشرات التي تزيد هذه النسبة. وجاء الحل على الشكل الآتي: إقرار خطة تربوية تنموية جديدة خاصة بالتعليم الاساسي، وتغزيز التعليم الرسمي ضمن انعدام إمكانيات الاهل وفي ظل الوضع المعيشي الضاغط. اما بعد كشف السبب الاساس للتسرب تبين ان 60 في المئة منه سببه التلقين وقسوة المدرسين ونظام التعليم التقليدي في المرحلة الاساسية في المدارس الرسمية. وتشير المديرة السابقة لبرنامج محو الامية في وزارة الشؤون الاجتماعية الدكتورة امال شرارة الى إن "الفقر هو احد اسباب التسرّب ايضا إلاّ انه لا يسبب الامية بل العكس، وتصف الوضع المعيشي في لبنان بالجامد ما يزيد من المشاكل الاجتماعية ومنها الامية. الامية هي من اهم واخطر معوقات التنمية الاجتماعية، والاميون يخضعون للكثير من الامور والضغوط لأن لا قدرة لهم على التحمل وجلّ همهم تأمين لقمة العيش.
وبحسب تقرير التنمية البشرية، بلغت نسبة الامية في لبنان 8.8 % للذكور والاناث ومن كل الاعمار. إلاّ ان الدراسات التي أجريت في هذا البلد ومنها في المركز التربوي للبحوث العلمية بينت ان النسبة تفوق الـ 8.8%. كما توضح ان المشكلة الاساسية تكمن في مرحلة التعليم الاساسي "احد اخطر منابع الامية في لبنان"، اي محتوى التعليم، نوعه بالاضافة الى كفاية المعلم والمدرس.
[ وقائياً..
شرارة وبحسب خبرتها في إدارة البرنامج في وزارة الشؤون الاجتماعية، تشير الى ان تفادي الامية في لبنان وعلاجها في مرحلة لاحقة يتوجب تقسيم العمل الى شقين الوقائي والعلاجي. ففي الشق الاول اقرت خطة النهوض التربوي التي طبقت في العام 1998 الزامية التعليم النظامي في المدرسة ما يعني تعزيز علاقة التلامذة بالتكنولوجيا، وكان الهدف ان يقدم هذا التعليم معرفة ومهارات حياتية ولغوية وعلمية للاولاد من سن الـ 6 حتى 16، على ان يتلقوها بطريقة حديثة ويطلعوا فيها على كل الانشطة التي تتعلق بالدراسات العلمية ويكتسبوا اللغات. الا انه وللاسف لم يصر الى تطبيقه علماً ان المدرس والمعلم كفؤ الا انه غير مدرب على الطرق التعليمية والتربوية، والكلام لشرارة، بالاضافة الى ان عدم جودة هذا التعليم خلقت فجوة ومكمنا للطالب في المرحلة الاولى منه من السنة الاولى حتى السادس ابتدائي. وظهر رسوب متكرر في الصف الرابع ابتدائي (الصف التقويمي) بنسبة 19% .
ولمعرفة مصير الطلاب المتسربين، تابعتهم اللجنة الوطنية فوجدت أن غالبيتهم تسرّب الى سوق العمل بحثاً عن فرصة عمل، فيما يتجّه جزء آخر الى المدارس الخاصة بحسب وضع الأهل الاجتماعي. وتسأل شرارة "من ينجح الطالب في المدرسة الخاصة؟ مجيبة "طبعاً أستاذ المدرسة الرسمية. فلِمَ يُنجحه في الخاصة وليس في الرسمية، وهذا سؤال على المعنيين أن يجيبوا عليه". وتضيف: الاجابة على هذا السؤال تكون بعد اجراء بحث ميداني للتدقيق في موضوع التسرب والمتسربين، وبما أن هذا لم يحدث، تراكم التسرّب وازدادت نسبة الأميين في لبنان، وعلاجه لا يكون إلاّ عبر اللجنة الوطنية لمحو الأمية". ومقارنة مع الوضع اليوم فإن الاقبال على التعلم في التعليم الاساسي ازداد، وفي المقابل ازداد التسرب ايضا وهو مؤشر خطير ينبئ بارتفاع نسبة الامية. والحل برأي شرارة يكون، بالاضافة الى تصدي الوزارات، اقرار خطة تربوية تنموية جديدة خاصة بالتعليم الاساسي على صعيد القدرات والطاقات والابداع والمهارات الحياتية ، وتشديد الرقابة على بعض ما يسمى بالمدرسة المجانية او النصف مجانية لأن مدرسيها بحاجة الى دعم.
[ .. وعلاجياً
وزارة الشؤون الاجتماعية اطلقت برنامجا لمحو الامية يعنى بتعليم الكبار ابتداءا من عمر ال 15 سنة وتحولت ايضا اليوم الى تعليم الاولاد من عمر 9 سنوات كما تركز على تقوية مستوى المدارس في مركز الخدمات الانمائية. لكن التجارب اظهرت نقصا في الجهاز البشري بعد تدريب المدرسين والمساعدين الاجتماعيين او الموجهين. هذا النقص غطته بعض المدارس التي تتعاون مع الوزارة للتخفيف من جهد المشرفين على البرنامج معلنة عدد المتسربين منها. وللتخفيف من نسبة الاميين التأمت الجهود بين وزارتي التربية والشؤون خصوصا في مرحلة التعليم الاساسي.
وأتى العلاج باستهداف المتسرّبين بالتعاون مع اليونيسف والبلديات وهناك تجارب ناجحة في هذا المجال. وملفّات هذه التجارب موجودة في اللجنة الوطنية، وتقترح شرارة ان تتحوّل هذه اللجنة الى مجلس تعليم غير نظامي للكبار في لبنان خصوصاً وان نسبة الأمية تتراجع اليوم داخل الفئات العمرية المختلفة فوق الـ 15 خصوصا بعد تخطي الشهادة المتوسطة.
جهات عديدة جمعت جهودها للمساهمة في التخفيض من نسبة الامية في لبنان واجتماعات مكثفة وجهت في هذا الاتجاه ايضا وبحث الاجتماع الخير سلسلة عناوين هي: مذكرة التفاهم التي تم توقيعها مع اليونيسكو والتي قضت بتنظيم دورات تدريب مدربين لتحسين القرائية في لبنان ومحو الأمية لدى الكبار وما تضمنته من مشاريع ابرزها البرنامج الخاص بالقرائية والتعليم غير النظامي الذي يستهدف الفتيات والنساء. بالاضافة الى مشروع مذكرة التفاهم مع مايكروسوفت من اجل تطبيق برامج خاصة لمحو الأمية الإلكترونية والمعلوماتية في 12 مركزا للشؤون الإجتماعية في 23 الجاري وتتعهد المؤسسة الدولية توفير التجهيزات الإلكترونية التي تسهل إجراء مثل هذه الدورات بالتعاون مع الجمعية المسيحية للشابات.
كما تطرق البحث خلال الاجتماعات الى سلسلة من مشاريع البرامج الموجهة الى الفتيات والنساء في الريف بهدف تعزيز الدخل العائلي من خلال مشاريع صغيرة في الريف على ان يتم العمل لتمويلها من الجهات المانحة. كما شدد الوزير الصايغ على ان "هذه الحكومة عازمة بالفعل على رسم استراتيجية وطنية على تعليم الكبار"، داعيا الى الغاء عبارة محو الامية واستبدالها بعبارة استراتيجية وطنية لتعليم الكبار في لبنان.
مهما اختلفت البرامج التي تعتمدها الوزارة للاحاطة باسباب محو الأمية، فلا يمكن منع التسرب إنما فقط مواجهته. دورات عديدة تنظمها الوزارة والجمعيات الاهلية في مراكز الجمعيات، أدّت الى تحرير الفرد من الامية. بعد ذلك يخضع لدورات كومبيوتر متخصصة اي يتعلم كيفية استخدام الكومبيوتر ومصطلحاته والورشة التي تمّ اطلاقها في 23 الجاري تأتي في الاطار التكنولوجي نفسه. كل هذه البرامج بينت فاعليتها عند صدور التقرير السنوي للعام 2008 للجنة الوطنية لمحو الامية، وكانت النتيجة ان هناك 24 الف تحرّروا من الامية، 60 % منهم يعملون في مهن طالما حلموا ان يعملوا بها وطوروا علاقتهم بالحدادة والنجارة، بعد زيارات داخل المعامل لتعريفهم على مختلف المهن. اما بالنسبة الى الفتيات اللواتي خضعن اخيرا لاحدى الدورات فـ 17 منهن تحمسن لمتابعة العمل، وطالبن بدورة كومبيوتر ودورة لغة انكليزية وقد تحقق ذلك بدعم من المكتب الاقليمي لليونسكو. وفي متابعة لهن بعد هذه الدورات تبين انهن وجدن اعمالا في مكتبات او على الكومبيوتر.
[ "مجموعة إقرأ"
تأسست "مجموعة إقرأ" في العام 1995 لتشجيع المطالعة وتقريب الكتاب من الولد من خلال دخول كل المدراس الرسمية على الاراضي اللبنانية، وهدفها ان يكتشف الولد الكتاب ولذّة القراءة واختلافه عن الكتاب المدرسي الذي عادة لا يحبه لأنه يدرس فيه. متخصّصون في الصفوف الابتدائية يقصدون المدارس الرسمية من شمال لبنان الى جنوبه لتقريب المسافة بين الولد والكتاب. عضو مجلس إدارة "مجموعة إقرأ" وداد حلواني سعّود تشير الى "مصيبة" واجهها المتخصصون في مرحلة التعليم الاساسي وهي الترفع التلقائي اي ترفيع الولد من صف الى آخر من دون إخضاعه لأي امتحان، فيخضع للامتحان الاول في الصف الرابع، فيما هو يجهل الاحرف وبالتالي لا يعرف كيف يقرأ الكلمات. وتتابع "واجهنا مشكلة كبيرة في كيفية تشجيع الطالب على القراءة وهو لا يعرف الاحرف، لذا كنا نحاول الحصول على كتب للصفوف الاولى لنعلم الولد الحرف. فتبين ان الترفع التلقائي ينتج تلامذة يجهلون اساس اللغة، وكان وزير التربية حسن منيمنة متيقظا لهذه المشكلة فألغاها على الرغم من ان الترفع التلقائي معتمد في الدول الاجنبية".
ابرز النشاطات التي تنظمها "مجموعة إقرأ" هو نشاط "إقرأ تنجح" وهو عبارة عن تعليم الحرف للولد بمشاركة المدرسين في صفوف الاول والثاني والثالث، في مختلف اللغات المعتمدة في المدرسة، وهذه الكتب قليل وجودها باللغة العربية، ما اضطر الاختصاصيون في الجمعية الى كتابتها. وتجري الجمعية اجتماعات مكثفة مع وزارة التربية، واحدى هذه التجارب النموذجية تحكي سعّود كانت في مدرسة الليلكي: اخترناها لأن مديرها متجاوب جدا، وطلبنا 25 تلميذا من ذوي القدرات الاقل من المستوى المطلوب في الصف الرابع ابتدائي، ونظمنا لهم مخيما عبارة عن يوم كامل ترفيهي تعليمي. في ذلك اليوم قابلنا اهالي الطلاب ولمسنا منهم تصميما على تعليم اولادهم. وكانت الصدمة كبيرة حين اكتشفنا ان هناك طلابا لا يعرفون الاحرف وقد حسبوا انها رسومات. كما بينت التجارب ان الخلل يكمن في المناطق البعيدة وعلى سبيل المثال لا الحصر، والكلام لسعود، بلدة العبدة في الشمال حيث همّ الاهل ان يحصل ابنهم على الشهادة المتوسطة ليدخلوه الجيش اذا فالهدف هو الجيش وليس التعلم. ليس هناك مدارس جيدة واخرى دون المستوى ،إنما هناك طلاب جيدون وآخرون يختلفون بحسب اهتمام اهلهم واهدافهم من تعليم اولادهم.
وتحضر حاليا المجموعة مشاريع بالتعاون مع وزارة التربية، احداها من المفترض ان ينفذ في الصيف المقبل حيث سيتم فتح مدرسة لاستغلالها في تعليم الاولاد. وسيتعاون الجانبان لإعطاء دروس تقوية للتلامذة، فتقدم المجموعة مخططها للمخيم، وقد تموّل الوزارة المشروع واما تستعين الوزارة بمخطط الجمعية الذي نفذته في المخيم السابق.
[ معهد الدراسات النسائي
في المنطقة العربية أعداد الذين لا يملكون مهارات القراءة والكتابة الى تزايد حيث تقدّر أعداد الأميين بنحو 57 مليونا منهم 6 ملايين طفل خارج المدرسة، وفي لبنان فان اعداد المتسربين من التعليم هي في تزايد وهناك تقديرات مقلقة عن نسب الإعادة والتسرّب بدءا من الصف الرابع الابتدائي في لبنان وخصوصا بالنسبة للبنين.
وتشير دراسة إحصائية أعدّتها منظمة الأمم المتحدة ومركز الاونيسكو للاحصائيات الى تطور مستوى التعليم لدى النساء في الدول العربية. وشملت الدراسة الاناث من عمر الـ 15 حتى الـ 24. وتشرح مساعدة مدير معهد الدراسات النسائية في العالم العربي في الجامعة اللبنانية الاميركية انيتا نصار ان "النسبة التي يحدّدها الرسم البياني تمثل النساء بين عمر الـ 15 والـ 24 اللواتي يمكنهن قراءة نص قصير وفهمه وكتابته، والنصوص هي عبارة عمّا يحتجنه في حياتهن اليومية. والاحصائيات، التي اعدت بين سنتي 1999 و2008، لم تكن متوافرة في كل السنوات، إنما اظهرت بوضوح تراجع نسبة الامية حيث ارتفعت نسبة النساء اللواتي يمكنهن التعبير عما يردنه بواسطة القراءة والكتابة والفهم. وفي مقارنة بين لبنان وغيره من الدول العربية، يتبين ان نسبة النساء بلغت في العام 2000 97.50 % وبالتالي فقد بلغت نسبة الامية 2.5 % وارتفعت حتى 98 % في العام 2008 وبالتالي مقابل انخفاض نسبة الامية حتى 2 %، بينما بلغت في العام 2000 في سوريا 0.15 % و0.10 % في العام 2008. وسجلت المملكة الاردنية الهاشمية ايضا نسبة 0.10 % في العام 2008، تلتها الامارات العربية المتحدة بنسبة 0.28 %. بينما سجلت عُمان نسبة 41 % الاقل في العام 2008. وفي احصاءات غير رسمية تبين ان نسبة الأمية في لبنان وصلت الى 14 % بقاعا و10 % في العاصمة.
وفيما يتشابه المستوى الاول من برنامج محو الامية في مركز الدراسات النسائية مع برنامج وزارة الشؤون الاجتماعية من حيث طريقة التعليم، ابتكر المركز برنامجا خاصا به يلي المستوى الاول كي لا تنسى المرأة التي تخطت مرحلة الامية ما تعلمته في السابق. وهذه البرامج على اختلافها يبقى هدفها واحدا لا ثاني له الا وهو تمكين النساء من أخذ المبادرات والمشاركة الفعالة لتحسين مستوى العائلة والوطن بدل ان تكون المرأة متلقية للمعلومات من دون حتى ان تدلي برأيها. والبرنامج الذي يسمى "برنامج تمكين المرأة" مؤلف من 61 قصة قصيرة ضمن 12 وحدة تتناول مواضيع من واقع الحياة كالامراض التي ينبغي معايشتها، والبيئة، وتثقيف الصحة الانجابية، والتغذية، والتنشئة الاجتماعية، وتمكين المرأة، وخلق فرص عمل، ذوو الحاجات الخاصة، صحة، الطفولة حتى المراهقة، العنف ضد المرأة والقانون. وهذه المواد بحسب نصار، خاصة بتعليم الكبار ومستمدة من واقع الحياة فيها عناوين مشوّقة، وتليها حوارات لتصحيح الافكار الخاطئة مع اسئلة شبيهة بتحليل النص إنما باسلوب يتطابق مع اللغة السهلة.
[ الأمية في السجون
اذا كان العديد من الاولاد الذين يتركون المدرسة في الصفوف الابتدائية يتجهون الى سوق العمل فإن قسما منهم يرتكب اعمالا مخالفة للقانون توصله الى السجن. ولهؤلاء ايضا جمعيات تهتم بهم وبتعليمهم اللغة انطلاقا من الحرف كما تعزز فيهم روح الحياة الاجتماعية الخاضعة للقانون. مؤسسة الاب عفيف عسيران ادرجت ضمن برامجها برنامجا يعنى بتعليم الاحداث المخالفين للقانون في سجن رومية، حيث ينظم المسؤولون عن المشروع فصول محو الامية للاحداث الاميين واعادة تأهيل المستوى العلمي للآخرين الذين يعرفون اساس اللغة تحت اشراف معلمات متخصصات. وتستقبل الفصول 90 قاصرا سنويا ضمن مجموعات من 15 فردا. وتتلقى المجموعة الدروس على مدى 3 اشهر بمعدل 6 ساعات في الاسبوع وفي نهاية كل دورة يحصل المشاركون على شهادة تقدير. ويحكم العلاقة بين المعلمة والاولاد عقد يشرح فيه الطرف الاول كيفية التعامل والتعاطي ضمن اوقات الدروس والنشاطات المتصلة بها. وفي حال وجود مخالفة بسيطة يتم اقصاء الولد من النشاط التعليمي، ما يتوجب تحسين سلوك القاصر، على ان تدون المعلمة ضمن تقريرها اداء كل ولد وسلوكه بمساعدة حارس السجن. وتشرح مديرة برنامج الاحداث المخالفين للقانون في المؤسسة نهى زود ان اعداد الاحداث الذين يخضعون لهذه الدورات يتبدل بحسب عدد الاميين منهم ولا يحصل على الشهادة إلاّ من خضع لدورة كاملة واستوفى كل الشروط. والهدف من مجموعات محو الامية في السجن هو تعريف الاولاد على الاحرف والكلمات والارقام وتلقينهم كيفية استخدامها ضمن جمل ونصوص بسيطة وإجراء اعمال حسابية تخدم حاجاتهم اليومية.
اما مشروع تأهيل المستوى التعليمي للاحداث الذين يعرفون اصول الكتابة والقراءة، فيهدف الى تعميق استخدامهم للغة والكتابة والعمليات الحسابية البسيطة ولكل من تخطى مرحلة الامية في المستوى الاول. ويخضع هؤلاء لدورة مدتها ايضا 3 اشهر. وتعمل المعلمة المتخصصة على معالجة الصعوبات التي يعاني منها الاحداث لتحسين علاقاتهم بالمجتمع وتحديد ما هو ممنوع ومسموح. وتحقيقا لهذا الغرض يستفيد الاحداث من دخول عالم العمل والاشغال مرتين شهريا وتلتقي المجموعات ايضا خلال جلسات تثقيفية يتعلم فيها الاحداث بمساعدة المعلمة كيفية العيش ضمن المجتمع وضمن مجموعات.(المستقبل 5 كانون الثاني2011