لم تعد معاناة مرضى السرطان تقتصر على ارتفاع كلفة العلاج في ظل عدم قدرتهم على تلبية الحدّ الأدنى منها؛ فهم باتوا خاضعين أيضاً لاحتكار التجّار، أي المستشفيات التي تستغلّ المرضى لتفرض أسعاراً باهظة بلا أي ضوابط. صورة الـ«Pet Scan» نموذج بارز.
فمنذ فترة غير بعيدة، دخلت إلى لبنان آلة تصوير جديدة تسمى «Pet Scan»، وهي مخصصة لإجراء صور دقيقة وحساسة، تُعرف بالصور التشخيصية، التي تحسّن قدرة الطبيب على وصف العلاج لمرضى السرطان.
وتبيّن أن 3 مستشفيات خاصة استوردت هذه الآلة وبدأت تشغيلها بأسعار باهظة تصل إلى 1800 دولار للصورة الواحدة. وبسبب طبيعة هذه الصورة، وآمال المرضى بمساعدتهم على التحسّن، شهدت الآلة طلباً غير مسبوق، علماً بأنه بات معروفاً أن بعض الأطباء، ولا سيما الذين يعملون في المستشفيات، يطلبون من المرضى القيام بأنواع مختلفة من الصور، لا لحاجة طبية، بل لأسباب تتعلق بحصولهم على نسبة من الفاتورة المسدّدة.
دور وزارة الصحة
مهما تكن الحال، فإن الصناديق الضامنة لم تكن تعترف بهذه الآلة، ولم تضعها في إطار لوائحها، وبالتالي فإنها لم تكن تغطّي كلفة الصورة، وبات على المريض سداد الثمن من جيبه الخاص، فيما تبيّن لوزارة الصحة أن المستشفيات التي استوردت آلة «Pet Scan»، هي: مستشفى جبل لبنان، مركز كليمنصو الطبي، ومستشفى بصاليم.
راوحت كلفة الصورة الواحدة بواسطة هذه الآلة، بين 1200 و1800 دولار، وقد استمرّ هذا المستوى من الأسعار لفترة غير قصيرة، فيما اقتصر تدخّل وزارة الصحة على التوسّط للمرضى مع أصحاب المستشفيات لتخفيف بعض الكلفة، إلا أن هذا الأمر لم يؤدّ إلا إلى خفض بقيمة 100 دولار أو 200 دولار في أحسن الأحوال.
إزاء هذا الواقع وارتفاع الطلب على استعمال هذه الآلة، لم يكن أمام الوزير محمد خليفة سوى شراء آلة «Pet Scan» من خلال مشروع تنفّذه وزارة الصحة مع جهات كويتية في مستشفى النبطية الحكومي. بدأ تشغيل الآلة، وتوزّعت كلفة الصورة الواحدة بين وزارة الصحة العامة والمريض، ليدفع الأخير نحو 630 ألف ليرة، علماً بأن بعض العاملين في المستشفى يؤكدون أنه يمكن إجراء خفوضات تصل إلى 450 ألف ليرة بحسب الحالات الاجتماعية.
سبب ارتفاع السعر
يمكن تفسير هذا الارتفاع في السعر، بحسب خبراء ومسؤولين في القطاع الصحّي، انطلاقاً من 3 عناصر: الاحتكار الذي تمارسه المستشفيات الخاصة، عدم وجود تغطية من الصناديق الضامنة، وعشوائية الصحّة في لبنان.
بالنسبة إلى العنصر الأول، فلا شكّ في أنه ليست هناك منافسة في القطاع الاستشفائي؛ إذ إن الكارتيل المعروف بـ«أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان»، يفرض أسعاره على زبائنه إما مباشرة، أي بالضغط على الجهات الرسمية، فيحصل على مبتغاه بالوسائل الرسمية، أو بالطرق غير المشروعة، أي بالضغط على المرضى لسداد أكلاف أعمال طبية من جيبهم الخاص، حتى لو كان لديهم تغطية من صندوق الضمان أو وزارة الصحة أو تعاونية موظفي الدولة.
يتصل العنصر الثاني بمصالح المستشفيات وأطماعها في تحقيق أرباح سريعة كأي مؤسسة تجارية. ما دامت صور الـ«Pet Scan» غير مغطاة من الصناديق الضامنة. فالمستشفيات قادرة على التحكم بأسعارها بحرية، وهو أمر لا تملك التحكّم فيه في حال التعاقد مع الصناديق؛ إذ إن الأسعار تكون محور تفاوض بين المستشفيات والصندوق الضامن وفقاً لدراسة علمية وتقنية يجريها الصندوق لما يُفترض أن يكون «الكلفة العادلة».
في هذا الإطار، تؤكد مصادر طبية أن المستشفيات الخاصة الثلاثة التي تملك الآلة المذكورة، تقدّمت أخيراً إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي لتحصل على موافقة على تغطية هذه الصور، لكنها تطلب تسعير الصورة الواحدة بنحو 1100 دولار، مشيرة إلى أن ثمن الآلة يبلغ مليوني دولار. ويدّعي أحد المستشفيات أنه يشتري المواد المستعملة في الصورة من مختبر بلغت كلفة إنشائه مليون دولار... إلا أن العناصر الفعلية التي تحسم الكلفة، هي الآتي: ثمن الآلة وعائد الاستثمار، قدرتها الاستهلاكية (عدد المرضى يومياً، وحجم الزبائن المتوقع)، عمرها الافتراضي، المساحة المطلوبة في المبنى، فريق العمل الطبي، كلفة المواد المستعملة، كلفة الكهرباء، الصيانة...
أما العنصر الثالث، فيتعلق بوجود فوضى صحية في لبنان، إذ بإمكان أي مستشفى أن يقوم بما يريد، بالطرق المشروعة وغيرها، والسبب أنه ليست هناك معايير واضحة لتوزيع الأعمال الصحية في لبنان؛ فهذه المستشفيات الثلاثة، على سبيل المثال، اشترت الآلة، وبدأت بتشغيلها بكل سهولة، فمن يحدّد إذا كان هذا المستشفى قادراً على تشغيلها أو أن موقعه الجغرافي هو الأفضل، وهل يجب أن تكون آلة التصوير هذه موجودة في كل مستشفى، أم في مستشفيات معيّنة فقط، بحسب التخصص والموقع؟
فوضى عامة
وهذه الفوضى لا تنطبق على آلة «Pet Scan» والآلات الأخرى، بل على عدد كبير من الأعمال الطبية في المستشفيات، فعلى سبيل المثال، إن الأقسام المتخصصة في المستشفيات الخاصة موجودة بصورة عشوائية، وكل مستشفى يرخّص له بسهولة فتح قسم جديد، لا بل إن مسؤولين في القطاع يؤكدون أن بعضهم يدفع رشى للحصول على مثل هذا الترخيص الذي تحوّل إلى مورد مالي لبعض الموظفين.
وبحسب وزير الصحة محمد جواد خليفة، فإن العمل يتركّز حالياً على فتح مجال التخصص؛ فعلى سبيل المثال أيضاً، ستفتتح الوزارة مستشفى حكومياً مخصصاً لحالات معينة مصابة بالسرطان، وقد تكون هناك حاجة إلى تحديد وظيفة كل مستشفى ودوره في بعض أنواع العمليات الجراحية، وبعض الاختصاصات الأخرى.(الأخبار25 شباط2011)