جرعة إضافيّة من فضائح الأدوية ولبنان مجرّد مستهلك

تطورات رهيبة منتظرة في فرنسا وأوروبا بعد الاتهامات التي سيقت ضد أدوية وعقاقير طبية يمكن أن تقود إلى إعادة نظر شاملة في آلية إقرار صلاحية الأدوية. أما في لبنان، فإن وزارة الصحة «ملتزمة بما يصدر عن الهيئات الرقابية للدواء في العالم» كما قالت لـ«الأخبار»
هل بات الدواء مرادفاً للخطر؟ السؤال يُطرح بعدما أقفلت بورصة فضائح السنة الماضية على فضيحة «مدياتور» (Mediator)، دواء معالجة مرض السكري، وتبدأ السنة الجديدة بفضيحة «بوفلوميديل» (buflomédil)، الذي يسوّق أيضاً تحت اسم «فونزيلان» (Fonzylane) المخصص لمحاربة انسداد الشرايين. فقد كشفت مجلة «بريسكرير» (الوصفات الطبية) في عددها الأخير، أن العقاقير التي يدخل في تركيبتها عنصر بوفلوميديل «من دون أيّ منفعة طبية»، لا بل إنها تسبب عوارض قلبية وعصبية غير مرغوب فيها لدرجة أنها قد تكون في بعض الأحيان... مميتة!
وصرّح الطبيب برونو توسان، مدير تحرير المجلة الطبية، أنّ قرار سحب بوفلوميديل من التداول سوف يكون قراراً صائباً.
وقد أكدت الوكالة الفرنسية لمراقبة سلامة الأدوية والمواد الصحية (AFSSAPS) الأسبوع الماضي، أنّ هذه العقاقير هي في مرحلة إعادة تقويم يمكن أن تقود إلى سحبها من التداول «أو تعليق تسويقها». وأكدت الطبيبة آن كاستو من الوكالة أنّ «ثمّة مخاطر في تناول هذا العقار مرتبطة باستعمال مغاير للوصفات»، وهو ما يمكن أن يحصل بسهولة، فيما تذكر زميلتها فابيين بارتولي أنّ «تغييراً صغيراً في مقدار الجرعة قد يقود إلى حادثة خطيرة»، بسبب «هامش المعالجة الضيق جداً، إضافةً إلى إمكان استعماله للانتحار».
وتشدّد المجلة على أنّ «عشرات من الحالات الطبية الخطيرة، قد نتجت من استعمال أدوية يدخل في تركيبتها جزيء بوفلوميديل، وأن بعضها كان مميتاً، وأن تقارير رفعت بها في السنوات الثلاث السابقة، علماً بأنّ أحد هذه العقاقير من تصنيع شركة ساندوز (SANDOZ)، وقد سحب من التداول عام ٢٠٠٦».
الجدير بالذكر أن الوكالة الفرنسية وضعت تحت المراقبة ٧٦ عقاراً ضمن برنامج السهر الصيدلي (pharmacovigilance)، وتشير المجلة الطبية إلى مخاطر أربعة عقاقير هي: إيكوانيل (Equanil) و«دي أنتالفيك» (Di-Antalvic) و«كيتيك» (Ketek) و«زيبريكسا» (Zyprexa)، وتسلّط الضوء على بطء عملية اتخاذ السلطات الصحية قرارات وقف تسويق العقاقير عند صدور تقارير علمية تشكك في صلاحية إحدى الجزيئيات الداخلة في تركيبتها، وتتساءل «كم يجب أن يكون عدد الضحايا حتى تتحرك الوكالة؟»، في إشارة مباشرة إلى عدد ضحايا مدياتور، الذي بلغ ما يقارب ألفي مريض، قبل أن يسحب من السوق، بعدما أسهمت مجلة بريسكرير في الكشف عن مساوئه. بينما أكد وزير الصحة كزافيه برتران أنّ السلطات الصحية في صدد إعادة تقويم شاملة لعدد من الأدوية لدراسة «نسبة المنفعة قياساً إلى نسبة المخاطرة». وأنه في حال وجود «أدنى شك»، فسوف يُسحب العقار من التداول.
ولا يبدو أن ملف «الأدوية المضرة» قد وصل إلى نهاية مطافه، إذ دخل أيضاً عقار «نيكسن» (Nexen) المضاد للالتهابات، تحت مجهر المراقبة، بعدما كشفت مصادر صحية عن تسبّبه بـ«خمسمئة حالة التهاب كبد»، تطلبت عمليات زرع. كما بدأ الحديث بقوة عن الأضرار التي يسببها عقار «فانفلونين» (vinflunine) المستعمل لمحاربة سرطان المثانة، بينما تشهد المحاكم، صراعات بين المختبرات المصنّعة للأدوية والمجلات الطبية: فقد رفعت شركة أستيلاس فرما (Astellas Pharma) دعوى على مجلة بريسكرير بحجة أنها «قدحت وذمت» أحد منتجاتها، وهو عقار «بروتوبيك (Protopic)» المستعمل لعلاج الإكزيما. ما يضع الأوساط الصناعية الطبية في مواجهة مع الأوساط المدافعة عن الصحة العامة، محورها معركة بين التقدم العلمي ولو على حساب بعض «الضحايا على الهامش»، والسلامة العامة المطلقة.
هذا في فرنسا، فماذا عن لبنان؟ كيف تتصرف وزارة الصحة اللبنانية في حال التشكيك أوروبياً أو أميركياً، أي في بلاد المصدر، في فعالية أو حتى في إمكان وجود خطورة في استهلاك أحد الأدوية التي تباع في لبنان؟ تلفت رئيسة مصلحة الصيدلة في وزارة الصحة د. سامية غزاوي إلى أنّ السلطات اللبنانية «لا تتخذ قراراً بشأن سحب دواء من السوق اللبناني إلّا بعد أن تتخذ الوكالة الفرنسية لمراقبة سلامة الأدوية والمواد الصحية القرار نفسه».
غزاوي أكدت لـ«الأخبار» أنّ لائحة الأدوية التي تناولتها مجلة «بريسكرير» (انظر الإطار) الفرنسية في عددها الأخير، معظمها لا يباع في السوق اللبناني باستثناء دواء «كيتيك» (Ketek)، الذي سُحب من الأسواق منذ عام ٢٠٠٧. أما بخصوص دواء فونزيلان المعرّف عنه طبياً باسم بوفلوميديل، فسُحب عيار 300 ملغ منه، بناءً على طلب السلطات الصحية الفرنسية، بموجب قرار رقم 161/1 تاريخ 20 آذار 2007، أما الموجود في السوق اللبناني حالياً، فهو عيار ١٥٠ ملغ. ولفتت غزاوي الى أن الوكالة الفرنسية لم تمنع هذا الدواء، بل هو في مرحلة إعادة تقويم، وحالما يُمنع في فرنسا سيُتَّخذ قرار مماثل في لبنان.
أما بخصوص دواء «زيبريكسا Zyprexa» وهو دواء يوصف لمن يعاني أمراضاً عصبية، فأكّدت غزاوي أن الأعراض الجانبية لهذا الدواء ترتبط بالإفراط في السمنة لدى المريض، وهذا العارض شائع في العديد من الأدوية، لذلك لم يُتخذ قرار بشأنه بعد من جانب الوكالة الفرنسية.
لكن ماذا عن مسكّن الآلام الشهير «دي أنتالفيك»(Di-Antalvic) الذي اتخذت الهيئة الأوروبية لمراقبة الأدوية قراراً بسحبه من الأسواق عام ٢٠٠٩ ضمن مهلة زمنية تمتد لعام؟ تلفت غزاوي الى أن وزارة الصحة اتخذت قراراً بسحبه تدريجاً من الأسواق بتاريخ 3 تشرين الثاني 2010 ولغاية تاريخ 14/9/2011، بناءً على توصية الهيئة الأوروبية لمراقبة الأدوية.
بدورها أكدت شركة «سانوفي أفينتيس» المنتجة والموزّعة لدواء «دي أنتالفيك» في لبنان أن مراقبة الأدوية وضمان سلامتها من أولويات الشركة، وذلك ضمن نظام pharmacovigilance أي عملية مراقبةالآثار الجانبية غير المعهودة للدواء.
ولفتت المسؤولة الإعلامية في الشركة ميريام أزنافوريان الى أنه في عام 2009 أصدرت المفوضية الأوروبية قراراً يقضي بالسحب التدريجي للأدوية التي تحتوي على مركّب ديكستروبروبوكسيفين dextropropoxyphene، على أن تنتهي مهلة السحب في تشرين الأول 2010، لاحقاً في 14 حزيران 2010 أصدرت المفوضية الأوروبية قراراً بتمديد تراخيص التسويق للأدوية التي تحتوي على مركّب ديكستروبروبوكسيفين dextropropoxyphene حتى 14 أيلول 2011.
وفي كانون الأول 2010 أعلنت الوكالة الفرنسية لحماية الأدوية وضمانها Afssaps سحب دواء الدي أنتالفيك المحتوي على مركّب ديكستروبروبوكسيفين في شهر آذار 2011، وبناءً عليه جرى الاتفاق على اجتماع بين شركة سانوفي ـــــ أفنتيس مع الوكالة الفرنسية للبحث في كيفية تطبيق القرار واتخاذ الإجراءات اللازمة، وبناءً على هذا الاجتماع ستصدر سانوفي افنتيس بياناً عن التوجيهات المستقبلية في القريب العاجل.

لائحة المحاذير

في ما يلي لائحة بالعقاقير التي حذّرت مجلة «بريسكرير» منها وهي مصنّفة قسمين: القسم الأول غير موجود في السوق اللبنانية مثل مدياتور Benfluorex ـــــ Mediator نيكسن ـــــNexen ـــــ Nimesulide المضاد للالتهابات. جافلور Javlor ـــــ Uniflumin بروتوبيك ـــــProtopic ـــــ Tacrolimus topique المستعمل لعلاج الإكزيما، فانفلونين Vinflunine المستعمل لمحاربة سرطان المثانة، كيتيك (Ketek) وإيكوانيل (Equanil). أما القسم الثاني الموجود في السوق اللبناني فهو: بوفلوميديل ـــــ فونزيلان ـــــ Buflomedilـــــ Fonzylane الذي يستخدم لتوسعة الأوعية الدموية، دي أنتالفيك (Di-Antalvic) المسكّن للآلام، وسوف يُسحب من السوق اللبناني في أيلول المقبل، وزيبريكسا (Zyprexa) الذي يوصف للمرضى الذين يعانون مرض انفصام الشخصية.
كذلك ذكرت المجلة أنّ العديد من الأدوية الأخرى التي يدخل جزيء بوفلوميديل في تركيبتها يمكن أن تسحب من الأسواق الفرنسية، وهي التي تصنّعها شركات: Actavis. Arrow. Bayer. Biogaran. EG. G Gam. Gnr. Irex. Merck. Mylan. Qualimed. Ratiopharm. Rpg. Sandoz. Teva. Zydus.
(الأخبار 13 كانون الثاني2011)