تحول وضع مستشفى جزين الحكومي منذ أكثر من سنة تقريبًا معضلة غير قابلة للحل، او في شكل أدق لا يراد لها الحل، إذ يشهد مشكلات متلاحقة تنعكس ترديًا ملحوظًا على نوعية الخدمات الطبية والصحية والادارية والعلاجية التي يفترض ان يوفرها لأبناء المنطقة والجوار.
فكل ما يرتبط بالمستشفى أمسى معلقًًا، ويخضع للتجاذب السياسي، الذي ينتج مشادات اعلامية واتهامات متبادلة ما بين المسؤولين عنه والجهات السياسية الحالية في قضاء جزين، مما يحرم أبناء المنطقة أبسط حقوقهم في الحصول على الرعاية الصحية في حدها الادنى في مستشفى موجود لكنه عاجز عن تأمين حاجات المرضى فيضطرون الى البحث عن البدائل في مستشفيات المدن القريبة او العاصمة، مع ما يترتب على ذلك من مشقات تثقل كاهلهم.
لكن الحدث الابرز في مستشفى جزين تمثل قبل أيام بمغادرة الراهبة المسؤولة على عجل، بعد تسليمها جردة بالموجودات التي في عهدتها وذلك نزولا عند طلب الرهبانية التي تنتمي اليها.
وعلمت "النهار" ان رئاسة راهبات القلبين الاقدسين لم تكتفِ بسحب الراهبة من المستشفى بل عمدت الى فسخ العقد الموقع بينها وبين وزارة الصحة العامة في ما خص العمل في مستشفى جزين الحكومي، وذلك "كرد مباشر على جملة من الاهانات وعدم الاحترام والتحريض والاتهامات التي سيقت بحق الراهبة الموفدة من قبلها الى المستشفى منذ تعيينها قبل 4 سنوات ناهيك عن تجريدها من صلاحياتها وعدم السماح لها بالقيام بالمهمات الموكلة اليها بذرائع شتى".
وكانت الاوضاع تفاقمت في المستشفى بعد سرقة التجهيزات الالكترونية من قسم الادارة في شباط الفائت وبروز محاولات للملمة الموضوع، علمًا ان التحقيق في سرقة التجهيزات الالكترونية لم يتوصل الى شيء ولم يحل بعد على القضاء المختص، اذ تؤكد مصادر مطلعة ان ضغوطًا تمارس من اشخاص معنيين مباشرة بالملف يحاولون العمل على قفل القضية وطمسها منعًا لاحالتها على القضاء.
وتفيد المصادر نفسها ان تحقيقات تجري حاليًا مع المسؤولين والعاملين في المستشفى لكشف المزيد من المعطيات، خاصة ان شبهات تحوم حول بعض الاشخاص وحول فان أبيض يشتبه في أنه استعمل لنقل هذه المعدات المسروقة.
وترافقت عملية السرقة مع حملة تحريض مشبوهة للموظفين على الراهبة، بذريعة ان الاخيرة ذكرت بعض الاسماء في افادتها، علمًا ان هذه الافادة كانت خالية من الاسماء.
ويلفت في هذا الاطار الغياب الكامل لوزارة الصحة عن معالجة المشكلة في العمق، بحيث يكتفي المسؤولون فيها بتوفير الدعم المطلق للقيمين على المستشفى "المنتهية صلاحيتهم"، فمجلس ادارة مستشفى جزين الحكومي انتهت مهماته في 3 شباط 2010 ولم يجدد له او يتم تعيين مجلس جديد لتسيير أموره علمًا ان المرفق يشهد شللاً جزئيًا في مختلف مرافقه، ومشكلات داخلية بين مؤيد وداعم لرئيس مجلس ادارته الذي تولى رسميًا مهمات ادارة المستشفى بعد مغادرة المديرة السابقة، ومعترض على اداء الأخير، وعدم التجانس والتوافق بين فريق العمل.
حجّار يوضح
في حديث لـ"النهار" اعرب رئيس مجلس ادارة مستشفى جزين الحكومي الدكتور بشارة حجار عن "اسفه الشديد لمغادرة الراهبة وانزعاجه، خاصة انه لم يتبلغ من اي جهة رسمية بمغادرتها، سواء من الوزارة او الرئاسة العامة للرهبانية، كما انه لم يعرف بمغادرتها الا بعد رحيلها وهو يعتبرها في اجازة، كاشفًا انه وجه كتابًا الى رئاسة الرهبنة شدد فيها على حرصه على العلاقة واستمرار التعاون معها في مستشفى جزين".
وكان حجار اوضح ان "هدف التشهير الاعلامي الذي رافق موضوع سرقة التجهيزات في المستشفى كان للاقتصاص من سمعته الشخصية ومن مرجعيته السياسية التي اتهمت بتغطية السرقة ايضًا".
واستنكر التهم التي سيقت ضده من احد المسؤولين (النائب زياد اسود) بالتعتيم على السرقة والسارقين، مستغربًا هذا الكلام، في حين كان الحريص الدائم على سمعة المستشفى والمدافع الاول عن حرمته وعن التجهيزات التي تعتبر ملكا للشركة المعنية.
وقال ان سمعة المستشفى لا تتحمل المزيد من التشويه في ظل المشكلات والصعوبات التي يعانيها، وانه يعمل من دون كلل لتحسين وضعه.
… وأسود يرد
من جهته جدد اسود لـ"النهار" اتهامه حجار بتغطية سرقة التجهيزات ومحاولة منع الاجهزة الامنية المختلفة عن اجراء التحقيق، والتنكر للسرقة وحصولها والاستعانة بالتدخلات السياسية السافرة مع القضاء والنيابة العامة لوقف التحقيقات ومنع كشف الفاعلين، مؤكدا ان هذا الاسلوب ليس جديدًا على اشخاص تربوا على مبادئ السرقة والتزوير والنهب المنظم لجميع الصناديق في جزين والمستشفى والبلدية".
وحمّل اسود "وزارة الصحة العامة مسؤولية خروج الراهبات من مستشفى جزين الحكومي بعد المضايقات وقلة الاحترام التي تعرضت لها الراهبة المسؤولة من رئيس مجلس ادارة المستشفى، وما ستؤول اليه الاوضاع فيه بعد غياب هذه المؤسسة الانسانية التي كان لها الفضل الاول والاخير في بقاء المستشفى واستمرار العمل فيه رغم كل الظروف والحروب التي تعاقبت على منطقة جزين". ورأى ان الحضور الفاعل لراهبات القلبين الاقدسين اللواتي تعاقبن على خدمة مستشفى جزين الحكومي منذ اعادة افتتاحه العام 1985 وحتى اليوم، كان دائمًا محط تقدير واحترام ابناء المدينة والمنطقة، اذ انجزن رسالة انسانية مميزة، واصبحن الحجر الاساس في تقديم الرعاية الطبية للمرضى، رغم حصار المنطقة مدة طويلة، اذ تولت الراهبات مسؤولية الاشراف والعمل التمريضي فضلاً عن مهمات ادارية متنوعة، وخدمة المرضى والدخول الى غرفة العمليات كممرضات مساعدات، فهل يجوز ان يكافأن في فترة السلم بسوء المعاملة والجحود؟".
(النهار 9 نيسان 2011)