أطلق وزير العمل بطرس حرب، في مؤتمر صحافي عقده في مقر مجلس الوزراء في بدارو، مشروع قانون العمل الجديد متضمنا أهم التعديلات التي أدخلت إليه، وقد أتى هذا المشروع نتاج أشهر من جهود لجنة متخصصة من قضاة ومحامين ودكاترة في القانون وخبراء في القانون الإداري. حضر المؤتمر المدير لعام للوزارة بالإنابة عبد الله رزوق وكبار موظفي الوزارة والقضاة والمستشارون الذين شاركوا في إعداده.
وقال الوزير حرب: "نتيجة الجهود التي بذلها أصحاب المعالي وزراء العمل الذين توالوا على وزارة العمل منذ سنة 2001 حتى تاريخه، وجهود اللجان التي قاموا بتشكيلها، وضمت أطراف الإنتاج الثلاث، تم وضع مشروع لقانون جديد للعمل. عندما توليت وزارة العمل في تشرين الثاني 2009، قمت بإحالة المشروع، كما وضع، إلى مجلس الوزراء لمناقشته وإقراره. إلا أنني، وبعد دراسة هذا المشروع، إكتشفت وجود ثغرات عديدة في مضمونه وتبويبه وصياغته القانونية، ما دفعني إلى الطلب إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تجميد المشروع المرسل بانتظار إدخال التعديلات الضرورية عليه. شكلت لجنة، ضمت قضاة وخبراء وبعض الموظفين من وزارة العمل، لإعادة النظر بالصياغة في ضوء الملاحظات التي أبداها كل من الإتحاد العمالي العام والهيئات الإقتصادية وأصحاب العمل. وبعد جلسات طويلة برئاستي وضعت اللجنة مشروعا جديدا يتميز بالآتي:
أولا: لجهة الأهداف: 1 - توحيد التشريع في قضايا العمل، بحيث تم جمع كل القواعد القانونية للعمل والعلاقات العمالية في قانون موحد ومتكامل، باستثناء الضمان الإجتماعي. 2 - تحديث وتطوير قانون العمل بما يتناسب مع الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، ومع أحكام إتفاقيات العمل الدولية والعربية المبرمة من قبل لبنان، والمبادىء التي تضمنتها الإتفاقيات الأساسية وبعض توصيات منظمة العمل الدولية والعربية التي لم يحصل التصديق عليها بعد. 3 - الأخذ بإجتهادات مجالس العمل التحكيمية التي حسمت بعض المسائل التي كانت مدار خلاف، وتوضيح النصوص المتعلقة بها تسهيلا للعلاقات العمالية وتوحيدا للفقه والإجتهاد ولعمل المحاكم. 4 - تكريس إلغاء كل عناصر التمييز بين الرجل والمرأة، إلتزاما بأحكام الإتفاقيات الدولية والعربية المتعلقة بهذا الموضوع. 5 - تكريس التعاون والتشاور بين أطراف الإنتاج الثلاثة، عبر الإبقاء على مجالس العمل التحكيمية، واللجنة التحكيمية، ولجنة مؤشر الغلاء، وكل ما من شأنه أن يساعد في المحافظة على التوازن بين مصالح أصحاب العمل ومصالح الأجراء، وأن يعزز الإنتاج ويحرك العجلة الإقتصادية ويرسخ العدالة. 6 - إزالة كل ما من شأنه أن يؤدي إلى نشوء إلتباس في معرض تفسير القانون وتطبيقه، عبر القيام بصياغة واضحة للتعريفات والمبادىء وسائر الأحكام القانونية. 7 - الأخذ بتجربة وزارة العمل، وخاصة جهاز التفتيش فيها، من خلال التقارير والدراسات والشكاوى التي رفعت إليها.
ثانيا: لجهة الأحكام التي تطرق إليها مشروع القانون:
أ- في باب علاقات العمل الفردية:
1 - كرس المشروع مبدأ عدم إلتزام الأجير بتقديم عمله لمصلحة صاحب العمل إلا برضاه، وأصبح العامل يتمتع بحماية كافية تجاه أي نوع من أنواع التمييز، بسبب العرق، أو اللون، أو الدين، أو الجنس، أو الرأي السياسي، أو الأصل الوطني، أو الاصل الإجتماعي. 2 - أضيفت أحكام جديدة تتعلق بالعمل بدوام جزئي وتنظيمه. 3 - أصبح الأجير المتدرب يستفيد من إجازة تدريبية مدفوعة الأجر. 4 - في استخدام أو عمل الأحداث: أدخلت عدة تعديلات جريئة ومتطورة على النصوص القانونية التي ترعى الأحداث، لتصب في خانة حماية حقوق الأحداث وصحتهم وسلامتهم في العمل، وفقا لمعايير العمل الدولية والعربية، فحددت السن الأدنى التي يسمح فيها تشغيل الأحداث بوجه عام، كما حددت عدد ساعات العمل القصوى المسموح بها، وفرضت الفحوص الطبية الإلزامية وفترات الراحة والإجازات والأجر المتناسب مع ساعات العمل، كما تم تحديد الصناعات والمهل التي يمنع تشغيل الأحداث فيها، أو التي يجوز تشغيلهم فيها ضمن شروط محددة حصرا، كما حظر مشروع القانون أسوأ أشكال عمل الأطفال والأحداث بهدف القضاء عليها. 5 - في استخدام النساء: إنطلاقا من مبدأ المساواة بين الجنسين، أكدت التعديلات مبدأ عدم التمييز، أو التفريق في العمل الواحد، بسبب الجنس، وقد رفع مشروع القانون إجازة الأمومة إلى عشرة أسابيع، كما منع النساء من العودة إلى العمل قبل انقضاء خمسين يوما على تاريخ الولادة، كما سمح للمرأة المرضع بفترة أو فترات للرضاعة يبلغ مجموعها ساعة واحدة يوميا، واعتبرت من أوقات العمل الفعلي. 6 - في التدريب المهني: نظم مشروع قانون العمل عقد التدريب وجعله عقدا خطيا، واعتبر أن المتدرب هو الأجير الذي لا يزال في طور الإعداد ولم يكتسب في عمله خبرة الأجير الأصيل. 7 - في الأجر: يطبق الحد الأدنى الرسمي للأجور على جميع الأجراء، ذكورا وإناثا، الذين بلغوا من العمر الثامنة عشرة ويعملون فعليا في المؤسسة وبدوام كامل، ويطبق مبدأ المساواة في الأجر، دون التمييز بين النساء والرجال، عن كل عمل ذي قيمة متساوية، كما يحظر على أصحاب العمل تقييد حرية الأجير في التصرف بأجره بأي شكل من الأشكال، واعتبر الأجور من الديون الممتازة التي تتمتع بأعلى درجات الإمتياز على ما عداها من ديون الدولة والنفقات القضائية والتأمينات الجبرية.... 8 - في تنظيم العمل وتنفيذ عقد العمل تضمنت الأنظمة الداخلية للمؤسسات أحكاما وقواعد إلزامية تهدف إلى حماية الأجراء، وتحسين أوضاعهم، ومنحهم عطاءات لم تكن ملحوظة في القوانين السابقة، كما تتضمن أحكاما إختيارية. الأحكام الإلزامية تتعلق بحسن سير العمل وبفترات الراحة والإجازات وغيرها ولها طابع إداري... والأحكام الإختيارية تتعلق بتحديد ملاك مختلف الأجراء في المؤسسة، وسلسلة رتبهم ورواتبهم وبالعقوبات المختلفة التي يمكن إنزالها بالأجير والتي يمكن أن تكون ذات طابع معنوي أو مالي أو مهني.
9 - في ساعات العمل والإجازات: حددت ساعات العمل بثماني ساعات في اليوم، وثمان وأربعين ساعة في الأسبوع. كما حدد الحد الأقصى للعمل الإضافي، وتقرر منح الأجراء فترات راحة تعويضية عن عملهم خلال الراحة الأسبوعية، كما أضيفت للمرة الأولى الإجازات الآتية: إجازة زواج - إجازة أبوة، و إجازة الوفاة للأقرباء حتى الدرجة الرابعة، وربطت مدة الإجازة السنوية بأقدمية عمل الأجير في المؤسسة، بحيث أنها تزيد مع سنوات الخدمة.
10 - في انتهاء عقد العمل: أقر مشروع القانون القواعد الجديدة الآتية والمتعلقة بانتهاء خدمة الأجير: 1-لا يجوز تمديد أو تجديد فترة التجربة لأكثر من مرة واحدة عند صاحب عمل واحد. 2- يتوقف صرف أعضاء مجالس النقابات منذ تأسيسها وطيلة مدة ولايتهم على مراجعة مجلس العمل التحكيمي. 3- فرضت قيود إضافية على حرية صاحب العمل بصرف الأجراء إذا اقتضتها قوة قاهرة أو ظروف إقتصادية أو فنية.
ب- في باب السلامة المهنية وطوارىء العمل: كرس المشروع المحافظة على صحة الأجراء والأحداث والمتدربين وسلامتهم، ووقايتهم من أخطار العمل، بهدف حماية العمال وتحسين بيئة العمل وجعل محيطهم أكثر إنسانية وملاءمة للقدرات البشرية.
وقد تضمن هذا الباب وقاية الأجراء وسلامتهم، وأقر للمرة الأولى في مشروع القانون، الأمراض المهنية، وأعيد النظر في قيمة تعويضات طوارىء العمل لكي تتناسب مع حقيقة الأضرار والأعطال اللاحقة بالعمال، وأعطي الحق لورثة الأجير الأجنبي، المقيمين خارج الأراضي اللبنانية بالتعويضات المنصوص عليها في هذا القانون، وأصبح التصريح عن طوارىء العمل يقدم إلى وزارة العمل وليس إلى مجلس العمل التحكيمي المختص.
ج- في باب النقابات والإتحادات: لقد كرس المشروع الحرية النقابية، واعتمد تصنيف النقابات والإتحادات على أساس قطاعي، وليس على فئات كما يتضمن القانون الحالي، كما حدد المشروع دور السلطات العامة، ووزارة العمل، في شؤون النقابات، فأعطي وزير العمل صلاحية الترخيص والرفض، الذي يجب أن يكون معللا، كما حدد مهلة لاتخاذ القرار من تاريخ تقديم الطلب، كما نظم مشروع القانون تبليغ الدعوات إلى الجمعيات العمومية، وجعلها خطية تحت طائلة البطلان، وتفاديا للإشكالات التي تعاني منها النقابات والإتحادات حاليا.
د- في باب علاقات العمل الجماعية: لقد تطرق هذا الباب إلى المفاوضة الجماعية، وطبيعة عقد العمل الجماعي، وصحته، وكيفية توسيع عقود العمل الجماعية، وكذلك تنفيذ هذا العقد.
ه- في باب حل نزاعات العمل: من أهم التعديلات التي أدخلت على حل نزاعات العمل والتي قسمت إلى نوعين: - نزاعات العمل الفردية. - نزاعات العمل الجماعية. 1- في حل نزاعات العمل الفردية: أصبح من حق كل أجير، أو صاحب عمل، التقدم بشكوى إلى وزارة العمل لتسوية النزاع وديا، وتقوم الوزارة بدور الوسيط. وتم تحديد مواصفات شخص الوسيط، ومدة الوساطة الفردية، كما فرض تسجيل ما تم الإتفاق عليه بموجب محضر، سواء أكان الإتفاق كليا أو جزئيا، وسمح للفريق المتضرر مراجعة القضاء المختص في حال فشل الوساطة كليا أو جزئيا. كما تم الابقاء على مجالس العمل التحكيمية، وأجاز إنشاء مجالس عمل تحكيمية حيث تدعو الحاجة، وليس في مراكز المحافظات سهل على المتنازعين الإنتقال إليها. كما تم التأكيد على التمثيل الثلاثي لأطراف الإنتاج في تشكيلة هذه المجالس.
2- في حل نزاعات العمل الجماعية: من أهم التعديلات:
- فرض على الوسيط أن يتأكد من أن النزاع هو نزاع عمل جماعي، وفقا للقانون، قبل أن يوجه إلى فرقاء النزاع دعوة للإجتماع. - أعطي للوسيط مهلة شهر واحد (بدلا من 15 يوما) لإنهاء الوساطة. - خفض عدد أيام التوقف الشرعي عن العمل من 15 يوما إلى 5 أيام. وأكد هذا التعديل على حق الإضراب من جهة، وضرورة عدم تماديه من جهة أخرى باعتباره يضر بالإنتاج، فالإضراب سلاح ذو حدين إذ أنه حق ديمقراطي، إذا استعمل سلميا من جهة، وهو مخالف للقانون، إذا ما أسيء إستعماله وأدى إلى أضرار وانحرف نحو التخريب والفوضى، من جهة ثانية.
و- الرقابة الإدارية على التقيد بتشريعات العمل: أدخلت إلى صلب قانون العمل للمرة الأولى، أحكام حديثة تتعلق بتفتيش العمل في المؤسسات الصناعية والتجارية.
وأكد الوزير حرب "أن تحديث قانون العمل عبر مشروع القانون المقدم، جاء أكثر إئتلافا وإنسجاما مع أحكام إتفاقيات العمل الدولية والعربية المبرمة، وأكثر مواكبة للمتغيرات الإقتصادية والإجتماعية التي شهدها ويشهدها العالم حاليا، ويأتي أكثر عدالة وإنصافا لطرفي الإنتاج، ويفي بموجبات لبنان تجاه إلتزاماته الدولية والعربية، آملين أن يأخذ مجراه القانوني حتى صدوره وفقا للأصول. مع الإشارة إلى أننا سنوقعه ونحيله إلى مجلس شورى الدولة ونرفعه إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لمناقشته من قبل هذا المجلس ثم إحالته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره نهائيا بالسرعة المطلوبة".
حوار ثم دار حوار أجاب فيه الوزير حرب على أسئلة الصحافيين، وقال ردا على سؤال في ما إذا حل وزير جديد مكانه ووضع هذا القانون جانبا ماذا سيكون الموقف: "أعتبر ان الحكم استمرار، وهذا العمل ليس فرديا بل نتيجة جهد لوزراء سابقين، وأنا قمت بواجبي من خلال إعداد مشروع متكامل بقدر أقل من الثغرات". وأضاف: "إن أي وزير سيأتي من بعدي سيكون محكوما بأمرين: الأول أن الحكم استمرارية والثاني هو حفظ حق العامل. وأعتقد أن أي وزير جديد سيتعاطى مع هذا الموضوع بشكل إيجابي، وأني سأترك لدى خلفي ودائع كثيرة، وسيكون له مطلق الصلاحية في اتخاذ القرار في شأن كل منها، وهي مشاريع قوانين منها حول عمل خادمات المنازل وهذا المشروع وسواهما. أما إذا جاء وزير جديد وقرر عدم السير بهذه المشاريع القوانين، فيمكنني ساعتئذ التقدم بها كنائب أمام مجلس النواب".(السفير 12 شباط2011)