يعيش اللبنانيون/ات حياتهم اليوم وهم عرضة للتأثيرات المضرة بصحتهم/هن من جراء سيطرة مافيات شركات الأدوية، إحتكارها، تكلفة الادوية المرتفعة المرتفعة، وغياب الرقابة الفعلية عليها. في ظل هذه الأوضاع الشاذة التي تهدد صحة المواطن/ة يومياً، لم تظهر بعد أية نية فعلية عند السلطات اللبنانية للتحرر من مصالح المنتفعين على إنتاج وتوزيع الأدوية الممنوعة، والمضرة والقاتلة في أحيان كثيرة، ومن ثم تفعيل الهيئات الرقابية التي تعمل من منطلق الصالح العام للاشراف على المستودعات والصيدليات والمستوصفات ودور الرعاية الاجتماعية وهي الجهات التي تملك الاتصال المباشر مع المريض.
وكانت لجنة الصحة النيابية قد اصدرت، منذ ثلاث سنوات تقريباً، توصية الى وزارة الصحة بإنشاء لجنة للرقابة على الصيدليات، على ان تتألف هذه اللجنة من مندوبين لوزارة الصحة ومندوبين لنقابة الصيادلة وأعضاء في النيابة العامة التمييزية وتكون لها سلطة تنفيذية في قمع المخالفات واتخاذ الإجراءات الضرورية. وبالفعل، أنشئت هذه اللجنة وبدأت بعملها على مستوى الرقابة على الصيدليات، واتخاذ جميع الإجراءات القانونية في حق المخالفين. إلا انه، مع الاسف، ومثل كل اللجان التي تشكل في لبنان، اخذت هذه اللجنة تتقاعس عن القيام بواجباتها الى ان تلاشت ولم يعد لها دور يذكر. وبالتالي، ومع غياب الدور الفعال لهذه اللجنة المهمة، يتحمل مسؤولية الرقابة على الصيدليات كل من التفتيش الصيدلي التابع لوزارة الصحة، والتفتيش الصيدلي التابع لنقابة الصيادلة، وهذا ما لا يحدث في الوقت الراهن. وبحسب وزارة الصحة، فإن لبنان ملتزم بما يصدر عن الهيئات الرقابية للدواء في العالم. فأين هو دور الدولة والسلطات المختصة في الرقابة الفاعلة إذن ؟؟!
وقد نشرت مجلة «بريسكرير» الفرنسية لائحة بأسماء العقاقير المضرة التي تم التشكيك بتركيبتها أوروبياً وأميركياً أي في بلاد المصدر. وتضم اللائحة أسماء العديد من الأدوية الموجودة في السوق اللبناني وهي: بوفلوميديل - فونزيلان الذي يستخدم لتوسعة الأوعية الدموية، دي أنتالفيك (المسكّن للآلام، وزيبريكسا (لذي يوصف للمرضى الذين يعانون مرض انفصام الشخصية. والواقع المضحك المبكي هو أن السلطات اللبنانية لا تتخذ قراراً بشأن سحب دواء من السوق اللبناني إلّا بعد أن تتخذ الوكالة الفرنسية لمراقبة سلامة الأدوية والمواد الصحية القرار نفسه. فقد قامت السلطات بسحب عيار 300 ملغ من دواء فونزيلان المعرّف عنه طبيا ًباسم بوفلوميديل ، بناءً على طلب السلطات الصحية الفرنسية، بموجب قرار رقم 161/1 تاريخ 20 آذار 2007. أما عيار ١٥٠ ملغ منه فلا يزال موجود حالياً في السوق اللبناني بانتظار منعه في فرنسا، عندها سيُتَّخذ قرار مماثل في لبنان!! هذا الواقع ينسحب أيضاً على الأدوية الأخرى مثل مسكّن الآلام الشهير «دي أنتالفيك“ الذي اتخذت الهيئة الأوروبية لمراقبة الأدوية قراراً بسحبه من الأسواق عام ٢٠٠٩ ضمن مهلة زمنية تمتد لعام، بينما أصدرت وزارة الصحة قراراً يقضي بسحبه تدريجاً من الأسواق بتاريخ 3 تشرين الثاني 2010 ولغاية تاريخ 14/9/2011. وكأن الوزارة باتت من أتباع مقولة "تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً"، من دون الإلتفات إلى أرواح المواطنين المساكين وصحتهم!!!
كذلك أدى ضعف الرقابة الطبية، أيضاً، إلى ازدياد الانتشار الفطري لأدوية الاعشاب، حيث تحوّل "خبراء الأعشاب" أمثال زين الأتات نجوماً تلفزيونيين وما من حسيب ولا رقيب ولا رادع يردعهم عن تضليل الناس وخداعهم. وبعد السبات العميق الذي كانت تغوص فيه السلطات اللبنانية المختصة وأجهزة الرقابة المنعدمة الفاعلية أصلاً، يبدو انها انها استفاقت على خطورة هذه الظاهرة وضرورة محاربتها بعدما تم سحب 38 منتجاً من مستحضرات زين الأتات من بعض أسواق الدول العربية، وتحديداً في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بسبب تضمّنها مكونّات سامة ومضرّة، كالزئبق والرصاص.
ومن المعيب والمحير في آن واحد، تقاذف المسؤولية بين المعنيين حيث اعتبرت وزارة الصحة العامة في بيان لها أنها قامت منذ اليوم الأول لظاهرة الأعشاب بمحاربة الادعاءات المزيفة والمتعلقة بترخيص هذه المستحضرات وتسويقها من قبل الوزارة ومنع الإعلان عن هذه المنتجات،مدعية ان الأمور التنفيذية تخضع لخارج صلاحياتها. فمن يقوم إذاً بمتابعة هذه الأمور التنفيذية وكم من المواطنين سيدفعون الثمن من صحتهم وأرواحهم إلى حين تحديد المرجعية النهائية في التنفيذ؟! ومتى تتحرك وزارة الإقتصاد لسحب جميع هذه المواد والأصناف من الأسواق اللبنانية؟!