لم يقف الغلاء عند حدّ. لم يعد يقتصر على ما كان بالأمس كماليات. بات يطال كل ما هو أساسي في حياة اللبنانيين. من الرغيف والمواد الغذائية ثم الصحة، وصولاً إلى التعليم. قد يحسب لجودة التعليم الخاص في لبنان سبب في ارتفاع تكلفته. لكن هذه التكلفة راحت تأخذ مع الوقت منحى تصاعدياً، الأمر الذي يضع عدداً من الطلاب أمام أزمة تأمين المال لسداد الأقساط المتوجبة عليهم. وذلك بالطبع تحت طائلة حرمانهم من متابعة سنتهم الدراسية.
قد يواجَه هؤلاء للطلاب بالسؤال البديهي: لماذا لم تختاروا الطريق الأقل كلفة، فتابعتم دراستكم الجامعية في الجامعة اللبنانية؟ فيما قد تتنوع إجاباتهم وتفسيراتهم، يبقى السؤال الأكثر صوابية للطرح هو التالي: لماذا على قطاع التعليم الخاص إن يتحول إلى ما يشبه مرآة للمجتمع اللبناني؟ مرآة تعكس الواقع المعيشي للفرد، بحيث يضحي التعليم الخاص حكراً على الأغنياء مقابل فقراء لا بديل لهم عن الجامعة اللبنانية، وهي التي لم تسلم أيضاً من زيادات على رسمَي الدخول والضمان في بعض الكليات؟
تتراوح تكلفة العام الدراسي في جامعة البلمند مثلا بين 9 آلاف و14 ألف دولار أميركي. فرنسوا الذي لم يكمل بعد سنته الدراسية الثانية لم يستطع تسديد كل قسط في موعده «لعدم تمكني من الحصول على المبلغ الكافي في الوقت المحدد لدفع كل قسط»، وعليه فهو «بصدد الحصول على قرض تعليمي للتخلص من هذه المشكلة». لا تشذّ كل من الجامعة اللبنانية الأميركية، الجامعة العربية، جامعة سيدة اللويزة، الجامعة الأميركية في بيروت، عن البلمند. فهي تشترك في مستوى أقساطها المرتفعة، وأيضاً في تجاهلها لما يمكن أن يسمى «اعتراضاً» من الطلاب غير القادرين على مجاراة الزيادات المتتالية. طوني الذي يدفع خمسة ملايين ونصف مليون ليرة كلّ فصل يعترف بأنه كما الكثير من أقرانه «ضمن عدد كبير من الطلاب الذين نواجه صعوبة بالغة في دفع الأقساط». ورغم أن هذا الوضع لا ينطبق على كل من يرتادون الجامعات الخاصة، فإن بعض الطلاب يفضلون لو يتم إعداد نظام تقسيط مريح غير هذا الذين يعرفونه. هذا ما أفصحت عنه جنان الطالبة في كلية الصيدلة في جامعة بيروت العربية، بقولها «رغم أني انتمي إلى طبقة ميسورة مادياً فإني أفضل أن أوفي ما يتوجب عليّ للجامعة عبر دفعات مريحة».
لكن ماذا عن المساعدات المالية؟ جميع الجامعات المذكورة تقدم ما يعرف بالمساعدة الدراسية، لكنها في اغلب الأحيان ليست ذات منفعة تذكر قياساً إلى المبلغ الإجمالي للقسط. تتفق جنان وزميلتها رشا أن بالإمكان الاعتبار أن الجامعة لا تقدم مساعدة دراسية فعلية، فرشا حصلت على مساعدة أقصاها 20% من أصل مبلغ 10 آلاف دولار. ويضاف إلى هذه المساعدة بعض الشروط، ففي الجامعة اللبنانية الأميركية مثلا، تقول سارة: «يشترط بالطالب تقديم تقرير مفصل عن الوضع المالي للعائلة قبل إعطائه أي منحة وعند حصوله عليها فهو ملزم بالعمل داخل حرم الجامعة».
يدرس خليل الماجستير مجاناً في الجامعة الأميركية في بيروت لقاء عمله فيها. يشترك والكثير ممن يدرسون الماجستير الحالة الاجتماعية المتواضعة. شارك في الاعتصام الشهير الذي قام به الطلاب في العام الماضي إثر اعتزام الإدارة رفع قيمة الأقساط.
أجلّت الجامعة النقاش في الموضوع. لكنها عاودت طرح هذه الزيادة بقيمة 3 آلاف دولار. لن يتوقف الأمر عند هذا الحد. إذ علاوة على ما ذكر فإن المساعدة الدراسية التي تتراوح ما بين 30 و40% سوف تمنح على شكل قروض للطلبة. فهل سيتحرك طلاب الأميركية هذا العام أيضاً ضد قرار زيادة الأقساط؟ «الأحزاب كلها تتاجر بهذا الموضوع. فحركة أمل التي كانت جزءاً مهماً من التظاهرات العام الماضي أصبحت اليوم بعد حصولها على رئاسة مجلس الطلبة من الموافقين على تطبيق الزيادة. أما اليسار فنائم والحمد لله»، يقول خليل.
لا تختلف الحال كثيراً في البلمند. ففرنسوا لم يعرف احتجاجاً غير ذاك الذي» قاموا به من أجل احتساب مقرر اللغة الإنكليزية على أساس ثابت (تكلفة ثابتة) لا تبعاً لاختصاص كل طالب؛ لأن طريقة الاحتساب المتبّعة حالياً تشكل ظلماً بحق الطلاب. مع الأسف، لم تستجب الإدارة لهذا التحرك واكتفت بالتزام الصمت».
يعترف فرنسوا واستناداً إلى فكرة أن جزءا مهما من الطلاب لا يعيش هاجس رفع الأقساط ليسر حاله، فإنه لا يتوقع أي بوادر لتحرك مستقبلي داعم. كذلك الأمر بالنسبة لكل من جنان وسارة ورشا.
أما طوني الطالب في جامعة سيدة اللويزة فيقول: «التحرك الوحيد الذي حصل كان في العام 2009 وذلك قبل فترة الانتخابات الطلابية بثلاثة أسابيع، وأتى التحرك على خلفية سياسية ولوحظ أن جهة استخدمت التحرك قبل الانتخابات للهجوم على الهيئة الموجودة في 2008 وما لبثت أن أنهت الحديث عنه بعد الانتخابات مباشرة. حيث شعرنا نحن الطلبة بأنها عملية لمكاسب سياسية وقد أدى هذا الشعور إلى انقسام سياسي»، ويستنتج بأن تخفيض الأقساط يتطلب إجماعا طلابيا والتزاما كاملا بهذا المطلب. وأي مجموعة طالبية لن تجرؤ على التحرك إذ إنها لن تنجح منفردة، لانعدام الثقة بينها وبين المجموعات الأخرى. فجميع المجموعات سياسية وتعود إلى قيادتها قبل أي تحرك، كما يقول.(الأخبار30آذار2011)