الهيئة التعليميّة والبلديّة والأهالي يستنفرون لنجدتها: مدرسة داريّا أمام امتحان صعب في صراع مع البقاء

تبذل الهيئة التعليميّة في «مدرسة داريّا الرسميّة» جهوداً كبيرة إلى جانب البلديّة وفاعليات البلدة، في سبيل الحفاظ على وجود المدرسة المهدد، بعدما كانت وضعت العام الماضي على لائحة قرار وزارة التربية بالإقفال، وأمهلت لعام واحد لتحسين وضعها. وكان الأمر قد أثار حفيظة أهالي وفاعليّات المنطقة والبلدة مطلع العام الدراسي الحالي، فقاموا بسلسلة من الاتصالات والمراجعات واللقاءات مع الوزارة، تم خلالها التريّث بقرار الإقفال ومنحها العام الحالي فرصة لإثبات وجودها، وتحسين وضعها وزيادة عدد التلاميذ فيها. فكان أن ارتفع عدد التلاميذ فيها من 48 في العام الماضي إلى 62 تلميذاً للعام الدراسي الجاري. إلا أنه ووسط العام الدراسي، يبدو أن الامتحان يصعب مع صراع المدرسة مع ثماني مدارس خاصة تحيط بها، ومناقلات المدرسين «من دون علم الإدارة، أو حاجتها لهم ومن دون تنسيق معها»، وتتم في منتصف العام الدراسي لا مع بداياته.
وانطلاقاً من الوضع غير المستقر والمقلق، تعتبر الهيئة التعليميّة (تتألف من 32 مدرساً، يحال في العام المقبل ستة منهم على التقاعد) أنها أمام امتحان بالغ الصعوبة، لا بد من مواجهته والتغلّب عليه مهما كانت التحديّات والصعوبات، ويؤكد المدرسون أنهم لن يستسلموا للقدر. وقد فتحوا «معركة المدرسة» على كل الجبهات، لتحسين وضعها ودعمها للنهوض بها من جديد. وباتت الهيئة التعليمية تكرس عملها وجهودها مع الجميع، مستخدمة جميع الوسائل الممكنة والمتاحة لإبعاد «شبح» الإقفال الذي يتربّص بالمدرسة. كما يؤكد عدد من المسؤولين التربويين والهيئات التعليميّة في المنطقة، على أن جملة من العوامل «تقف حائلاً بوجه تطور وتقدّم المدرسة الرسميّة، وهي السبب الرئيس في تراجعها، ومنها على وجه الخصوص التدخلات السياسيّة في الإدارة، وعدم التنسيق معها في مناقلات المدرّسين، التي تتم وفق رغباتهم ومصالحهم لا وفق حاجة المدرسة، إضافة إلى المنح المدرسيّة وانعكاساتها السلبيّة والنقص في أساتذة الاختصاص وغياب خطة وسياسة تربويّة داعمة، خصوصاً في ظل الانتشار الواسع والتراخيص المعطاة لإنشاء المدارس الخاصة والتي باتت في العديد من المناطق تطوّق المدرسة الرسميّة في البلدة الواحدة لكثرتها».
ويشير مدير المدرسة أشرف عبد الرحمن، الذي أحيل على التقاعد مؤخراً، إلى أن «المعاناة مزمنة، وتعود لسنوات طويلة بفعل غياب خطة تربويّة مسؤولة من قبل وزارة التربية لتفعيل التعليم الرسمي ودفعه إلى الأمام»، مؤكداً على أن «سياسة الوزارة على مدى السنوات الماضية كانت هدّامة للمدرسة الرسميّة، والتي ينتج عنها إقفال المدارس الرسميّة الواحدة تلو الأخرى في معظم المناطق اللبنانيّة». ويضيف: «عندما علمنا أن المدرسة وضعت على لائحة وزارة التربية بالإقفال، قمنا على وجه السرعة بتحركات على مختلف الصعد مع البلديّة وفاعليات البلدة ونواب المنطقة والتقينا وزير التربية حسن منيمنة، وشرحنا له وضعنا فأخذنا منه وعداً بإعطائنا فرصة للعام الحالي في محاولة لتحسين الوضع ورفع عدد التلاميذ الذين كانوا 48 تلميذاً. وقد بذلنا جهوداً كبيرة على صعيد البلدة وقمنا بجولات ولقاءات مع الاهالي حتى تمكنّا من رفع عدد التلاميذ هذا العام إلى 62 تلميذاً»، لافتاً إلى «إننا نعتبر أنفسنا أمام معركة كبيرة لا بد من خوضها في سبيل الحفاظ على المدرسة، كما أننا أمام امتحان صعب بفعل المسؤوليات الملقاة على عاتقنا».
ويؤكد عبد الرحمن، وعدد من أفراد الهيئة التعليميّة، أنه «رغم ما تحقق فإن الخوف والقلق لا يفارقنا»، خشية تكرار مشهد الإقفال مجدداً، كما حصل لمدارس البرجين وبسابا والزعروريّة. ويشير إلى أن «البلديّة تقف إلى جانبنا، وهي لذلك تساهم في دفع نصف قيمة التسجيل عن كل تلميذ»، لافتاً إلى أن «المشكلة الأساسيّة التي تواجه المدرسة هي عملية نقل المدرسين من وإلى المدرسة، من دون علم الإدارة، أو حاجتها لهم ومن دون تنسيق معها». وسأل: ما هو دور إدارة كل مدرسة بالنسبة لهذا الموضوع؟»، مؤكداً أن «نقل المدرسين له انعكاسات سلبيّة وكبيرة ومزلزلة للمدرسة، لا سيما أن المناقلات تتم في منتصف العام الدراسي»، معتبراً أن «الإدارة تحوّلت إلى ما يشبه البريد، حيث بات عملها يقتصر على التوقيع على مباشرة العمل والمغادرة».
ولفت إلى أن «العوامل المؤثرة على المدرسة بشكل سلبي، هي انتشار المدارس الخاصة في محيط المدرسة الرسميّة، التي يبلغ عددها ثماني مدارس، وهي تقدم العروض للأهل»، مشدداً على «العمل بكل قوة للحفاظ على المدرسة الرسمية كونها المتنفس الوحيد للطبقات الفقيرة والمعدومة»، آملاً من «الوزارة الالتفات إلى المشكلة، والعمل على معالجتها بما يتناسب وواقع البلدة والمنطقة»، منبهاً إلى أن «المدرسة باتت على شفير الهاوية».
ويعيد عبد الرحمن أسباب تراجع المدرسة، بعدما كانت قد شهدت «عهوداً ذهبية منذ سنوات عندما وصل عدد التلاميذ الى أكثر من 500 تلميذ»، إلى أن «معظم أبناء البلدة، والإقليم، هم من الموظفين، فتوجههم إلى المدرسة الخاصة أكثر من الرسمية يعود إلى استفادتهم من المنح التعليمية التي يتقاضونها من الدولة، إضافة إلى الإغراءات المادية التي تمارسها المدارس الخاصة المحيطة بمدرسة داريا الرسمية، بالإضافة إلى وضع البناء المدرسي وتداعياته بفعل الاهمال، والنقص في التجهيزات من مقاعد ولوازم ووسائل الايضاح وعدم توفر القرطاسية». كما أن ملعبها لا تسمح بممارسة أي نشاط رياضي، كون نصفه يعتمد كمواقف لسيارات المدرسين، ونصفه الآخر يعود لصالح أوقاف البلدة.
من جهته، أشار رئيس البلديّة المهندس محمد بصبوص إلى أنه «عندما تسرّب قرار إقفال المدرسة، قامت البلديّة على الفور بمراجعات مع وزير التربية عبر نواب المنطقة، واستطعنا أن نأخذ منه وعداً بأن يكون هذا العام امتحاناً وتجربة لنا، وأنه في ضوئه يحدد القرار المناسب للموضوع»، لافتاً إلى أنه «تم تسجيل عدد من التلاميذ من البلدة كانوا مسجلين في مدارس خارج داريّا وقامت البلدية بتسديد نصف نفقات التلاميذ وتقديم القرطاسيّة وساهمت في فتح صف الروضات»، مشدداً على «دعم المدرسة بشتى الوسائل والإمكانات بغية الحفاظ على وجودها كونها ملجأ لعامة الناس والمساكين». وانتقد بصبوص سياسة وزارة التربية، معتبراً أن «البطولة ليست في إقفال مدرسة لأن أجيالاً سيقضى عليها وستصبح أمية أو متخرجة من السجون، بل إن البطولة في فتح المدارس وتعميمها ودعمها». ورأى أن «الوزارة تسهم في تراجع المدرسة عبر مناقلات المدرسين وفق الاستنسابيّة والتدخلات السياسيّة»، داعياً وزارة التربية إلى أن «تأخذ بعين الاعتبار أولويّات المدرسة وتعمد إلى تعزيزها لتتمكن من تخطي العقبات التي تقف بوجهها». وأسف بصبوص لما «وصلت إليه أوضاع المدرسة الرسميّة في الإقليم»، محملاً وزارة التربية المسؤوليّة، آملاً في أن تتمكن الهيئة التعليميّة والبلدة من تجاوز الامتحان الصعب وتنجح في الإبقاء على المدرسة.