تُصدر منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرها اليوم عن حال حقوق الإنسان في العالم لعام 2009. الناشطون يحقّقون تقدماً ويدفعون حكومات لتستخدم نفوذها لمصلحة ضحايا الانتهاكات. في لبنان الانتهاكات متعددة على أكثر من صعيد
بيسان طي
إنه عام الفرص الضائعة، هذا أول ما نقرأه في الصفحات التي يخصصها تقرير «هيومن رايتس ووتش» الأخير للحديث عن حال حقوق الإنسان في لبنان، وينقسم الكلام في هذا الإطار إلى سبعة محاور.
من ينفّذ القانون؟
يلفت التقرير إلى أن القانون اللبناني يحظر التعذيب، وقد صدّق لبنان على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب، «لكن المساءلة عن التعذيب، وإساءة المعاملة خلال فترة الاعتقال لا تزالان أمراً بعيد المنال»، وقد أكّد معتقلون، معظمهم إسلاميّون، للمنظمة الدولية ولمنظمات أخرى أنّ المحقّقين لجأوا إلى ضربهم وتعذيبهم في مراكز احتجاز «بما في ذلك مركز استخبارات الجيش التابع لوزارة الدفاع، وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وبعض أقسام الشرطة»، كذلك لفت التقرير إلى أن وزارة الداخلية لم تُعلن نتائج تحقيق باشرته في آب 2008 «في مزاعم إساءة معاملة تقع في السجون اللبنانية».
ويُذكّر التقرير بأن الأوضاع في السجون ومرافق الاحتجاز لا تزال مزرية، ويمثّل الاكتظاظ والافتقار إلى الرعاية الطبية الملائمة مشكلة دائمة. «وفقاً لتقرير أعدّته قوى الأمن الداخلي، فإنه منذ 24 آب 2009 ، كان هناك 5324 سجيناً في لبنان، فيما مراكز الاحتجاز يمكن أن تستوعب كحدّ أقصى 3653 شخصاً... يمثّل المحتجزون احتياطياً حوالى 65 % من العدد الإجمالي للسجناء، فيما يمثّل السجناء الأجانب الذين أنهوا مدّة عقوباتهم، وينتظرون الترحيل لبلدانهم 13 % أخرى».
حافظ لبنان على الأمر الواقع القائم بوقف تنفيذ حكم الإعدام، لكنّ عدداً من أحكام الإعدام صدرت عام 2009. قدّم وزير العدل مشروع قانون بشأن إلغاء عقوبة الإعدام للحكومة اللبنانية في تشرين الأول 2008، لكن لم يُعتمَد بعد.
تُذكّر المنظمة الدولية في تقريرها بأن نحو 300 ألف لاجئ فلسطيني في بلادنا لا يزالون يعيشون أوضاعاً اجتماعية واقتصادية صعبة، وهم «عرضة لقيود واسعة النطاق على السكن والعمل».
أما في ما يتعلق بمخيم نهر البارد، فإنّ أهله يعيشون في ظروف مزرية، وقد عُلّقت «أعمال إعادة الإعمار» شهرين «بعدما تقدّم سياسي بارز بالتماس يشير إلى أن إعادة الإعمار قد تؤدّي إلى إتلاف 72 من الرفات المكتشف تحت الأنقاض».
النقاط التي يثيرها التقرير، توقّف وزارة الداخلية في آذار الماضي، عن إصدار بطاقات تعريف مؤقتة للفلسطينيّين في لبنان، الذين لا يملكون أية وثائق قانونية، ما يجعل أكثر من ألفي فلسطيني بلا بطاقات تُعرّف بهم، وهم بالتالي عرضة للاعتقال.
حال اللاجئين العراقيين في لبنان لا تبشّر بالخير، ولا تفيد بأنهم يعاملون بأسلوب يراعي كرامتهم الإنسانية، والظروف القاهرة التي يمر بها بلدهم، ويلفت التقرير إلى أن لبنان لم يصدّق «على اتفاقية عام 1951 للاجئين، فلا يعطي مفعولاً قانونياً لاعتراف المفوضية باللاجئين العراقيين، وعموماً يعامل الغالبية العظمى منهم باعتبارهم مهاجرين غير شرعيين وهم عرضة للاعتقال. وفي أيلول 2009، بقي 80 لاجئاً معترفاً بهم قيد الاعتقال على خلفية عدم حيازتهم أوراق إقامة صالحة».
حدّثني عن النساء
وصلت نساء لبنانيات منذ التسعينيات إلى مقاعد المجلس النيابي، وتبوّأت نساء مراكز وزارية، ورغم ذلك فإن «هيومن رايتس ووتش» تلفت إلى أنّه «رغم مشاركة المرأة الفعّالة في معظم جوانب المجتمع اللبناني، إلا أن الأحكام التمييزية لا تزال موجودة في قوانين الأحوال الشخصية، وقوانين الجنسية، وفي قوانين العقوبات، في ما يتعلق بالعنف الأسري».
يستفيض التقرير في الإضاءة على عاملات المنازل الأجنيبات فهنّ «عرضة للاستغلال والمعاملة السيئة من قبل أرباب العمل، بما في ذلك ساعات العمل الطويلة، عدم دفع الأجور، وفرض القيود على حريتهن».
في ما يتعلق بـ«محكمة الحريري»، يلفت التقرير إلى أنه «لم تُصدر المحكمة أيّ قرار اتهاميّ حتى اليوم، وعيّنت الأمم المتحدة لجنة دولية لمواصلة تحقيقاتها». ويتحدث التقرير عن «تنافس عدة جهات إقليمية ودولية على النفوذ في لبنان».
يبدو التقرير أميناً في وصف واقع حقوق الإنسان في لبنان، لكن يؤخذ عليه، في الفقرة الخاصة بـ «تركة النزاعات وحروب الماضي» عدم التفريق بين مسؤولية حزب الله ومسؤولية إسرائيل في إطار الحديث عن حرب تموز 2006، نقرأ «لم تقم أيّ من الحكومتين الإسرائيلية أو اللبنانية بالتحقيق في انتهاكات قوانين الحرب التي ارتكبتها الأطراف المتحاربة»، كذلك تبنّى التقرير خطاباً سائداً عن أحداث أيار 2007، معتبراً أنها قتال بين «المعارضة بقيادة حزب الله والجماعات الموالية للحكومة»، ولكن يسجّل للتقرير التذكير بأنها أدّت «إلى مقتل 71 شخصاً في أسبوعين، فشلت السلطات القضائية في محاسبة المقاتلين المسؤولين عن الهجمات ضد المدنيين».
نظرة تقليديّة إلى الصراع
يلفت التقرير إلى ممارسات إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان، فقد «منعت المدافعين الإسرائيليين والدوليين عن حقوق الإنسان، وصحافيين أجانب من دخول قطاع غزة أثناء نزاع كانون الأول 2008ـــــ كانون الثاني 2009، ومنذ ذلك الحين وهي تمنع نشطاء حقوق الإنسان من الدخول إلى غزة». رغم أهمية هذه الإشارة، يُذكر أن ما سمّته المنظمة نزاعاً، هو حرب إسرائيلية على غزة وأهلها. تتحدث المنظمة عن «تقرير غولدستون»، لكنها تساوي بين إسرائيل و«الجماعات الفلسطينية المسلحة» في إطار الكلام على انتهاكات حقوق الإنسان. ومن المثير للتساؤل تبني المنظمة وجهة النظر القائلة بأن «مجريات حروب التحرير في الخمسينيات ساعدت على تكوين طبيعة الحركات المسلحة التي تنامت في الشرق الأوسط، ولا سيّما في أوساط الفلسطينيّين».
لقطة
يغوص التقرير في بعض العناوين الإشكالية، ورغم محاولة مُعدّيه اعتماد لغة «موضوعية»، إلا أنه لم ينجح في هذه المهمة عندما تعلق الأمر بالحديث عن الجهاد في الإسلام، في إطار معالجة مشكلة مهاجمة جماعات إسلامية لمدنيين. وهذا نقاش صعب وينطوي على تعقيدات، ويتطلب فهماً عميقاً للإسلام وللحروب التي شُنّت على دول المنطقة. ومن اللافت في التقرير إثارة مواضيع لا يتنبه العامة إلى خطورتها، منها انتهاك حقوق المرضى، ومشاركة مقدمي خدمات صحية في التعذيب والمعاملة السيئة غير الإنسانية وغير المهنية. ومن النقاط التي أضاء عليها التقرير، أن السعودية لا تُقرّ بعمل المنظمات غير الحكومية في موضوع حقوق الإنسان.