بين تأمين مازوت التدفئة للمدارس الرسمية وتصليح شبكات المياه المهترئة بلديات البقاع تغطي عجز الوزارات الخدماتية من صناديقها المره

لم يكن يعوز بلديات البقاع المنهكة بالإهمال المزمن وغياب أجهزة الدولة الرسمية عن تأدية أقل الواجبات تجاهها، سوى تحولها إلى متعهد يقوم بإجراء ما هو منوط بعمل الوزارات الخدماتية، والتكفل بتأمين الأكلاف المالية للاشغال من صناديق بلدية خاوية أصلاً. وتشكو غالبية البلديات البقاعية من قلة الإمكانيات المالية، وكثرة المتطلبات اليومية، واحتياجات الأهالي المتصاعدة، في ظل غياب خدمات البنى التحتية بالكامل عن القرى المنسية، واستقالة مزمنة لوزارة الطاقة والمياه. وتحتل مشكلة انقطاع مياه الشفة سلم الصرخات البقاعية التي لا تنتهي، عدا عن الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي الذي يزيد من أزمة مياه الشفة بسبب تعطل عمل المضخات والغطاسات لسحب المياه وتوزيعها.
ويتحدث رؤساء بلديات بقاعية عن تحولهم إلى أجراء عند وزارة الطاقة والمياه، وسواها من وزارات الخدمات الغائبة عن قراهم. الأمر الذي يدفع الأهالي يومياً إلى التوجه نحو المراكز البلدية التي تستقبل شكواهم، حول معاناتهم من العطش في عزّ الشتاء، ومعاناة تلامذة المدارس الرسمية التي يعوزها مازوت التدفئة من البرد القارس. وما بين تصليحات شبكات المياه ومحطات الضخ وتأمين المازوت إلى المدارس الرسمية، تصرف بلديات البقاع ملايين الليرات على أعمال ليست من مهامها، أو من واجباتها. وذلك للتعويض عن إهمال الوزارات. وغالباً ما تقع تلك البلديات في مشاكل وعوائق مالية وإدارية بسبب عمليات الصرف. وهي وفق القانون البلدي والمالي «عمليات صرف غير قانونية»، انما يجري التغاضي عنها لأنها باتت واقعاً لا مفر منه.
مساعدات البلديات للمدارس
يلفت عدد من رؤساء البلديات إلى تكبدهم صرف أموال من الصناديق البلدية، عبر قرارات المجالس، في ظل إمكانيات شحيحة، إلى المدارس الرسمية لتأمين حاجتها من المازوت للتدفئة فيها. وذلك تحت وطأة الحاجة في أيام البرد وإلا كي لا تضطر تلك المدارس إلى التعطيل انتظارا لدفء الطبيعة، على غرار ما حصل في بعض المدارس الرسمية والمهنيات البقاعية، التي تعطلت فيها الدروس لغياب وسائل التدفئة. ولا تقتصر المساعدات البلدية على موضوع التدفئة في المدارس الرسمية، بل تطال الترميم والتأهيل، كما يقول رئيس بلدية سعدنايل خليل الشحيمي، الذي يتحدث عن تكبد المجلس البلدي، الذي يرأسه، «صرف مساعدة مالية من أجل تامين احتياجات التدفئة لصالح الثانوية الرسمية ومدرسة أبو جبل والعمرية، عدا عن صرف أموال لإجراء بعض التصليحات في الثانوية الرسمية».
ويقدر الشحيمي الأموال المصروفة لصالح المدارس الرسمية في سعدنايل بالملايين، ويجدها «غير قابلة للنقاش، في ظل تعميم رسمي من وزارة التربية إلى مدراء المدارس بحرية التوجه نحو المجتمع المدني والمجالس البلدية والفعاليات السياسية لطلب يد المساعدة لأن الإمكانيات غير متوفرة».
وتكرر الأمر نفسه مع بلدية علي النهري، كما يقول رئيس بلديتها الحاج أحمد مصطفى المذبوح، الذي وافق في الأيام الماضية على صرف ما قيمته ألفا ليتر مازوت لكل مدرسة رسمية. ويتحدث المذبوح عن «مصاريف مالية تتكبدها البلدية من أجل التدفئة، وإصلاح أعطال تطرأ بشكل يومي على شبكة المياه». ويؤكد عدد من مدراء المدارس الرسمية على «الواقع المرير»، نتيجة عجز سنوي في صناديقهم المدرسية التي لا يمكنها أن تؤمن بعض المستلزمات الضرورية والملحة للمدارس، من تجهيزات لوجستية في حين أن «شراء مادة المازوت يستنزف ما يفوق موجودات صندوق المدرسة المالي»، كما يقول بعضهم. ويقف مدراء المدارس الرسمية في المنطقة عاجزين عن زيادة رسم قيمة مساهمة أولياء الطلاب، الذين هم بالاصل التجأوا إلى المدرسة الرسمية لانعدام إمكانياتهم المالية.
البلديات وشبكات المياه
قد تكون مساهمة البلديات للمدارس الرسمية نقطة في البحر الواسع الذي تتكبده البلديات في عملية الصرف على تأهيل وترميم شبكات جرّ مياه الشفة، أو إصلاح غطّاسات محطات ضخّ المياه. ويعتبرها عدد من رؤساء البلديات «الطامة الكبرى» أو «الكارثة المالية» التي تستنزف مقدراتهم من أقاصى الهرمل إلى راشيا، مروراً بقضاء زحلة، بعدما باتوا أسيري الإهمال الرسمي لقطاع المياه في البقاع، فتذهب ميزانياتهم على استبدال وتصليح شبكات المياه المهترئة. وتحتل «محطة شمسين»، التي من المفترض أن تغذي أكثر من ثلاث وثلاثين بلدية في البقاعين الأوسط والغربي، الرقم الأول في عمليات الصرف البلدي على مضخاتها «التي تتعطل أكثر مما تعمل»، وفق رؤساء البلديات، الذين خصصوا ميزانية خاصة بالمحطة ومضخاتها، إضافة إلى الإكراميات التي تدفع لصالح الورش الفنية أو شراء قساطل لاستبدال بعض خطوط جرّ المياه المهترئة. ويقدر رئيس بلدية مجدل عنجر سامي العجمي المبالغ التي صرفها المجلس البلدي على المحطة بـ «آلاف الدولارات، كمساهمة مالية من البلدية لتصليح مضخة تعمل على إيصال المياه إلى مجدل عنجر».
ومنذ سنوات تطلق بلدية مجدل عنجر صرخات وصرخات من أجل تأمين المياه من «محطة شمسين» إلى أحياء البلدة التي تقع في بداية خط الجرّ من المحطة إلى القرى أي أن أزمة القرى التي تلي مجدل عنجر في موضوع المياه هي أسوأ وأكثر حرمانا. و»لم يترك رؤساء البلديات في البقاعين الأوسط والغربي أي وسيلة لتغيير الواقع المتردي، الذي يكبد صناديقهم البلدية الخاوية تكاليف مالية إضافية، إلا ولجأوا إليها»، وفق رئيس بلدية كفرزبد عمر الخطيب الذي يتحدث عن مصاريف مالية تدفعها البلدية لصالح المحطة، من تأمين المازوت لعمال المحطة للتدفئة إضافة إلى إجراء بعض التصليحات على الشبكة على عاتق البلدية.
أما في عين كفرزبد، فلم يجد رئيس بلديتها سامي الساحلي مفراً من إصلاح واستبدال خطوط الجر لأقسام من شبكة مياه الشفة بأمواله الخاصة، لأن دوائر محافظة البقاع ترفض تبرير أي صرف مالي على تلك التصليحات، كونه ليس من واجبات البلدية. ذلك الحلّ يصفه الساحلي بـ «أهون الشرور، لأن الأهالي لا يجدون سوى البلدية لرفع شكاويهم ومعاناتهم».
ومع تلكؤ المعالجة الرسمية لبعض المتطلبات الضرورية والملحة لدى بلديات البقاع، أخذت بعض البلديات على عاتقها تنظيف قسم من مجرى نهر البردوني في زحلة، في قسمه الممتد من مقاهي البردوني إلى قبالة «اوتيل قادري» على حساب البلدية التي أخذت موافقة من وزارة الطاقة والمياه على الأعمال التأهيلية، بعد إحجام تلك الوزارة عنها لعدم توفر الأموال.
ويتحدث رئيس «اتحاد بلديات البقاع الأوسط» ورئيس بلدية قب الياس – وادي الدلم فياض حيدر عن «معاناة قاسية» يعيشها مع «مؤسسة مياه البقاع»، «التي تحجم عن القيام بأي أعمال إصلاح على الشبكات المهترئة، وحتى تأمين المازوت للمولد في محطة الضخ في قب الياس»، كما يقول. ويقتطع حيدر سنوياً «أكثر من مئة وعشرين مليون ليرة لبنانية من ميزانية بلدية قب الياس لصالح إجراء تصليحات على شبكات الجرّ، وبدلات إيجار عمال، وثمن تمديدات جديدة، ومازوت، وزيت لمولد محطة الضخ. وفي المقابل تستوفي مؤسسة مياه البقاع الرسوم من الأهالي وتحجم عن ممارسة واجباتها». بدوره أكد المدير العام لـ «مؤسسة مياه البقاع» المهندس مارون مسلم على أن كل ما يقال عن صرف أموال من البلديات بدل أعطال في شبكات الجرّ قد يكون صائباً وحقيقياً، ولكن بمبالغ طائلة كما يقال غير صحيح». ولفت مسلم إلى أن «مؤسسة مياه البقاع تعاني من عجز مالي وإداري وفنيّ، وفي الوقت نفسه، يحجم آلاف المشتركين عن دفع متوجباتهم المالية، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف في الأداء». وشدد مسلم على أن «المؤسسة جاهزة لاستقبال أي شكوى، ومعالجة الأعطال، ولكن في الوقت الحالي لا تستطيع تنفيذ شبكات جرّ».
«لا إمكانية لعدم توفر الأموال»، عبارة تصدرت الردود الرسمية على غالبية المراسلات البلدية، التي لا تعدّ ولا تحصى، إلى وزارات الخدمات والتي تطلب فيها تنفيذ وتجديد البنى التحتية من مجاري المياه إلى تنفيذ شبكات جرّ جديدة للمياه. ووفق القانون البلدي فإنه يسمح للبلديات أن تقدم مساعدات مالية للجمعيات والأندية بما قيمته خمسة بالمئة من مجمل الميزانية البلدية لأي مدينة أو قرية أوبلدة. وعلى هذا المنوال يتم تبرير بعض المساعدات إلى المؤسسات الرسمية، التي يبدو أنها تحولت إلى جمعيات خيرية تطلب يد المساعدة، وبابا واسعاً لهدر الأموال البلدية.)السفير 1 شباط2011)