تعتبر «منظمة الصحّة العالميّة» أنّ معدّل الولادات القيصرية يجب ألا يتجاوز نسبة خمسة عشر في المئة من مجمل الولادات في بلد معيّن، إلا أنها ترتفع في مختلف البلدان في العالم.
وفي لبنان، يسجّل معدّل الولادات القيصرية رقما مرتفعا يتجاوز بحسب رئيس «الجمعية اللبنانيّة للتوليد والأمراض النسائية» الدكتور فيصل القاق، نسبة أربعين في المئة من مجمل الولادات.
يعيد القاق ارتفاع تلك النسبة إلى أسباب عدّة غير علميّة أو طبيّة، تتعلّق بمصالح الطبيب الماديّة ورغبة بعض الحوامل في اللجوء إلى العمليّة القيصرية للمحافظة على رشاقة أجسادهن وحماية المهبل من الارتخاء أو التوسّع، كما ترتبط بعدم الالتزام الفعلي بالبروتوكولات العلميّة وآلية تطبيقها في المستشفيات.
تشكّل العمليّة القيصرية ضرورة طبيّة لإنقاذ المرأة الحامل والجنين في بعض الحالات التي تعرّض حياة الأم والجنين إلى الخطر أو الوفاة من دون أن يعني ذلك أنّ جميع العمليات القيصريّة يتمّ إجراؤها لدواع مثبتة علميّاً.
يؤكّد القاق أنّ العمليّة القيصريّة تعرّض الأم والطفل إلى أعباء صحيّة أكثر من تلك الناتجة من الولادة الطبيعيّة. فيمكن أن تواجه الأم مشاكل صحيّة تنتج من التخدير أو النزف والحاجة إلى الدمّ، أو التهابات جرحيّة، أو التقاط عدوى بكتيريّة أو فيروسيّة في المستشفى. فالأمّ التي خضعت لعمليّة قيصريّة تمضي فترة أطول في المستشفى للتعافي، من الوقت الذي تمضيه فيه الأم التي حظيت بولادة طبيعيّة. وبالنسبة إلى الجنين، فمن الممكن أن تتسبّب العمليّة القيصريّة ببعض المضاعفات كضيق في التنفسّ أو ظهور بعض الجروح.
وغالباً ما تستدعي العمليّة القيصريّة الأولى عمليات مماثلة في الولادات اللاحقة، ما يزيد من المضاعفات الطبيّة كانغراس المشيمة Placenta في جدار الرحم أو غيرها.
وفي معظم الأحيان، يتمّ إبعاد الطفل عن الأمّ في الساعات الأولى من بعد الولادة القيصريّة، ما يمكن أن يؤثّر على العلاقة بين الأمّ والطفل، إذ تفيد بعض الدراسات العلميّة بأنّ الساعة الأولى من بعد الولادة تشكّل الفترة الأهمّ في بلورة التفاعل العاطفي بين الأمّ وطفلها.
على مستوى مسؤولية المستشفيات، يشير القاق إلى أنّ العمل على تفعيل دور البروتوكولات العلميّة التي تحدّ من إجراء العمليات القيصريّة غير المبرّرة علميّا، يندرج ضمن الأولويات الطبيّة التي توصّل إليها اللقاء «نحو أجندة وطنيّة لصحة المرأة وسلامتها» الذي دعت إليه «الجمعية اللبنانيّة للتوليد والأمراض النسائيّة»، بالتعاون مع «صندوق الأمم المتحدة للسكان» وفريق سلامة الأمومة في كلية العلوم الصحيّة في «الجامعة الأميركيّة في بيروت»، ووزارة الصحة العامة، وقد ضمّ ممثلّين عن ثلاثين هيئة وطنيّة وأكاديميّة واجتماعيّة.
ولفت المجتمعون في اللقاء إلى تسجيل ارتفاع في معدّل اللجوء إلى تحريض الولادة من خلال الطلق الصناعي من دون دواع طبيّة مبرّرة، وإلى عدم مشاركة المرأة في الرعاية الصحيّة حيث إنّها تتّبع قرارات الطبيب من دون مناقشته لها فيها، وإلى نقص في طرح مواضيع الصحّة النفسيّة والصحة الجنسيّة وصحة المتقدّمات في العمر.
واتّفق المجتمعون على بدء العمل من أجل إعادة النظر في قانون إنهاء الحمل أو الإجهاض الذي لا يُسمح إلا في حالة تعرّض الأم إلى الوفاة، ومن أجل إدراج الثقافة الجنسيّة ضمن الخدمات الصحيّة التي تتلقّاها النساء، ومن أجل تعديل التشريعات القانونيّة المتعلّقة بإجازة الأمومة وبالسنّ القانونية للزواج، حيث تتعرّض المراهقات الحوامل بنسبة أكبر من سواهن إلى ارتفاع الضغط الحملي أو إلى مشاكل تسمّم الحمل.
أمّا بالنسبة إلى الحوامل فوق سن الخامسة والثلاثين فيفيد القاق بأنّ تلك الشريحة تتطلّب إجراءات صحيّة خاصة، نسبة لتعرضهّن إلى مضاعفات طبيّة كارتفاع الضغط الحملي أو مرض السكّر الحملي أو الولادة المبكرة.
ويلحظ القاق وجود مؤشّرات إيجابيّة في ما يتعلّق بصحة الأمومة في لبنان، «حيث تخضع معظم الحوامل لإشراف طبّي، وحيث إنّ منظمة الصحة العالميّة ستعتمد رسميّا في هذا العام معدّل ست وعشرين حالة وفاة أمّ لكلّ مئة ألف ولادة جديدة في لبنان».
وينصح القاق النساء الحوامل بعدم التدخين، وعدم شرب الكحول، وعدم تناول اللحوم من دون طهيها، والابتعاد عن المواد المشعّة، وعدم تناول الأدوية من دون مراجعة الطبيب الذي يجب على المرأة مناقشته ومشاركته في القرارات التي يتخذها.