فيما يحصل تلامذة المدارس الخاصة, الكبيرة تحديدا, على الرعاية الصحية السليمة، اذ ان هناك اكثر من ممرضة مداومة في المدرسة وصيدلية فيها العلاجات والاسعافات الاولية، وطبيب يستدعى عند الحاجة, وتأمين العلاج لكل ولد يصاب باي حادث في المدرسة, تنعم المؤسسات الرسمية باستراتيجية صحية لم يبصر معظم اجزائها النور بسبب ضآلة الموازنة, وغياب القرارات الادارية اللازمة لخلق مجموعة عمل متخصصة, وتثقيف صحي شفهي يقوم به مرشد صحي، هو من فائض الاساتذة الذين تم تدريبهم, يثقفون التلامذة بين حصة تعليمية واخرى, في انتظار تفريغهم لهذه المهمة.
وكما توحّد المشكلات الصحية الكثيرة وغياب النظافة عدداً كبيراً من المدارس الرسمية, وكذلك المدارس الخاصة الصغيرة, وخصوصا تلك المنتشرة في المناطق البعيدة, توحدها كذلك ثقافة النعامة الصحية، اذ يمنع استخدام مصطلح "الصحة الجنسية" قطعاً وكلما سألنا مسؤولا عن ذلك جوبهنا بالتصحيح: "يقال الصحة الانجابية, من غير المسموح استخدام مصطلح الصحة الجنسية", وكأن العاملين في الادارات الرسمية والخاصة اتوا من "الملفوفة", ولم يسمع احد منهم بالجنس, في حين تنتشر الامراض الجنسية بين الفئات الشبابية الصغيرة في شكل مقلق, لا سيما مرض فقدان المناعة "الايدز".
الكحول والعنف...
في العام 2005 اجرت وزارة الصحة المسح الصحي الشامل للمدارس في لبنان على تلامذة تراوح اعمارهم ما بين 13 و15 سنة, للاطلاع على وضعهم الصحي والذي بناء عليه تقدمت بمشروع الاستراتيجية الصحية. ويشير التقرير الى ان تناول الكحول بلغ حوالي 20 في المئة بين التلامذة, وانتشار الاعراض المرتبطة بالصحة العقلية اظهر ان 4 من اصل 10 أقروا بأنهم يشعرون بالحزن او اليأس الشديد كل يوم خلال الاسبوع, و16 في المئة فكروا جديا في الانتحار, و4 من اصل 10 تعرضوا لاعتداء جسدي من احد افراد العائلة، وواحداً من اصل 4 اعتدى عليه الاستاذ. ونصف التلامذة تورطوا في شجار، وثلث المعنيين بالشجار تعرضوا لاصابات خطيرة نتيجة لذلك, ويقر تلميذان من اصل 10 انهما تعرضا لمضايقة جنسية ومعظمهم من الذكور.
وتظهر الحملة الوطنية عن صحة الفم ان 86,32 في المئة من التلامذة في المدارس الرسمية يعانون مشكلات الاسنان، ويحتاج 76,21 منهم الى العلاج, وتشكل امراض الفم والعين والمشكلات النفسية والالتهابات ثلثي الظروف الصحية التي اوردتها الاحصاءات في المدارس.
استراتيجية الصحة المدرسية
أُقرت استراتيجية الصحة المدرسية في لبنان العام الماضي، واعدت اللجنة الفنية المنبثقة عن اللجنة الوطنية الدائمة للصحة المدرسية وفيها اختصاصيون من كل الوزارات منها التربية والصحة والشؤون الاجتماعية وممثلون للمؤسسات الاهلية التطوعية الداعمون للصحة المدرسية المحلية والدولية, والتفتيش التربوي, واختصاصيون من الجامعات, ومن "اليونيسف" ومن النقابات الطبية.
والاستراتيجية مستوحاة من منظمة الصحة العالمية، واقرت وفق حاجات المدارس الرسمية في لبنان والواقع اللبناني، وان كان قد بدأ العمل على جزء ضئيل جدا من مضمونها الا ان معظمها ينتظر موازنة وقرارات ادارية.
ماذا عن الوضع الصحي في المدارس الرسمية؟ في كل منها مرشد صحي, تم اعداده من فيض لاساتذة اختير بعضهم وخضعوا لدورات تدريبية لتنفيذ البرنامج، كالاشراف على النشاطات الطبية. وفي العام الماضي مثلا أقيمت دورات على التوعية من خطر الاصابة بانفلونزا الخنازير (ايتش وان اند وان) في المدارس الرسمية لا صيدليات، ويمنع اعطاء الادوية في غياب ممرضة متخصصة مداومة, يحتاج وجودها في كل مدرسة رسمية الى موازنة تخصصها وزارة التربية، وهي مؤجلة ليتحسن وضع البلد. وفي حال وجود مشكلة يتم الاتصال بالاهل, وعند وقوع حادثة ينتج عنها جرح يتم الاسعاف بالمياه والصابون فقط, لأن دور المدرسة يبقى محدودا في غياب الممرضة المتخصصة, وفي الحالات الخطرة يتم الاتصال بالاهل وطبيب القضاء حيث هناك تأمين جماعي للتلامذة.
الجهاز التعليمي لا يتجدد, وحاليا يؤخذ اساتذة على الساعة، فمن غير الممكن اذن توظيفهم كمرشدين صحيّين, من هنا سبب النقص في معظم المدارس. كما ان شروط النظافة شبه غائبة في عدد من المدارس، لأن ذلك يحتاج الى موازنة ومواد للتنظيف غير مؤمنة، خصوصا في المدارس القليلة العدد. وعوض البحث في توسيع الموازنة والعمل مع السلطات المحلية من اهل وبلديات, هناك قرار بقفل بعض المدارس غير المستوفية الشروط الصحية. والمشكلة ان التثقيف الصحي يحتاج الى عمل متواصل في مختلف الميادين للمحافظة على النظافة والتوعية الصحية اللازمة, والى فريق عمل متكامل.
وزارة الصحة
مسؤولة التثقيف الصحي في الوزارة الدكتورة رشا حمرا تحدثت عن استراتيجية الصحة، قالت :"بدأ العمل على المشروع مع وزارتي التربية والصحة ومنظمة الصحة العالمية, كان مسح لمعرفة حاجات المدارس الرسمية، وعلى هذا الاساس زودت منظمة الصحة العالمية المدارس الرسمية المعدات المطلوبة لتسهيل عملية الكشف الطبي السنوي على التلامذة, وهناك لجنة وطنية تعنى بالصحة المدرسية تجتمع اول كل عام وتوزع رسائل لنقابة الاطباء في الشمال وبيروت ولاطباء الاسنان, وتطلب لائحة باسماء اطباء يتساعدون في الكشف السنوي الذي يتم في المدارس، ويتم التواصل معهم. وقبل البدء في الفحص تقام دورات تدريبية للاطباء مع النقابات المعنية ووزارتي الصحة والتربية ومنظمة الصحة العالمية.
ولكي تكون طريقة اجراء الفحص موحدة يتم الاطلاع على السجل الطبي الموحد لكل التلامذة الذين يدونون عليه ملاحظاتهم بعد الفحص, وهناك طبيب اسنان للكشف على الاسنان, عدا اطباء الاطفال والصحة العامة. وتضع وزارة الصحة بتصرف المدارس الرسمية كل مراكز الرعاية الصحية في كل المناطق. كما تحضر معلومات تثقيفية للتلامذة واهلهم، توزع على شكل كتيبات للوقاية من امراض الفم والاسنان والانفلونزا وH1N1. والعام الماضي تم ابلاغ وزارة الصحة بشكل اسبوعي عن حالات الغياب في المدارس الرسمية، ونسبة الغياب في كل صف خلال موسم الانفلونزا وهذا العام يتم العمل بالاستراتيجية عينها.
المؤسسات التربوية الخاصة
المدارس الخاصة في المناطق النائية والفقيرة لا يقل وضع بعضها بؤسا عن وضع بعض المدارس الرسمية, غير ان في المدارس الخاصة الكبيرة فريق عمل كاملاً, يتحدث عنه منسق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان الاب مروان تابت لـ"النهار", ويقول ان لا خطة واحدة متعارف عليها في المؤسسات التربوية الخاصة, بل لكل مجموعة تربوية كبيرة برنامجها الخاص, وتولي المؤسسات التربوية الخاصة موضوع الرعاية الصحية حيزا هاما, وهو بارز اكثر في المؤسسات الكبيرة التي تحتوي على 40 مدرسة مثلا, حيث يوجد طبيب مناوب, وجهاز كامل وممرضة مداومة، واحيانا اكثر، فلكل قسم ممرضة متخصصة بالفئة العمرية فيه.
وهناك تحضير للتلميذ على صعيد التثقيف الصحي, ويتم اعداده لمواجهة الامراض مثل الرشح او الانفلونزا وكيفية تجنبها ولعدم التقاط العدوى, كما انه يجرى فحص طبي شامل في الفصل الاول من السنة لكل تلميذ, وتتم متابعة الذين يعانون من مشكلات صحية بارزة, من خلال التواصل مع الاهل في حال كانت المشكلة مزمنة.
في كل المدارس الخاصة، وخصوصا الكاثوليكية، هناك الزامية لبرنامج تأمين مع مؤسسات التأمين الخاصة الكبيرة في لبنان لمعالجة التلميذ في حال اصيب بأي حادث في المدرسة او مشكلة طارئة. وفي الصفوف الثانوية يبدا الاعداد لملاقاة مفاهيم الحياة العاطفية والجنسية. العام الماضي اطلقنا حملة مع وزارة التربية، وتم اعداد كل المؤسسات التي اصبحت جاهزة منذ العام الماضي لمواجهة اي طارئ في هذا المجال. هناك حملة ناشطة في مكافحة التدخين، اذ يمنع في المدارس الكاثوليكية حتى على الاساتذة داخل المبنى المدرسي, وهناك مدارس التزمت المنع بنسبة 90 في المئة ضمن حرم المدرسة, وعلى رؤساء المدارس المتابعة للوصول الى نتيجة 100 في المئة.(النهار 18 كانون الثاني)