دراسة نفسية لـ«أطباء بلا حدود» عن أهالي مخيم «البرج»: ثلث المرضى يعانون من الاكتئاب نتيجة الظروف المعيشية

انتقل حكيم وهو رجل لبناني، من أصل فلسطيني، الى العيش في مخيم برج البراجنة قبل ثلاث سنوات ونصف السنة.
وكان حكيم قد حصل على الجنسية اللبنانية في العام 1948، ما سمح له بعيش حياة كريمة مع زوجته وابنتيهما. إلا أنه اضطرّ الى الانتقال إلى المخيم بعدما تدهورت أوضاعه المالية وخسر عمله، وانفصل عن زوجته، وهي عوامل سببت له اضطرابات نفسية، خصوصا أنه يعيل ابنتيه اللتين تعيشان معه، وعليه توفير مصاريف العيش والمدرسة لهما.
وخلال زيارة حكيم لإحدى عيادات «الأنروا»، تعرّف على منظمة «أطباء بلا حدود» عن طريق الصدفة. كان أفراد المنظمة هناك يوزعون نشرات حول اضطرابات الصحة النفسية وأعراضها، ودعا أحدهم حكيم الى زيارة المركز. لبّى الأخير الدعوة وقصد المركز بحثاً عن حلّ لمشكلته، ليجد نفسه اليوم قد تخطّى المرحلة النفسية التي عاشها لفترة، بمساعدة المركز.
يمثل حكيم نموذجاً عن المرضى الذين تولت منظمة «أطباء بلا حدود» علاجهم ضمن البرنامج الصحي النفسي الذي أطلقته في مخيم برج البراجنة في العام 2008، ويطال الفلسطينيين واللبنانيين الذين يعيشون داخل المخيم. ومن المتوقع أن يختتم المشروع في آذار من العام المقبل.
ويُعتبر البرنامج وفق التقرير الذي أصدرته المنظمة، «الوحيد الذي يوفر استشارات طبية مجانية في مخيم اللاجئين والمناطق المجاورة له. كذلك، هو قائم على نهج مجتمعي إذ أنه يجمع بين رعاية الطب النفسي والعلاج النفسي والدعم الاجتماعي والمجتمعي لتعزيز الصحة النفسية الجيدة». ويوفّر فريق المنظمة الرعاية والدعم الاجتماعيين من خلال زيارته للمنازل وتقديم الاستشارات الطبية في الغرف والعيادة المخصصة لذلك.
العلاج لأكثر من ألف شخص
وعرضت المنظمة من خلال التقرير أبرز ما أنتجته في خلال السنوات الثلاث التي مضت، كما عرضت لمشكلات البنى التحتية في المخيّم، من انقطاع التيار الكهربائي والنقص في المياه وتعطّل أنظمة صرف المياه، بالإضافة الى خطورة الأسلاك الكهربائية المتشابكة على السكان، وتساهم جميعها في التأثير سلبيا على نفسية اللاجئ داخل المخيم.
وأشارت المنظمة خلال التقرير الى أنها «استطاعت حتى الساعة تقديم العلاج لأكثر من ألف شخص داخل المخيم. وقد قدم المعالجون والأطباء النفسيون ثمانية آلاف وثلاثاً وعشرين استشارة طبية ووفروا الرعاية الصحية النفسية لألف ومئة وستين مريضاً منذ بداية المشروع».
أما الهدف الرئيسي لدورات العلاج «فهو العودة للحياة الطبيعية»، كما يشير تقرير المنظمة. وتشرف المعالجة النفسية في المنظمة ريتا شهوان على جلسات المعالجة التي يتمّ خلالها رسم المشاكل على صخرة، واعتبرت المنظمة هذه الوسيلة «بمثابة عامل موجه انتقالي، يعمل كصلة بالمشاعر السلبية».
وتوقف التقرير عند الظروف المعيشية داخل المخيم، وعند حالات الاكتئاب الناتجة عنها، و«التي تصيب ثلث المرضى الذين تتم معاينتهم، بينما تعاني نسبة 22 في المئة من القلق، و14 في المئة من الذهان، وعشرة في المئة من الاضطرابات النفسية.
واعتبر رئيس بعثة منظمة أطباء بلا حدود في لبنان فابيو فورجيوني خلال التقرير أنه «برغم التحسن الطفيف المتعلق بتوفير فرص العمل منذ مرسوم قانون أصدره البرلمان اللبناني في السابع عشر من آب الماضي، إلا أن الأوضاع العامة التي يعيشيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان تبقى مزرية وبعيدة عن المعايير المقبولة».
من جهتها، تلفت المعالجة النفسية لدى المنظمة مريان عيد، انها «تتعامل في الغالب مع الأمهات اللواتي يبلغن ما بين ثلاثين وخمسين سنة، ويُقبلن لطلب الاستشارة الطبية لأسباب عدة، كآلام المعدة والرأس والوهن والنواح واضطرابات النوم ومسائل تخص العلاقات مع الأطفال والزوج والمشاكل المالية».
وتختتم المنظمة تقريرها بشهادة لأحد لاجئي المخيم وهو يقول: «عن أي حياة تتحدث؟ الكل يعرف هذه الحياة! فالأطفال في الشارع، دون عمل. غادرت فلسطين وأنا في سن الحادية عشرة. إن أشجار الزيتون في فلسطين هي مصدر كل الخير. أنا أملك مزرعة هناك ومازلت أحتفظ بسندات أرضي وحقولي. لقد كنت ثرياً. نحن نأمل بالعودة إلى فلسطين ولو حفاة...».(السفير3آذار2011)