كان العلم بالنسبة إلى الفلسطينيين أيام الثورة طريق تحرير فلسطين جنباً إلى جنب مع البندقية. طال الوقت على اللاجئين وتأثروا بأوضاع بلدان اللجوء وظروفهم فيها، فأصبح خروجهم المبكر للعمل يترجم يأساً من الأوضاع التي يعيشونها
«لماذا يجب أن أتعلم وأدفع تكاليف الجامعة، وما أنتجه الآن يوازي ما كنت سأنتجه أو أكثر لو تخرجت؟». بهذا «التفكير المنطقي»، يبرّر أحمد النابلسي تركه للمدرسة منذ صف البريفيه. الشاب الفلسطيني الذي يملك محلّاً للألبسة في منطقة الطريق الجديدة، ترك المدرسة «مع أن كل شيء متوافر لي لإكمال علمي»، فوالده الذي يعمل في الخليج، يرسل دورياً مصاريف العائلة، بما فيها ما كان مفترضاً أن يكون مصروفه المدرسي. قد يقول أحدهم إن نابلسي محظوظ بوالده، لأن الأوضاع الاقتصادية للكثير من الفلسطينيين لا تسمح لهم بتوفير تكاليف المصاريف المدرسية لأولادهم، إن من ناحية المواد القرطاسية أو رسوم التسجيل. ومع أن التعليم في مدارس الأونروا مجاني، فإن الأزمة المالية التي مرت بها الوكالة جعلته واقعياً «شبه مجاني»، إذ بدأت الوكالة بطلب رسوم رمزية من المنتسبين الى مدارسها، وهي عبارة عن مئة ألف ليرة لبنانية، تغطّي توفير الأونروا للكتب ولجزء من القرطاسية. لكن أسباب رفض نابلسي إكمال دراسته، مع أن كل شيء متوفر له، كثيرة، وهو مستعدّ لشرحها وتفصيلها. أولها انعدام أمل إيجاد فرص عمل مناسبة في لبنان، وخصوصاً أن «خبرية» الحقوق الاجتماعية وتعقيدات حق العمل للاجئين الفلسطينيين التي باءت بنصف فشل، لا تزال مطبوعة في رأسه. «تركت المدرسة لأني فلسطيني»، يقول. وهل أصبحت البطاقات الزرقاء حجة «رسمية» مشروعة للخروج المبكر إلى سوق العمل؟ يبدأ الشاب بمحاولة إيجاد تبريرات يقنع نفسه بها قبل الآخرين، «لا يمكنني أن أعمل في وظيفة محترمة، ولا يمكنني أن أتملك شقة، وإذا تملكت شقة فلن أستطيع توريثها إلى ولدي». يدعم الشاب نظريته بتبريرات يراها منطقية، «أليس الهدف من الدراسة أن نعيش حياة كريمة؟ أنا الفلسطيني، بكل بساطة، إذا تعلمت أو لم أتعلم لن أستطيع أن أعيش بكرامة لأنني ممنوع من ذلك، بحسب القوانين اللبنانية». هكذا، فضّل أن يترك المدرسة ويستدين من والده مبلغاً من المال لكي يفتح محلّاً للألبسة. نابلسي ليس الوحيد الذي ترك المدرسة وتحول الى سوق العمل بملء إرادته. ففي مخيم شاتيلا في أحد الأزقّة الداخلية تجلس مجموعة من الشبّان. مروان العرب يقدم نفسه لك بصفة «عاطل من العمل»، كما يقول ضاحكاً. العرب كان سيحصل على إجازة في المعلوماتية لو أنه أكمل علمه، لكنه كما يقول «طحّلت، بين تقسيم وقت العمل والدراسة». الشاب الذي درس في أحد المعاهد اللبنانية فقد أمل إمكانية العمل في لبنان إذا تخرج. أما الآن فهو يعيش حالة انتظار «ربما أستطيع الحصول على فرصة عمل في الخارج»، يقول الشاب العشريني الذي وصل الى السنة الثالثة في اختصاص المعلوماتية ويضيف: «أخي الذي أجبرني على ذلك. كان هو من يساعدني على دفع تكاليف المعهد وجزء من تكاليف مصروفي، لكنه تزوج وأصبحت لديه عائلة ليصرف عليهاز توقعت أن أستطيع إكمال دراستي، وأنني عندما أتخرج سأعمل في إحدى الشركات، وأن أصبح موظفاً.. لكنني اصطدمت بواقع أنني فلسطيني ممنوع من العمل رسمياً، فقرّرت أن أترك الدراسة وأبدأ العمل بالأسود» أي بالخفاء. هكذا، انعكس الواقع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وحرمانهم من حقوقهم المدنية والاجتماعية على فئة الشباب، فهؤلاء فضّلوا ترك المقاعد الدراسية، حتى لو استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، والتوجه الى سوق العمل مباشرة دون الحاجة الى المرور بمرحلة الدراسة للتحول الى هذا السوق. فقد أظهرت الأرقام في آخر دراسة أعدّتها الأونروا بالتعاون مع الجامعة الاميركية في بيروت حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين في المخيمات، أن 6% فقط من الفلسطينيين يحملون شهادات جامعية. الدراسة التي أفرجت عنها الأونروا أخيراً، بيّنت أيضاً أنه كلما ارتفع المستوى العلمي لربّ المنزل تراجع معدل الفقر الى ما نسبته 60.5%، وتراجع معدل الفقر الشديد الى النصف. أما ما ساهم في المأساة التربوية في المخيمات فهو اختفاء الثقافة التي كانت سائدة في أوساط الفلسطينيين وتقول: إن الفلسطيني غير المتعلم هو خائن لبلده. فتحرير فلسطين كان يمر من فوهة الشهادة الجامعية أيضاً وليس البندقية فقط، كما كان أبناء المخيمات يلقّنون أولادهم أيام الثورة الفلسطينية. لكن الواقع المعيشي المأساوي لأبناء المخيمات صار، لطول الوقت، يستنزف إرادتهم وخصوصاً في ظل تراجع الإيمان الحقيقي بالتغيير. هكذا، لم يرتد ما نسبته 8% ممن هم في سن الذهاب الى المدرسة (بين 7 و15 عاماً) أي مدرسة في عام 2010. هذه الأرقام يُتوقع ازديادها في الأعوام المقبلة خصوصاً، أن الكثافة السكانية في ازدياد، وأن نسبة العاطلين من العمل في المخيمات والتجمعات الفلسطينية وصلت إلى ما نسبته 56%، ما سيدفع اللاجئين إلى البحث عن فرص عمل عوضاً عن التفكير في كيفية إكمال الدراسة. هكذا، يبقى على الأونروا أن تعمل على تحسين القطاع التربوي لديها كي تستطيع أن «تكمل باللي بقيوا».
أظهرت الدراسة التي قامت بها الأونروا بالتعاون مع الجامعة الأميركية في بيروت، والتي تناولت الوضع الاقتصادي والاجتماعي للاجئين، أن ما نسبته 6% فقط من اليد العاملة الفلسطينية تملك شهادات جامعية، مقارنة بـ20% من اليد العاملة اللبنانية، وأن 8% من الذين أعمارهم بين 7 و15 عاماً لم يرتادوا المدرسة في عام 2010، بالإضافة إلى أن 13% من اللاجئين فوق 18 لديهم شهادات ثانوية، مقارنةً بـ17% من اللبنانيين. يشار إلى أن عدد العاملين الفلسطينيين في لبنان يصل إلى 53 ألف عامل.(الأخبار28شباط2011)