إطلاق معايير عامة لضمان أداء الجمعيات.. فماذا عن تلك المتخصصة؟

فتح إطلاق المعايير العامة النهائية لضمان جودة العلاقات بين وزارة الشؤون الاجتماعية والجمعيات والهيئات الأهلية في لبنان في الوزارة أمس، باب النقاش على مصراعيه حول إمكانية تطبيق المعايير الموضوعة من جهة، وضرورة عدم اقتصارها على العام من الأمور، وصولاً إلى وضع معايير إضافية متخصصة بالفئات الاجتماعية المستهدفة من قبل الجمعيات.
وإذا كان وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ قد بشّر بزيادة موازنة وزارة الشؤون من 102 مليار ليرة سنوياً إلى 170 ملياراً في العام الجاري 2011، فإن المعنيين في الجمعيات على اختلاف أنواعها، طالبوا بضرورة زيادة مستوى مساهمة الوزارة في مشاريع الجمعيات من جهة، وضرورة تطبيق الدولة نفسها للمعايير التي ستطبقها الجمعيات. والمقصود بالدولة هنا، الوزارات الشريكة مع الجمعيات ومنها «الشؤون»، ووزارتا الصحة والتربية اللتان توقعان عقوداً مشتركة، أو تمولان مشاريع محددة بالتعاون مع القطاع الأهلي في لبنان.
وإذا كان حفل إطلاق المعايير قد شهد «غزلاً» متبادلاً ما بين الجمعيات من جهة، ووزارة الشؤون من جهة ثانية، وإشادة من قبل الجمعيات بمشاركتها في وضع المعايير، فإنه من الطبيعي التساؤل، قبل مناقشة المعايير، عن مدى إمكانية تطبيقها في ظل منع مجلس الوزراء التوظيف في «الشؤون»، كما الجمعيات.
فنسبة الشواغر في وزارة الشؤون الاجتماعية تصل إلى حدود الخمسين في المئة، ومعظم رؤوساء المصالح يعملون بالإنابة، والوزارة تعمل منذ خمس سنوات تقريباً من دون مدير عام، ما يطرح سؤالاً عن الكادر المخصص لمراقبة تطبيق المعايير من جهة، ومساعدة الجمعيات على التماشي معها من جهة ثانية.
وكما الوزارة، تعاني الجمعيات والمؤسسات الأهلية من قرار مجلس الوزراء بمنع التوظيف، في الوقت الذي يتطلب فيه تطبيق المعايير تحسين أداء هذه الجمعيات وزيادة كوادرها المؤهلة، كما تعزيز وسائل اتصالاتها التكنولوجية واعتماد أنظمة معينة تساهم في تحسين الأداء العام فيها.
ومع حصر تطبيق المعايير في العام الحالي في الموافقة على اعتمادها من دون تطبيقها، وتأجيل إدراج المعايير في صلب العقود الموقعة مع وزارة الشؤون إلى عام 2012، يطرح سؤال عن الخطة الموضوعة من قبل «الشؤون» لرفع مستوى الجمعيات وسبل دعمها لتأهيلها وتحسين إمكانياتها التي يجب ان تتماشى مع ما هو مطلوب منها.
وفي قراءة سريعة للمعايير العامة التي حكمت مناقشة وصياغة المعايير الموضوعة لعمل الجمعيات، يتضح أن مراعاة حقوق الإنسان تتصدرها، ما يطرح سؤالاً عن 23 ألف طفل يعيشون في دور الرعاية، بينما يحتدم النقاش عالمياً حول ضرورة رعاية الطفل في اسرته، وعدم سلخه عن بيئته الطبيعية التي يجب ان تكون حاضنته الأولى، إلا في حال تعذر ذلك تماماً.
ويقود السؤال عن 23 ألف طفل يعيشون في دور الرعاية، إلى السؤال عن معايير وزارة الشؤون نفسها التي تشجع من حيث لا تدري «الإيواء الداخلي» عبر حصرها دفع 4100 ليرة للطفل الذي يعيش داخلياً في المؤسسة، وليس المستفيد منها خارجياً. ويعود هذا القانون في وزارة الشؤون إلى ستينيات القرن الماضي، ولم تقربه المعايير الجديدة لا من بعيد ولا من قريب، حتى الآن، بينما يجب ان يكون إيداع الطفل في «الإيواء الداخلي» هو الاستثناء وليس السائد لا بل المفروض. ومن هنا، تنبع ضرورة وضع معايير متخصصة، لأن ما يسري على الأطفال يسري على المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة والفئات المهمشة والمعنفة، وعلى رأسها المرأة. فما هي المشاريع والخطط التي تضعها وزارة الشؤون لتأمين رعاية سليمة وفعالة بعيداً عن انتهاك الحقوق الأساسية للفئات المستهدفة، وتلك التي تحتاج إلى حماية، تحت شعار مساعدتها من قبل الجمعيات المعنية؟
وهنا، أيضاً، تسأل الجمعيات عن مبلغ أربعة آلاف ومئة ليرة، تدفعها الوزارة بدلاً من إيواء الطفل داخلياً، وماذا يمكن للمبلغ أن يؤمن للطفل الذي تقع على عاتق الجمعية مهمة تعليمه وتدفئته وتغذيته والترفيه عنه، «وكيف لنا أن نطالب بمعايير عصرية بمبلغ كهذا»؟!
وعليه، أكد رئيس المجلس الوطني للخدمة الاجتماعية الأب عبدو رعد لـ»السفير» ضرورة ان تخضع الدولة للمعايير كما الجمعيات، مشيراً إلى أنه «تساهم الدولة في تحمل الكلفة التي تدفعها الجمعيات، وإذا تأخرت في الدفع، فماذا تفعل الجمعيات؟».
وبعدما أشاد بالشراكة التي تمت ما بين الوزارة والجمعيات في وضع المعايير التي وصفها بـ»الجيدة»، طالب الأب رعد بضرورة تعديل العقود الموقعة ما بين الجمعيات والدولة لتتماشى مع المعايير الموضوعة «انسجاما مع متطلبات العصر».
ويطال الحديث هنا عدداً كبيراً من الجمعيات، تشمل حوالى 185 مؤسسة رعائية و250 مؤسسة توقع عقوداً مشتركة بينها وبين وزارة الشؤون.
وأمل رئيس اتحاد الجمعيات الأهلية المتعاقدة مع «الشؤون» توفيق عسيران أن تساهم المعايير الجديدة في إنصاف العديد من الجمعيات التي تؤخذ حتى الآن بـ»جريرة» جمعيات أخرى مختلفة عنها في الآداء والإمكانيات ونوع الخدمة ومستواها.
وأكد عسيران لـ»السفير» ان المعايير جاءت بناء على توصيات «باريس ثلاثة»، في إطار تحسين رقابة وزارة الشؤون الاجتماعية على الجمعيات، مشيراً إلى ان الجمعيات الأهلية ترحب بالمعايير، ليعتبر انها «غير كافية إذا لم يُبذل جهد من قبل «الشؤون» نفسها، وزيادة مخصصاتها التي تبقى غير كافية حتى الآن».
ورأى عسيران ضرورة تجربة إمكانية تطبيق المعايير، مشيراً إلى انه «ليس هناك أي شيء على صعيد بناء قدرات المؤسسات، فعندما يطلب من المؤسسات أن تؤمن اتصالات تتماشى مع التكنولوجيا، فكيف لها ذلك من دون دعم ومن دون قدرة على توظيف كوادر جديدة ضرورية في تطبيق المعايير الجديدة؟».
واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال سليم الصايغ في حفل إطلاق المعايير امس، أن الخطوة جاءت «حرصاً على ضمان جودة الخدمات الاجتماعية من جهة، وتطوير أداء الوزارة والجمعيات والهيئات الأهلية المتعاقدة معها من جهة أخرى، وفقاً لأرقى المعايير العالمية المرتكزة على مفاهيم ومبادئ الحوكمة التنظيمية الرشيدة، واحترام حقوق الانسان وسيادة القانون، والصداقة مع البيئة، وممارسات التشغيل العادلة، وإشراك وتنمية المجتمع، المساءلة، الشفافية»، مؤكداً ان المعايير قد وضعت بالشراكة ما بين الجمعيات والوزارة.
وبعدما أشار إلى انه «تمت موافقة المعايير العالمية مع واقعنا اللبناني وبمفاهيم الشفافية والمساءلة والعدالة الاجتماعية»، أشار إلى أن «الوزارة أرادت للمعايير العامة التركيز على المعايير المرتبطة بالسياسات والممارسات القيادية، وبالرأسمال البشري وبالموارد المالية، وبالبنية التحتية وبيئة العمل، وبإنجاز الخدمات الاجتماعية وبتوصيلها إلى الفئات المستهدفة، وبقياس جودة الأداء، وجمع البيانات والمعلومات، وإدارة التحسين المستمر».
حضر حفل إطلاق المعايير بالإضافة إلى عسيران والأب رعد، رئيس «مؤسسة التميز للتعلم والريادة» التي أعدت المعايير طعان شعيب، ومنسقة التنمية البشرية وبرامج الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي حنين السيد، والأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة إيلي مخايل، ومهتمون.(السفير 8 شباط2011)