عندما يحتفل لبنان غداً بعيد العمال، سوف تبقى عشرات الآلاف من العاملات المهاجرات في المنازل، من دون عطلة.
لكن عمل أولئك النسوة سوف يبقى غير مرئي، لأن قانون العمل اللبناني استثنى من أحكامه، العاملات في المنازل، بموجب المادة السابعة التي جاء فيها: حظر تشغيل النساء في الصناعات الثقيلة والخطرة، والعمل في المصانع ليلا، وتحت سطح الأرض، واستثناء العاملين المؤقتين في القطاع الزراعي، والخدم في المنازل الذين يتبعون قوانين خاصة.
ويبدو الهدف من ذلك الاستثناء هو الرأفة بالنساء، على عكس الواقع حيث تعمل تلك النسوة ساعات طويلة، من دون دوام واضح، ولا عطلة أسبوعية.
ويبلغ عدد عمال المنازل بموجب الإحصاءات التي أعلنت عنها منظمة «هيومن رايتس ووتش» مئتي ألف عامل، غالبيتهم العظمى نساء، وهو رقم يوازي أو يفوق عدد العمال الآخرين الذين ينتمون إلى جنسيات متعددة ويعملون في مهنة واحدة، مثل العمال السوريين أو المصريين أو غيرهم.
وانطلاقاً من الإهمال الذي تتعرض له العاملات، قررت مجموعة من المنظمات الأهلية، رعاية احتفالات ثقافية بالمناسبة، تشارك في إعدادها وتنظيمها، نساء أفريقيات، ويتعرف من خلالها اللبنانيون على الوجه الثقافي لبلاد المهاجرات، بعدما ساد الاعتقاد، أو الشائعات المبالغ فيها أن أولئك المهاجرات يأتين من أماكن لا علاقة لها بالحضارة البشرية، ويتم التعبير عنها بمفردات قاسية من بينها: تلك العاملة آتية من الأدغال، ليس في منازلهن حمامات، لا يعرفن المقاعد والأسرّة، وغيرها من العبارات.
تمتد النشاطات على مدى يومين، وتقام بين الثالثة والخامسة من عصر اليوم مسيرة تضامنية من جسر الكرنتينا إلى عين المريسة.
وغداً السبت يقام مهرجان مأكولات في سوق الطيب في الجميزة، بين التاسعة صباحا وبين الثانية بعد الظهر، تعرض فيه مأكولات من نيجيريا وأثيوبيا والفليبين والسودان، من إعداد العاملات، فيما قدمت الجمعيات مساعدة مالية من أجل تأمين المأكولات كافة، على أن يعود ريع بيعها لمساعدة الجاليات التي تنتمي إليها العاملات.
وعند الخامسة والنصف من عصر اليوم نفسه، يقام حفل موسيقي في كورنيش عين المريسة قرب جامع عبد الناصر، يتخلله رقص، وعزف موسيقى أفريقية ولبنانية، تشارك فيها فرق زيد حمدان وفريق الأطرش ولايزي لانغ.
وأوضح فريق الأطرش الذي كان حاضرا في المؤتمر الصحافي أن الهدف من الحفلة هو جمع موسيقى أفريقيا والشرق الأوسط، «لأننا نؤمن بأن الناس متساوون، ويجب ألا يفرق بينهم لون بشرتهم».
من جهته قال زيد حمدان إن اللبنانيين لا يعرفون إلا القليل عن الموسيقى الأفريقية، وقد عمل مع موسيقيين من أثيوبيا وغينيا ونيجيريا، في عزف موسيقى جميلة، فيما بدأت في بعض المناطق محال لعزف ذلك النوع من الموسيقى.
وتحدث في المقابل عن تعرض شابين من ذوي البشرة السوداء يعملان معه في فرقته وتسمى «قطاع لبنان» للتحرش من قوى أمنية. وقال إن هناك عنصرية في الدول العربية، تظهر في التعامل مع عمال المنازل وغيرهم من العمال، بينما «نحن لا نفعل شيئا لتغييرها».
ويترافق النشاط الثقافي مع حملة لتعديل قانون العمل اللبناني، باتجاه الاعتراف بالعمل المنزلي.
وقد أعلن ممثل منظمة «هيومن رايتس ووتش» نديم حوري في المؤتمر أن العمل في المنازل يجب أن يصبح واحدا من الأعمال التي تخضع للتنظيم، بدوام واضح، وعطلة أسبوعية، مشيرا إلى أن النشاط الثقافي هو للتقريب بين العائلات اللبنانية والعاملات لديها.
وقد أعدّ لتلك الغاية ملصق يحمل عنوان: «أنا كمان عندي حلم»، يفترض أن يتم من خلاله التعريف بأن عاملة المنزل تترك بلدها وعائلتها من أجل توفير الأموال لبناء منزل وتعليم أولادها، وتأمين الطبابة لهم، تماما كما تعمل المرأة اللبنانية خارج منزلها، وتُوظف العاملة للاعتناء به، من أجل المساهمة في توفير متطلبات عائلتها المادية.
وقالت إحدى المشاركات في تنظيم النشاطات، سامبا روسو وهي أميركية من أصل أفريقي إنها حائزة شهادة جامعية في الصحافة، وتجيد التصوير، وتعمل في أحد المحال في الجميزة، لكنها عندما تكون برفقة صديقتها اللبنانية، يعتبرها الناس خادمتها، فقط لأن لون بشرتها أسمر. كما تتعرض للتحرش في العديد من المرات التي تحاول أن تستقل فيها سيارة أجرة، من مكان عملها إلى منزلها، وأحيانا تُطلق الشتائم في وجهها، ويعتقدها البعض بائعة هوى، فيسألونها عن السعر الذي تطلبه.
وتضيف أن اللبنانيات لا يسلمن أيضا من التحرش، وتعرف أن الفتيات لا يصعدن في المقعد الأمامي في سيارات الأجرة، خوفا من أن يقال إنهن يردن شيئا من السائق أو الركاب، وهي تجرب مقاومة تلك النظرة تجاه المرأة.
وطالبت روسو بتعديل قانون العمل، وترجمة عقود العمل إلى اللغات التي تنتمي إليها العاملات، لأن بعضهن لا يعرف أحيانا على ماذا يوقعن، ولا عدد سنوات الخدمة، كما دعت للسماح لهن بأوقات خروج من أجل الراحة، لأن ذلك يرتد إيجابا على العمل، ولا يخلق كراهية بينهن وبين ربات عملهن.