تكشف المعلومات، التي جمعتها بعض مديريات صندوق الضمان الاجتماعي، أن عدد أجراء الدولة غير المصرّح عنهم للضمان، أي المكتومين، يتجاوز 22 ألفاً، وهم يتوزّعون على جميع إدارات الدولة ومؤسساتها العامة. بعضهم خاض تجربة التصريح عنه بالقوة، لكن ذلك جعلهم معلقين في الهواء، وهو ما حصل مع جباة الإكراء وعمّال كهرباء قاديشا
منذ أشهر اتخذ مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قراراً يقضي بوضع لائحة مفصّلة عن كل أجراء الدولة المكتومين عن الضمان، إذ تبيّن له أن العدد كبير جداً وأن تهرّب الدولة ليس مفهوماً إلا بكونه إهمالاً وتقصيراً تراكما ليتحوّلا الى نهج متّبع!
اللائحة لم توضع بعد، وما هو متاح لا يزال مجرّد معلومات مبعثرة في أدراج المديريات المختلفة، إلا أن هذه المعلومات كافية للدلالة على الوضع الشاذ، الذي يمتد إلى كل مفاصل الدولة وإداراتها، علماً أن بعض هذه المعلومات انكشف بالصدفة وبعضه الآخر بإعلان صريح من العمّال المطالبين بحقوقهم، وهناك قسم كبير منهم لا يزال مكتوماً إلى اليوم.
على سبيل المثال، أرسل وزير المال السابق جهاد أزعور كتاباً إلى الصندوق يطلب منه تسجيل أجير مياوم في الوزارة بتاريخ سابق يعود 30 سنة إلى الوراء، أما في وزارة التربية فقد تبيّن وجود العشرات غير المصرّح عنهم من المياومين والمتعاقدين غير المدرّسين، وقد طلبت الوزارة تصحيح أوضاعهم وتسجيلهم بتاريخ سابق أيضاً، ثم ظهرت مشكلة جباة الإكراء في مؤسسة كهرباء لبنان، وعمّال شركة كهرباء قاديشا، وأجراء مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي... وكرّت مسبحة المكتومين إلى أن تبيّن في الضمان أنها كرة ثلج كبيرة تراكمت على مدى العقود الماضية.
مكتومون بالآلاف
يقدّر عدد أجراء الدولة المكتومين بالآلاف، ففي وزارة المال هناك أكثر من 1000 متعاقد لم يُصرح عنهم للضمان، وفي وزارة التربية يقدّر عدد المكتومين منمدرّسي التعاقد في الابتدائي والثانوي والمهني بأكثر من 20 ألفاً (العدد أكبر ويصل إلى 23 ألفاً، لكن بعض الأساتذة والمعلمين، ولا سيما في القطاع المهني، يستفيد من الضمان على عاتق مؤسسات التعليم الخاصة)، وهناك نحو 500 من جباة الإكراء، ونحو 160 من عمال قاديشا، وفي مستشفى بيروت الحكومي الجامعي وحدها هناك 800 موظّف، وبضع مئات في مستشفى حاصبيا الحكومي، و300 في كازينو لبنان، وبضع مئات أيضاً من عمال الفرز والفبركة في إدارة حصر التبغ والتنباك، يضاف 10600 دركي متعاقد لم يصرّح عنهم لخمس سنوات (إن العسكريين بصفتهم متعاقدين يخضعون للتصريح لدى الضمان الاجتماعي، وبعد تثبيتهم يخضعون للصناديق الضامنة الخاصة بالمؤسسات العاملين فيها)... فيما يقدّر عدد المكتومين في القطاع الخاص بنحو 50% من مجمل الأجراء المصرّح عنهم أو نحو 150 ألف أجير!
لكن المؤسسات العامة وإدارات الدولة تعجّ بالمكتومين أيضاً، فهناك الكثير من المتعاملين والمياومين والمتعاقدين غير المصرّح عنهم، ولا يحصلون على حقوقهم التي باتت ضمن المحسوبيات السياسية أيضاً، إذ إن عدم التصريح عنهم للضمان يسمح للقيّمين في هذه المؤسسات، برهن تجديد عقودهم وتعاملهم في مقابل ولائهم السياسي بكل سهولة، حيث استخدامهم أو عدمه لا يترتب عليه في هذه الحالة أي مستحقات مالية، فيما يصعب على هؤلاء الفقراء اللجوء إلى القضاء لتحصيل حقوقهم.
الوضع قانوني
في الواقع، إن التوصيف القانوني، الذي ينطبق على الأجراء والعمّال المكتومين لدى الدولة أو القطاع الخاص، محدّد في المادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي، التي تؤكّد أن كل الأجراء اللبنانيين، عمّالاً ومستخدمين، يخضعون لأحكام قانون الضمان، شرط ممارسة العمل ضمن الأراضي اللبنانية، سواء كانوا دائمين أو مؤقتين، متمرنين أو موسميين، متدربين يعملون لحساب ربّ عمل واحد أو أكثر، ومهما كانت مدة أو نوع أو طبيعة أو شكل أو صحّة العقود التي تربطهم بربّ عملهم، وأياً كان شكل أو طبيعة كسبهم أو أجورهم، «حتى لو كان هذا الكسب أو الأجر مدفوعاً كلياً أو جزئياً على شكل عمولة أو حصّة من الأرباح، أو على الإنتاج، وسواء كان مدفوعاً من رب العمل أو من أشخاص ثالثين...»، ثم يستفيض هذا القانون بتوصيف هؤلاء الأجراء وبعض القطاعات مشيراً إلى أفراد الهيئة التعليمية، وعمّال البلديات، وكل من يعمل «لحساب الدولة أو أية إدارة أو مؤسسة عامة أو مصلحة مستقلة... بمن فيهم المتعاملون مع وزارة الإعلام. كلهم يخضعون لفرع تعويض نهاية الخدمة، وتُدفع عنهم الاشتراكات ابتداءً من تاريخ دخولهم العمل».
وبصرف النظر عن التوصيف القانوني وأغراضه، فإن الصندوق يعدّ مقصراً في مجال تحصيل حقوق الأجراء في لبنان، فضلاً عن أن مؤسسات الدولة تهمل المتعاقدين والمياومين فيها حتى لا تسجّل على نفسها «كلفة إضافية في موازناتها»، على حد قول مسؤولين في صندوق الضمان، إذ إن الصندوق كان قد سجّل بنفسه عمال قاديشا في الصندوق وبنى قراره على التوصيف القانوني وتقارير مفتشي الضمان، لكن المؤسسة لم تعترف بالأمر ولم تعطهم إفادات عمل للاستفادة من هذا التصريح، والأمر نفسه حصل مع جباة الإكراء، الذين باتوا مقيّدين أيضاً على لوائح الصندوق، لكن المؤسسة لا تعترف بهم، وبالتالي لم يعد بإمكانهم الاستفادة من تقديمات أي صندوق ضامن آخر غير الضمان كالاستشفاء على عاتق وزارة الصحة مثلاً، وفي المقابل، إن استفادتهم من الضمان معلّقة على إقرار الإدارة التي يعملون فيها.
يبرّر الضمان تقصيره بأن أقصى ما يمكن فعله بالنسبة إلى مؤسسات الدولة هو أن يصرّح بنفسه وعبر تقارير مفتشيه عن هؤلاء الأجراء، لكن ليس بإمكانه القيام بخطوات إضافية مثل ملاحقة المؤسسات العامة وإدارات الدولة قانونياً، إذ لا يمكن الحجز على أملاكها لكونها مرافق عامة، وبالتالي لا يمكن التدخّل أكثر من ذلك.
في هذا الإطار هناك الكثير من الأموال الفائتة على الصندوق، إذ إن معدّل الاشتراك الشهري للمضمون الواحد يبلغ 80 ألف ليرة،
375000 أجير مضمون
هو عدد الأجراء المصرّح عنهم لصندوق الضمان الاجتماعي حتى منتصف عام 2010. ويبلغ عدد المضمونين الإجمالي 513 ألفاً ويستفيد على عاتقهم نحو 1.2 مليون مستفيد، منهم نحو 43 ألف مدرّس، وتبلغ كلفة المستفيد الواحد 640 ألف ليرة
تصريح الأجير عن نفسه
يعتقد رئيس اللجنة الفنية في صندوق الضمان، سمير عون، أن في لبنان آلاف الأجراء المكتومين، مشيراً إلى أن القانون يُلزم كل صاحب عمل بالتصريح عن أجرائه. ويلفت إلى أن القانون يسمح أيضاً للأجير الذي يتوانى صاحب عمله عن تسجيله أن يقوم هو بذلك، لذلك يجب تعميم هذا الأمر على كل الأجراء «وأن ندعوهم إلى الإقبال على التسجيل، وإذا لم يعطهم صاحب العمل إفادة عمل، يجب أن نشرّع نحن لهم الاستغناء عن هذه الإفادة، وإلا فإننا نتسبب بحرمانهم من حقوقهم. (الأخبار 4 كانون الثاني2011)