جيلان شاركا في ندوة «شباب لبنان: إشكالية التخصص والعمل»، جيل خرج منذ فترة من الزمن على التقاعد، وجيل ما زال على مقاعد الدراسة الجامعية أراد الاستفادة من وجود خبيرين، لكنهم فوجئوا ان وقت النقاش والأسئلة ترك للجيل الذي غزا الشيب مفرقه، ليتحدث عن تجاربه السابقة، وخبراته في الحياة، وعن أسفاره وترحاله، حتى أن أحدهم أثنى على إحدى الدول الأفريقية التي بإمكانها استقبال الشباب.
وفي الندوة التي دعا إليها المنبر الثقافي في «الجمعية الإسلامية للتخصص والتوجيه»، تحدث المستشار الإقليمي في الاسكوا - بيروت الدكتور أديب نعمه عن «توعية الشباب في زمن العولمة»، فيما شرح مدير مؤسسة البحوث والاستشارات الدكتور كمال حمدان عن التخصصات العلمية الجديدة في الأسواق المعاصرة.
طالب طب وحيد ممن أعطي له الأذن بالحديث، بعد مطالبة ان تكون الأسئلة والاستفسارات للشباب، قال «لم أطلع على الاختصاصات المتوفرة إلا بعدما دخلت إلى الجامعة، وهنا لا اعرف على من تقع مسؤولية التوجيه».
أضاف «كنت أتوقع ان يكون المحاضران من أصحاب الاختصاص، لكن تبين وكأنهما يروجان، أو ينبّهان بأن الحلم ليس في لبنان، بل في المهجر..». وتابع «أدرس الطب ولا أعرف ما هو الاختصاص الأفضل للمستقبل، وما يجب التركيز عليه أكثر..». وهنا قاطعه مدير الجلسة الدكتور زهير حطب واعداً بتخصيص ندوة ثانية تكون أكثر تخصصاً.
وكان حطب قد قدم عرضاً تاريخياً للتطور العلمي والانتقال من الإنتاج اليدوي إلى الإنتاج الآلي، مروراً بثورة التكنولوجيا الحديثة، وما يشكله الشباب من عنصر بشري مهم في عملية التحول إلى مجتمع الثقافة والتكنولوجيا، وتبني كل ما هو جديد.
وتطرق إلى اندفاع أفواج من الشباب للتحصيل العلمي، للانتقال إلى العالم الافتراضي الجديد، مما أدى إلى تسارع الطلب على الشباب في الدول الغنية، فاستفادت من علمهم وخبراتهم، إلا أن بلادهم لم تستفد منهم. ولفت إلى ان ذلك ساهم في تفريغ دول العالم الثالث من الشباب، ومنها لبنان، وهذا شكل خللاً في التركيبة السكانية.
وأشار نعمه إلى أن الدول العربية تعيش حالياً في زمن التغييرات الراديكالية، بدءاً من تونس ومصر والبحرين وليبيا واليمن وغيرها، ليتحقق الحلم من أن العالم العربي موحد، ولكن..
وربط ذلك بأن الفئة الاجتماعية الكبيرة هي من الشباب والعاطلين عن العمل. فكانت الشرارة الأولى للثورة التي انطلقت باستخدام التكنولوجيا، وكانت فعالة.
وتحدث عن نسب البطالة في العالم العربي والتي تتراوح بين 12 و14 في المئة بينما في تونس تصل إلى خمسين في المئة، في حين ان النسبة العمرية الكبيرة للسكان هي ما دون الثلاثين عاماً. واعتبر ان البطالة شكلت حالة تغيير كاملة للشباب كي تنفجر وتخرج إلى الشارع. وربط ذلك بانعكاسات العولمة على عمل واختصاص شباب، وهذا أدى إلى تقليص دور الدولة الراعية، بعدما سيطرت الشركات العابرة للقارات على نسبة كبيرة من الاقتصاديات، وكذلك فعلت القطاعات الخاصة إن كانت عائلية أو قبلية، من دون أن يكون للدولة قدرة على المتابعة أو تقديم الخدمات، فحل التعاقد محل التوظيف، وتدنت بذلك فرص العمل.
وتناول موضوع العمالة والتوظيف والاستعانة باليد العاملة الرخيصة والتي تكون عادة من دول أخرى «إبن البلد لا يعمل في أعمال يعتبرها دونية، أو بأجور متدنية». ورأى ان المنظمات الدولية تنظر إلى موضوع البطالة والشباب بطريقة جزئية وسطحية، وكيفية خفض النسب بنقطة أو نقطتين، بينما المطلوب تأمين فرص عمل».
واستهل حمدان مداخلته بالإشارة إلى ان إحصاءات العام 2008/ 2009 تشير إلى ان 29 ألف طالب لبنان يتخرجون باختصاصات في علوم أدبية «إنسانيات، وحقوق وغيرها»، من بينهم 32 في المئة تخصص في العلوم البحثية «الهندسة والطب وإدارة أعمال». وقال «إذا أضفنا إلى هؤلاء المتخرجين، متخرجي التعليم المهني والتقني، ومن يتسرب من المدرسة إلى سوق العمل يصبح لدينا نحو خمسين ألف طالب وظيفة بينما النمو الوظيفي سنويا يتراوح بين واحد وواحد ونصف في المئة، أي ان هناك فرصاً لنحو عشرة آلاف متخرج، وربما ترتفع الفرص إلى 15 ألفاً، في ظل وجود نحو أربعة آلاف مؤسسة عائلية، مع خروج قسم من العاملين إلى التقاعد».
وبعدما تحدث عن عجز الدولة في إدخال موظفين جدد «باستثناء المتعاقدين في التعليم، والمتعاقدين في السلك الأمني..»، لفت حمدان إلى ان أرقام نسب البطالة في لبنان غير دقيقة، مشيرا إلى ان دراسة للجامعة اليسوعية بين العامين 2001 و2007 أظهرت خروج 25 ألف شاب سنوياً من لبنان للعمل في الخارج.
واعتبر حمدان ان الاستثمار الحاصل في لبنان يتمثل في البناء، وذلك لا ينتج الكثير من فرص العمل، داعياً الشباب إلى التوجه نحو اختصاصات العلوم البحثية «الرياضيات والفيزياء والاقتصاد القياسي وإدارة الأعمال المتخصصة، والحقوق غير حقوق الفرع الأول في الجامعة اللبنانية.. التجارة الدولية، وتطبيق المعاهدات وتبادل الخدمات بين الدول.. والإحصاء، واللغات، وهندسة الكومبيوتر..».
وشدّد على أهمية دمج الاختصاص باختصاص آخر «بما يشكل مروحة عمل أكبر وتعزز فرص الشباب».(السفير24 شباط2011)