عند الساعة السابعة والنصف من صباح أمس اعتصم موظفو مستشفى رفيق الحريري الجامعي في الباحة الداخلية للمستشفى. الاعتصام يأتي احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم كاملة للشهر الفائت، الأمر المرشح للتكرار هذا الشهر أيضاً، بحسب ما أبلغت إدارة المستشفى عدداً من المعتصمين.
الاعتصام ليس الأول من نوعه بطبيعة الحال. إذ سبق للموظفين أن نفذوا اعتصاماً مماثلاً قبل أشهر، حيث استجابت إدارة المستشفى وقتها للمطالب، ووفرت بالتعاون مع وزارة الصحة الاعتمادات الضرورية لدفع القيمة الإجمالية للرواتب. بيد أنه سرعان ما تبين أن المشكلة عصية على الحل. وعادت الخلافات من جديد. وقامت مفاوضات «ماراتونية» بين الموظفين، وعلى رأس هؤلاء الكادر التمريضي الذي يقارب تعداده الـ500 ممرض، وبين الإدارة ممثلة برئيس مجلس إدارتها د. وسيم الوزان. إلا أن وجع هؤلاء، لم يلق صدى لدى الإدارة، ولا حتى لدى وزارة الصحة التي يقع المستشفى تحت نطاق صلاحياتها، ويعتبر من ابرز المرافق العامة التابعة لها، وذا الأهمية الحيوية لذوي الدخلين المتوسط والمحدود. أما نقابة الممرضين، فبعدما قطعت النقيبة وعداً للممرضين، بالتدخل لدى إدارة المستشفى ابتغاء المساهمة في توفير حلول للمشكلة، مشترطة تراجع الممرضين عن تنفيذ الاعتصام الذي كان مقرراً الأسبوع الفائت، تبين أن النقيبة لم تلعب أي دور ايجابي في المسألة. هي اكتفت، وفق أحد الممرضين، بما قالته لفظاً ومن دون الدخول في أي مسعى عملي. حتى إن مندوب النقابة لم يشارك في الاعتصام معلّلاً خياره بالقول «لا دخل لي». للعلم، هو أيضاً لم يقبض راتبه بعد.
لذا، وبعد تكاثر «الوعود الزائفة» التي كيلت للموظفين قرر هؤلاء أكثر من مرة التراجع عن إضرابات واعتصامات كانوا أعدوا العدة لها. لكن هذه المرة «طفح الكيل وما عاد بمقدورنا التحمل أكثر مما تحملنا حتى الآن»، يقول أحد الموظفين لـ«السفير».
وقد حاول الممرضون، في بادرة تنم عن حرص على المستشفى والمرضى في آن، عدم تعطيل نظام العمل الطبيعي داخل كل الأقسام في المستشفى أثناء الاعتصام. إذ اُنتدبَ ممثل عن كل طابق ليشارك في الاعتصام، بما يتيح انصراف الآخرين إلى مرضاهم، المسؤولين بحكم وظيفتهم عن ايلاء الأهمية التامة لهم وتلبية حاجاتهم كافة. أي أن أي تقصير بحق المرضى لم يحصل، يشدد الممرض من جديد، لافتاً إلى الالتزام التام بميثاق الشرف الطبي لهذه الناحية.
ويستطرد في وصف ما حصل على النحو الآتي. بادئ ذي بدء، تجمع عدد من الموظفين في باحة المستشفى، وراحوا يهتفون مطالبين الإدارة بدفع رواتبهم، وبالكشف عن الأسباب المانعة لدفعها حتى الآن. وطالب هؤلاء، كذلك الأمر، بخروج الوزان إلى الباحة حيث يفترشون الأرض ليتفاوض وإياهم. بيد أن الوزان رفض الإذعان بادئ الأمر. لكنه سرعان ما تراجع. وأرسل «مبعوثاً رسمياً» ليبلغ المعتصمين برغبته في الاجتماع معهم في قاعة المحاضرات. وهو ما رفضه المعتصمون أيضاً، مطالبين بأن يكون الحديث «على المكشوف» و«أمام جميع المتضررين من المسألة»، على ما يوضح الممرض. وبعد جولات من «الشد والجذب» تراجع الوزان عن موقفه راضخاً من جديد لمواقف المعتصمين. وقف أمامهم في الباحة وسألهم، كما لو انه لا يعلم، علام يعتصمون.
ردّ المعتصمون بالسؤال عن رواتبهم وعن الأسباب الموجبة التي حالت دون دفعها لهم في وقتها، ودفعة واحدة لا كما هو جار راهناً على دفعات. وسألوا عن الجهات الرسمية المسؤولة والمقصرة بحق موظفي أحد أكبر وأبرز المرافق العامة في البلد. رفض الوزان تحميل وزيرة المال ريا الحسن المسؤولية. كما رفض تحميل وزير الصحة محمد جواد خليفة المسؤولية أيضاً. وفيما رفض رفضاً تاماً حشره في موقع التبرير، قال «أنا شخص مسؤول، ولست ممن يلقي المسؤولية على سواه، وحدي أنا من يتحمل المسؤولية». وسأل «لا أفهم لماذا تعتصمون ألم تقبضوا من البنوك بعد؟». ولمّا رفع البعض صوته مستهجناً هذا الكلام، ومؤكداً أن «ليس كل الموظفين وقعوا عقوداً مع المصارف»، أعلن الوزان حلّه السحري وبالفم الملآن «من وقع مع البنوك لن يقبض راتبه الآن، الأولوية لمن لم يوقع». وأشار أخيراً إلى أن من لم يوقعوا سيتقاضون رواتبهم «خلال أسبوع من الآن». ثم حزم أمره ورحل. فمن أين أتى الوزان برواتب هؤلاء؟، يتساءل الموظف الفطن ذاته ببراءة طفل ما زال يدبدب.
واقع الحال أن إدارة المستشفى تحمّلت مسؤوليتها بجرأة قل نظيرها، بيد أن الموظفين لم يفهموا شيئاً عدا ذلك بعد أكثر من ساعة من الكلام. «متى تدفع رواتبنا؟» ذاك هو السؤال الذي ما زال يؤرق الجميع!(السفير1آذار2011)