مطالبة بتشكيل هيئة وطنية لضمان «جودة التعليم العالي» تحدّد مستويات المؤسسات التربوية.. لرفع المنافسة

يستند الناس في تقييمهم للمستوى العلمي في بعض الجامعات الخاصة، على التنبؤ، والأقاويل. وقد بلغ عدد مؤسسات التعليم الجامعي الخاصة 44 جامعة ومعهداً، علماً أن ثلاثة منها لم تزاول العمل بعد. وهي، بطبيعة الحال، لا تملك مستوى علمياً موحدّاً، فمن ضمنها تحضر الجامعات التي تقوم على منهج أكاديمي - تجاري، أو تجاري - أكاديمي، أو حتى تجاري بحت، فتخرّج عاطلين عن العمل.
لذلك، يبرز دور الدولة اللبنانية، ووزارة التربية والتعليم العالي بشكل خاص، في العمل على سنّ اللازم من قوانين لضمان جودة التعليم، كما هي الحال على مستويات التأمين الصحي، والبيئة السليمة، مثلاً.
وقد رفعت «الهيئة اللبنانية لضمان الجودة في التعليم العالي»، قانوناً إلى مجلس الوزراء، بهذا الصدد، علماً أنها مؤسسة مستقلة تعنى بضمان الجودة في التعليم العالي، بقطاعيه الرسمي والخاص، وتتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الأكاديمي والإداري والمالي.
وتهدف الهيئة، كما ورد في المادة الخامسة من القانون الذي حصلت «السفير» على نسخة منه، إلى «ضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي وفي برامجها، وفقاً لآليات ومعايير ومؤشرات وأدلة محدّدة وشفّافة».
وأكدت المادة الثانية عشرة منه، أن «جميع مؤسسات التعليم العالي الرسمي والخاص وفروعها العاملة على الأراضي اللبنانية، المرخصة رسمياً، تخضع حكماً لنظام ضمان الجودة الذي تعتمده الهيئة، وفي حال تخلفت إحدى هذه المؤسسات عن إخضاع نفسها او احد برامجها لهذا النظام، تبلغ الهيئة وزير التربية والتعليم العالي بالأمر، لاتخاذ الخطوات والإجراءات التي يراها مناسبة».
وتعقد «رابطة جامعات لبنان» وبرنامج «تامبوس» الأوروبي في قصر الأونيسكو، غداً، مؤتمراً دولياً بعنوان: «نحو بناء منظومة وطنية متكاملة لضمان جودة التعليم العالي في لبنان»، بالتعاون مع فريق خبراء تطوير التعليم العالي في برنامج «تامبوس» الأوروبي، يهدف الى معالجة التحديات التي تواجه ضمان جودة التعليم العالي، والبرامج والبحث العلمي، والجودة الداخلية، بالإضافة الى الهيئة الوطنية لضمان جودة التعليم العالي.
وعشية المؤتمر، التقت «السفير» عددا من الخبراء في مجال الجودة. فكان إجماع بينهم على أهمية وجود الهيئة الوطنية، كما شددوا على الاعتماد الخارجي والداخلي للمؤسسات التعليمية.
وقد وصف مستشار وزير التربية وعميد كلية التربية السابق في «الجامعة اللبنانية» د. مازن الخطيب «ضمان الجودة» بأنها «عبارة عن مسار يقاس به التزام كل مؤسسة تعليمية برؤية وهدف معين، وما تحقق من أهداف ورسالة، ومن ثم نرى إذا تحقق ذلك، والجودة في هذا الاتجاه».
وأشار الى أن الدولة «لها رؤية وطنية ضمن القوانين، خصوصاً أن ضمان الجودة هي عملية هدفها مساعدة الجامعة، وليس معاقبتها، وإنما تطوير الوحدة الداخلية، كتقييم ذاتي لمعرفة مكامن الخلل». وسأل: «هل يكفي أن يكون لدى الجامعة هيئة لتقييم نفسها؟». وأجاب: «لا. فعلى الدولة أن تتحقق من مسار ضمان الجودة، وما إذا كان لديها مركز توجيه للطلاب، ووسائل تعبير والمراجعة حول المقررات، استيفاء الرسوم، تطوير الموازنات، الموارد البشرية، موازنة للأبحاث العلمية، ...». وتابع: «عند فحص الجامعة في هذا المجال، والكشف عن مكامن الخلل إن وجدت، نعلن أنه تم التحقق من مسار جودة التعليم في الجامعة، وبذلك نكسر الأقاويل التي تطلق عن هذه الجامعة أو تلك».
وأكد الخطيب أنه «بعد إنشاء الهيئة الوطنية، ستسعى كل مؤسسات التعليم العالي لتفادي النواقص لديها، وبذلك، تعم الفائدة عليها وعلى الطلاب، وعلى التعليم في لبنان، وضمن هذا الجو فلتكن المنافسة بينها على تقديم الأفضل».
وشدد مدير التعليم العالي د. احمد الجمال على ان «ضبط الجودة من مسؤولية الدولة، فالجودة هي عبارة عن مجموعة معايير نوعية في إطار التعليم العالي، على جميع المستويات، من إدارة المؤسسة وحاكميتها إلى المناهج فالأبنية إلخ».
أما العوائق التي تقف في وجه «ضمان الجودة» فحددها الجمال بثلاثة: تأمين الخبرات، وإنشاء هيئة وطنية، وتحديد مدى التزام مؤسسات التعليم العالي بالجودة.
ولفت الى أنه من خلال تجربة الوزارة مع مئتي أستاذ جامعي، وعند تقييم فروع الجامعات الخاصة، «تبينت ضرورة القيام بجهد إضافي في مجال تأمين الخبرات، لأن الأساتذة بحاجة الى خبرة في مجال ضمان الجودة. أما إنشاء الهيئة الوطنية فيتطلب تأمين هيئة مستقلة وحيادية في بلد صغير مثل لبنان، وتراعى فيه جميع الجوانب الثقافية والاجتماعية والحضارية، وتمثل قطاعات المجتمع المدني وقطاعات الإنتاج، وكذلك المؤسسات الحكومية والنقابات».
ولجهة ضبط جودة التعليم في مؤسسات التعليم العالي، لفت الجمال الى وجود «مشروع قانون للتعليم العالي في مجلس النواب، يتضمن آليات ومعايير لضبط جودة البرامج والمؤسسات من قبل لجان متخصصة مستقلة بعملها، وتحددت في المشروع أطر أساسية للاعتراف بالمؤسسات وبالشهادات، وأطر للتحقق من واقعها وتقيمها دوريا».
ويسجل الخبير في ضمان الجودة في رابطة جامعات لبنان والعضو في فريق تامبوس (هير) ورئيس الجامعة الأميركية للثقافة والتعليم، د. بيار جدعون، ما خلصت إليه دراسة ضمان الجودة «التي بدأ العمل على انجازها منذ أيام الوزير خالد قباني عام 2007»، أن «نسبة 28 في المئة من المؤسسات التعليمية العالية يغيب عنها ضمان الجودة، و24 في المئة تعاني من غياب التنظيم وتمويل الأبحاث، ونسبة 16 في المئة منها تعاني من نقص في نظام الاعتماد».
ولفت الى أن نسبة 93 في المئة من المؤسسات التعليمية، أي 38 جامعة ومعهدا من أصل 41، وافقت على أن ضمان الجودة يساعد التعليم العالي، وأن نسبة 85 في المئة منها جاهزة لبناء هيئة ضمان الجودة.
ويطرح هنا سؤال نفسه: «من سيكون المسؤول عن ضمان الجودة؟ ورقابة الجودة في مؤسسات التعليم العالي؟». فيعتبر جدعون أن «الإجابة عن السؤال تتطلب بدورها الإجابة عن سؤال آخر هو: هل يجب أن تعتمد هيئة الرقابة قاعدة ستة وستة مكرر، أي مسيسة، أم تكون مؤلفة من خبراء؟ وإذا كانت لدينا هيئة مستقلة، متى يبدأ دورها، وأين ينتهي؟ وإذا حصلت على أرقام من إحدى الجامعات، هل تعمد الى نشرها أمام منافسيها من الجامعات؟».
ربما تطول لائحة الأسئلة التي تستبق ولادة هيئة ضمان الجودة، ولكن، على الرغم من ذلك، يؤكد جدعون أنه «مع أي هيئة لضمان الجودة، سواء كانت مستقلة أم لا، لدراسة وضع الجامعات، لحثها على تحسين برامجها ووضعها والأبحاث، والعلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني، من أجل جودة أفضل».
(السفير29نيسان2011)