لم تفتح بعد أبواب «مستشفى الشيخ خليفة بن زايد» في شبعا، على الرغم من مرور حوالى ثلاثة أعوام على إنجاز الأشغال فيه، بناء وتجهيزا. وذلك على عكس ما كان يأمله أبناء البلدة الحدودية وباقي القرى العرقوبية المجاورة، الذين اعتبروا الصرح الطبي المقدم من دولة الإمارات العربية، دعامة هامة في صمودهم وتشبثهم بأرضهم عبر حلّ المعضلة الاستشفائية المزمنة، في تلك المنطقة الواقعة على جبهة مزارع شبعا المفتوحة على كل الاحتمالات. وما يزال ذلك الصرح الطبي، وعلى الرغم من أهميته، في غياهب النسيان وخارج أي اهتمام رسمي. وتشير الوقائع وكافة المعطيات على السكة الصحيحة لجهة تشغيله، عبر تعيين مجلس إدارة وكادر طبي، قبل أن تتآكل معداته وتجهيزاته ويطالها التلف.
وكانت ورشة بناء المستشفى قد انطلقت في 13 أيار 2007، على قطعة أرض مساحتها 12590 مترا مربعا، قدمتها البلدية عند الطرف الغربي للبلدة، باسم «مستشفى الشيخ خليفة بن زايد»، تقدمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، ضمن «المشروع الإماراتي لدعم وإعمار لبنان». وأشرف على بدء العمل في الورشة رئيس البلدية آنذاك عمر الزهيري. وأنجزت الأشغال فيه «شركة هاي كون» مطلع ربيع 2009، وبمبلغ فاق خمسة عشر مليون دولار اميركي، على أن تطال خدماته حوالى 40 ألف مواطن عرقوبي. وكان السفير الإماراتي في لبنان رحمة حسين الزعابي قد تفقد المستشفى بعد عامين من بدء الأشغال واستقبل العرقوبيون الزعابي ومدير «المشروع الإماراتي» محمد خلفان مطر الرميثي ووفدا إماراتيا رفيع المستوى، حين أعلن الانتهاء من إنجاز مشروع المستشفى، وأمل أن يتم تشغيله من قبل الدولة اللبنانية خلال فترة قريبة، داعيا الدولة اللبنانية لتسلمه وتشغيله فورا.
وكان الرميثي قد أشار إلى الأهمية الكبيرة للمستشفى في تلك المنطقة وذلك «للحاجة الملحة لإقامة وتقديم المشاريع والخدمات الصحية لأبناء الشعب اللبناني وبخاصة في المناطق البعيدة عن المدن، والتي تعاني من نقص شديد في هذه الخدمات الحيوية»، مشيراً إلى أن المستشفى يتسع لأربعين سريراً، وتتوزع أقسامه على الطوارئ وتصوير الأشعة والمختبرات الطبية، وقسم العمليات، والتعقيم، وقسم العناية المركزة، وقسم العيادات الخارجية، وقسم غسيل الكلى، وقسم العلاج الفيزيائي، والتنظير، والمشرحة، والصيدلية، وقسم الولادة، والعناية المركزة للأطفال، والجراحة، والطب الداخلي». كما تم تجهيز غرف العمليات بكافة الأجهزة التي تؤهلها لإجراء العمليات، في مجال الجراحة العامة والتنظيرية وجراحة العيون والعظام. وجهز جناح غسل الكلى بثماني وحدات، إضافة إلى بنك للدم ومجمع عيادات يشمل عيادات القلب والشرايين، وتخطيط الجهد، وتخطيط القلب ومراقبة ضغط الدم، وعيادة نسائية تحوي جهاز تصوير صوتي، وعيادة تنظير معوي مجهزة بمعدات متطورة قادرة على التشخيص بدقة. وجهزت المستشفى كذلك، بعيادة طب الأسنان مزودة بآلة تصوير محوري للفك. ويحوي قسم الأشعة على جهاز التصوير المحوري وجهاز الأشعة السينية من الجيل الحديث متكامل، يؤمن كافة الأعمال التشخيصية، إضافة إلى جهاز تصوير الثدي. ووضع المشروع بتصرف المستشفى سيارتي إسعاف مجهزتين.
إلا أن دعوة السفير الزعابي تلك لم تلق صدىً عند المسؤولين اللبنانين، الذين نسوا أو تناسوا حاجة السكان الحدوديين للمستشفى، كما قال نائب رئيس بلدية شبعا صافي نصيف، أن «تستمر الإمارات مشكورة في الحفاظ على المستشفى بعد بنائه بالنيابة عن دولتنا، فتعمل حتى اليوم على تأمين عناصر الحماية للمستشفى على مدار الساعة وعددهم عشرة حراس على نفقتها الخاصة». وأشار نصيف إلى أن الإمارات «تعاقدت مع شركتين متخصصتين، واحدة تعمل على صيانة دورية للمبنى، وثانية تعمل على تشغيل وصيانة المعدات الطبية والتجهيزات، مع تأمين المحروقات وكل ما يلزم للمستشفى من نظافة وحتى العناية بالحدائق وما شابه». ولفت إلى أن «البلدية شكلت وفداً، جال على العديد من الجهات المعنية، بهدف حثها على تشغيل المستشفى الذي كان حلماً في منطقتنا، وخوفنا ان يبقى حلما في ظل التقاعس». وعبّر نصيف عن سخط أبناء البلدة تجاه «الاستخفاف الرسمي بمطالبنا. ولا بد لنا أن نسأل أين ذهبت شعاراتهم في الصمود والتصدي والتشبث بالأرض؟». ودعا السياسيين اللبنانيين للتمثل بالدول المانحة «فالكتيبة الإسبانية وعدت بمساعدة تصل إلى مليون دولار أميركي من أجل إشادة مبنى للأطباء مجاور للمستشفى، كذلك هناك طرح بتشغيل المستشفى من قبل «اتحاد الأطباء العرب»، واتجاه آخر للتعاقد بالتشغيل مع «الجامعة الأميركية»، لكن كل ذلك بحاجة لموافقة الجهات المعنية في دولتنا».
ودعا رئيس بلدية شبعا السابق عمر الزهيري، الذي أشرف على بناء المستشفى، «الدولة إلى العمل بشكل جدي لتشغيله بطاقم طبي على مستوى الصرح الكبير، الذي يمكن اعتباره الأضخم في المنطقة الحدودية وحتى الجنوبية». كما دعا في بيان له أمس، إلى «إبعاد مشروع مستشفى شبعا عن أي مزايدات ومشاحنات، خدمة لأبناء منطقتنا وتقديراً لدولة الإمارت العربية التي قدمت من دون منّة». وأشار الزهيري إلى أن «تأخير إطلاق المستشفى يعود بشكل أساسي إلى وقف التعيينات في مؤسسات الدولة، وإلى الروتين المتبع في الإدارات العامة، وذلك بعيدا عن أي اعتبارات سياسية». ولفت إلى أن «معظم المرجعيات الفاعلة كانت قد ساهمت في انجاز العديد من المشاريع الحيوية في شبعا بعيدا عن أي اعتبارات محلية».
وناشد مدير «جمعية حمد» العميد المتقاعد عفيف سرحان «كافة الجهات المسؤولة بالعمل الجاد، من أجل وضع المستشفى في الخدمة الفعلية، خاصة ان منطقة العرقوب تفتقر ومنذ الاستقلال الى مثل هذا الصرح الطبي الضخم، والذي ستكون له مفاعيل ايجابية على صمود المواطن وتمسكه بأرضه».
ولفت أحد وجهاء البلدة محمد الجرار إلى أن «كميات كبيرة من الأدوية المقدمة من دولة الإمارت، التي كدست في صيدلية المستشفى قد تلفت. والخوف من تلف ما تبقى من أدوية وأمصال ستنتهي مدة صلاحيتها في فترة قريبة»، لافتاً إلى تخوف الأهالي «من تلف المعدات حيث الصدأ طال العديد منها». وأشار إلى أنه «أمام الواقع المزري يتجه أهالي البلدة والقرى المجاورة، بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية والبلديات إلى سلسلة تحركات واسعة، تبدأ بحملة إعلامية لشرح المأساة التي نعاني منها، لننتقل بعدها إلى السلبية المنظمة عبر اللجوء إلى الاعتصام والتظاهر تحت شعار حقنا في فتح وتشغيل المستشفى، بدون أي خلفيات سياسية»، معتبراً أنها «اللغة الوحيدة التي يبدو أن دولتنا تفهمها، علنا نصل إلى ما نصبو إليه».
كما شدد رئيس بلدية شبعا محمد صعب، على «ضرورة العمل سريعا، لوضع المستشفى في الخدمة الفعلية، فيكفي البلدة والقرى المجاورة التهميش والإهمال منذ الاستقلال». وأشار صعب إلى «سلسلة اتصالات ومراجعات بهذا الشأن وتلقينا وعودا ونحن ننتظر التنفيذ».
ورد النائب قاسم هاشم التأخير في فتح المستشفى إلى «الأوضاع السياسية السائدة في البلد، والتي تحول دون إنجاز الكثير من التعيينات أو اتخاذ القرارات. ومنها تعيين مجلس إدارة للمستشفى، وإجراء مباراة لاختيار الكادر الطبي، إضافة إلى طاقم الأطباء». وأشار إلى أنه على اتصال دائم مع وزير الصحة محمد خليفة «من أجل إيجاد صيغ ناجحة لتشغيل المستشفى، وعلى أسس ثابتة تجنبها الوقوع في المشاكل التي تعاني منها المستشفيات المشابهة»(السفير 12 كانون الثاني2011(