الإعلام، شاشة محبوبة لدى الوزراء، لكن في الكواليس منطق آخر... فبعدما اعتصم عدد من مستخدمي المراكز الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وبعدما أعلن وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ أمام الوسائل الإعلامية دعمه لمطالب المعتصمين، أصدر في اليوم التالي تعميماً للحصول على أسمائهم لأنهم «خالفوا القانون بتركهم مراكز عملهم»!
بعد اعتصام نفّذه المستخدمون في مراكز الخدمات الإنمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، أمام مبنى الوزارة الاثنين الماضي، للمطالبة برواتبهم المستحقة منذ أشهر، خرج وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ الى الإعلام معلناً تضامنه وتعاطفه مع قضيتهم، واعداً بحلول قريبة لمطالبهم، إلا أن المستخدمين فوجئوا، في اليوم التالي للاعتصام، بتعميم صدر عن رئيس دائرة شؤون المراكز، بتوجيه من الوزير الصايغ نفسه، يدعو فيه رؤساء اللجان الإدارية المشرفة على مراكز الخدمات الاجتماعية الى تزويد الوزارة بـ«لائحة المستخدمين الذين غادروا مراكز عملهم بدون عذر مشروع وشاركوا في الاعتصام أمام مبنى الوزارة، على أن تسلّم الأسماء في مهلة أقصاها 13 كانون الثاني 2011»، ورأى التعميم أن «مغادرة مراكز العمل من دون عذر مشروع تعدّ مخالفة للقوانين والأنظمة النافذة»!
والتهديد الذي صدر عن الوزير الكتائبي لم ينحصر بالمستخدمين، بل طال كذلك مديري المراكز الاجتماعية، فجاء فيه «إن أي معلومة خاطئة أو مغلوطة (في أسماء المستخدمين) ستعرّض مدير المركز للمساءلة أمام المراجع القانونية المختصة»!
يبدو أن الصايغ لا يزال حتى الآن يؤمن بأن العمّال «حثالة» لا حقّ لهم ولا صوت، فهو الذي ينتمي الى فئة تنكر حتى «عيد العمال»، وتطلق على يوم الأول من أيار تسمية «عيد العمل»، فالإنسان العامل لا قيمة له»!... منطق كهذا لا يفرز سوى وزراء يحاكمون موظفيهم إذا قرروا الاحتجاج ضمن حقهم النقابي المشروع، فحقوق المستخدمين في المراكز الاجتماعية نكرة، ومن الممنوع أن يطالبوا خلال اعتصام أمام وزارة الشؤون الاجتماعية برواتبهم المتوقفة عنهم منذ ثلاثة أشهر. إنه حكم وزير الدولة للشؤون الاجتماعية سليم الصايغ على موظفيه، إنه حكم تقديس «العمل» لا اليد التي تنتجه!
فوفق عدد من المتابعين الذين تحدثوا الى «الأخبار»، عملت الوزارة على منع تنفيذ الاعتصام، فيوم السبت الماضي خرج المستخدمون بقرار الاعتصام، ووصل الخبر الى الوزارة، حيث بدأ المسؤولون فيها الاتصال بمديري المراكز في المناطق لإقناعهم بأن التحويلات المالية وصلت الى الوزارة، ودعوهم الى إقناع المستخدمين بالتراجع عن قرار الاعتصام، كذلك جرى التشاور مع المديرين حول الآليات الممكن اتباعها لمنع تنفيذ الاعتصام، وهذه الوعود انطلت على بعض المستخدمين فتراجعوا عن موقفهم، إلا أنها لم تمرّ على معظمهم، والسبب يعود الى أن المستخدمين نفذوا منذ شهر تقريباً اعتصاماً مماثلاً للمطالبة بدفع رواتبهم، وبعد الاعتصام وعد الصايغ المستخدمين بدفع رواتبهم بعد أسبوع من رأس السنة، لافتاً الى أن التحويلات المالية وصلت الى الوزارة، لكن هذه الوعود ذهبت أدراج الرياح!
وعلى هذا الأساس، نفذ المستخدمون اعتصامهم الاثنين الماضي. ووفق المستخدمين، لم تتم مخالفة أي قوانين في الخروج من مراكز العمل، وذلك لكونهم حصلوا على أذونات خروج من مديري المراكز، ويلفت المستخدمون الى أن الصايغ كان همّه الوحيد أن يصل الى باب الوزارة ويكون الاعتصام قد انتهى، إلا أن المستخدمين يعلمون خوف الوزير من الإعلام فاستمروا في اعتصامهم، الى أن جاء الصايغ فالتفت الى أحد المديرين وقال: «ليش عم تحكيهم، خليهم يروحوا على المالية»!
بالطبع، قوبل تصريح الوزير بغضب من المستخدمين، إلا أن الصورة أمام الإعلام كانت مختلفة، إذ خرج الصايغ بتصريح متناقض تماماً مع موقفه قبل الاعتصام وبعده، فأولاً لم يلفظ الصايغ كلمة «معتصمين»، إذ أطلق على المستخدمين المطالبين برواتبهم صفة «المتجمّعين»، كما أعلن «نحن نتفهم حالة القلق التي يعيشونها ونتابعها ونتعاطف معهم، ولذلك ومنذ أن تسلمت مهماتي الوزارية سعيت الى ترتيب هذه الأمور للحصول على رواتبهم كما باقي موظفي الدولة اللبنانية». وتابع «نعتقد أن حقوقهم معترف بها وستصلهم، ولم نكن سبباً في التأخير الحاصل. لا بل نحن نسعى الى استعجال كل الخطوات التي تساويهم بجميع الموظفين واتفقنا مع وزيرة المال على توطين هذه الرواتب قريباً وهو حلم يحلم به المستخدمون منذ سنوات. وعندما يتحقق ذلك نكون قد حققنا إنجازاً كبيراً تنتهي معه كل معاناتهم، فلا يبقون معرضين لمزاجيّة أو استنساب لوزير أو موظف فتصل حقوقهم الشهرية بطريقة منتظمة من دون تأخير»!
ورغم كل هذه التطورات، أمل المستخدمون أن يتراجع الوزير عن تعميمه «المشؤوم»، إلا أنه حتى مساء أمس كان لا يزال قائماً، وقد ردّ المستخدمون على تهديد الصايغ بكتاب مفتوح باسم «لجنة المتابعة لمراكز الخدمات الإنمائية في وزارة الشؤون الاجتماعية» قالوا فيه: «كنا نتوقع من الوزير الأكاديمي الذي يدرّس في جامعات وطنية وفرنسية أن يشدّ على أيدينا ويقف معنا لدقائق ليعبّر عن مشاركته وجعنا، فإذا به يصدر تعليماته لموظفيه في الملاك ومفادها: أن اشحذوا سكاكينكم ولا تدعوهم يعيدون الكرّة».
وتابع مضمون الكتاب «لا يا معالي الوزير، قراراتك هذه لن تخيفنا، ولن ترهبنا، وصرنا متمسكين بحقوقنا أكثر، فهل تعرف مصدر قوتنا؟ نحن نجيبك: مصدر قوتنا أصوات أطفالنا وأولادنا ونسائنا، وأصوات أصحاب المنازل التي نستأجرها، والبنوك التي استلفنا منها، وثمن الدواء لنا ولعيالنا، وثمن الألبسة التي تقينا شرّ البرد، وبدل القسط المدرسي».
وتساءل المستخدمون «لماذا مطلوب منا أن نراجع نحن وزارة المال؟ ماذا يفعل معاليه؟ وماذا يفعل موظفوه الكبار منهم، والصغار ينامون فقط على حوالات مالية صدرت لمراكزنا وتوضع في الأدراج؟». وتابعوا «قبل أن توجّه إلينا أصابع الاتهام، نحن نقول لك إننا لسنا فرقة كوماندوس إسرائيلية ـــ عدوّة حضرت يوم الاثنين لتقتحم وتحتل مبنى وزارة الشؤون حتى استنهضتم القوى الأمنية من جيش واستخبارات لتحمي وزارة... نحن عاملون فيها مضى على خدمتهم في وزارة الشؤون كأجراء عشرون أو ثلاثون عاماً ولم يصل الراتب الأعلى لأيّ منهم إلى مليون ليرة لبنانية».
1000000 ليرة
هو الحد الأقصى لرواتب المستخدمين في المراكز الانمائية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، التي لم تصرف لمستحقيها منذ 3 أشهر، وذلك على الرغم من وجود تأكيدات بأن التحويلات وصلت من وزارة المال الى وزارة الشؤون منذ السبت الماضي
صلاحيات تصل إلى الصرف؟
لفت المتابعون لقضية مستخدمي المراكز الإنمائية الى تخوّفهم من صرف اللذين اعتصموا الاثنين الماضي للمطالبة بدفع رواتبهم، وأشاروا الى أن صلاحيات الوزير مطلقة في هذا الإطار، وخصوصاً أن مستخدمي المراكز غير خاضعين لمجلس الخدمة المدنية وهم موعودون بالتثبيت ضمن الملاك منذ سنوات، وأشاروا كذلك الى أنه يمكن الوزير أيضاً أن يخصم رواتبهم المستحقة أو جزءاً منها أو حتى أن يمنعهم من التثبيت، لأنه وعد بأن هذا الموضوع سينجز في شباط المقبل.(الأخبار 13 كانون الثاني2011)