خصخصة مستشفى البترون أصبحت على نار حامية. الفضل في ذلك يعود إلى وزير العمل بطرس حرب، فهو من ضغط على مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليتراجع عن قراره بإعادة مستشفى البترون إلى وزارة الصحة، ثم يتّخذ قراراً ثانياً بتلزيم المستشفى للقطاع الخاص بذريعة أن عجز المستشفى يكبّد الصندوق مبالغ كبيرة. الغريب أن الصندوق تحمّل خسائر هذا المستشفى المتتالية، فيما كان سياسيو منطقة البترون يسهمون في توسيعها يومياً. أما دفتر شروط التلزيم للقطاع الخاص، فقد تضمّن الكثير من طموحات هؤلاء السياسيين، ما دفع اللجنة الفنية إلى حصر التلزيم بجهات معيّنة وجدول أولويات.
لسنين طويلة كان موضوع مستشفى البترون مثار جدل بين أعضاء مجلس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي. لكن في كل مرّة كان النقاش ينتهي على النحو الآتي: إقرار موازنة مستشفى البترون بعد سباق بين أعضاء مجلس الضمان وبين مجلس إدارة المستشفى على توصيف الواقع والضغوط والإصلاحات المطلوبة. وهذا يعني أن الصندوق قرّر تمويل خسائر المستشفى وعجزه المتكرر بسبب السيطرة السياسية عليه وتغطية السرقات التي يشتبه في حصولها مراراً عديدة.
لكن في شباط عام 2009 قرر الصندوق «التخلّي» عن المستشفى وإعادته إلى وزارة الصحة. إلا أن المجلس عدّل قراره بضغط من الوزير بطرس حرب باتجاه إقرار تلزيم إدارة المستشفى واستثماره للقطاع الخاص، وحدّد لإدارة الصندوق مهلة 6 أشهر لإعداد دفاتر الشروط.
ويشير أعضاء في مجلس الإدارة من ممثلي العمال وأصحاب العمل، إلى أن الوزير حرب ضغط على إدارة الصندوق لكي تنجز دفتر الشروط... إلى أن رفعته إلى مجلس إدارة الصندوق في 8 آذار الماضي. عندها حُوّل مشروعا «دفتر شروط عقد واتفاق لإدارة واستثمار مستشفى البترون» إلى اللجنة الفنية لإبداء الرأي فيه قبل أن يُعرض على لجان مجلس الإدارة الإدارية والفنية وأخيراً في المجلس.
بعد أقل من شهر، خرج رأي اللجنة الفنية إلى الضوء لينسف الخلفيات التي بُني عليها دفتر الشروط، والتي تردّد صداها بين أروقة الضمان، إذ قيل إن الشركة الملتزمة جاهزة ومدعومة من مقربين من الوزير حرب.
وجاءت الترجمة العملية لهذا الكلام العابر في دفتر الشروط الذي تجاوز الأهداف التي استند إليها الضمان للحصول على حقّ استثمار مستشفى البترون وإدارته.
على الأقل هذا ما تؤكّده دراسة اللجنة الفنية لهذا الدفتر؛ فقد أشارت إلى أن «غاية الصندوق من المستشفى أن تجعله مستشفى نموذجياً يستفيد الصندوق من خبراته لتحسين تقديم خدمات العناية الطبية للمضمونين والمستفيدين من تقديمات الصندوق واستخراج النتائج المالية منه التي تمكّنه من تحديد التعرفات اللازمة لهذه الخدمات وتعديلها عند اللزوم».
وبما أن هذه الغاية، وفق رأي اللجنة الفنية، «ستبقى قائمة حتى إذا لزّم الصندوق إدارة المستشفى للقطاع الخاص، لا بدّ من أن يكون عرض تلزيم إدارة واستثمار المستشفى موجّهاً إلى جهة أكاديمية تعليمية متخصصة بإدارة المستشفيات ومشهود لها بنجاح تجربتها التي تتوافق مع أهداف الصندوق».
إذاً، الوسيلة يجب أن تبرّر الغاية، على عكس ما هو مذكور في دفتر الشروط؛ إذ ترى اللجنة أن إدارة الصندوق توسعت في قاعدة المشمولين بإمكانية قبولهم عارضين محتملين للالتزام فقد اشتملت هذه القاعدة على 3 فئات:
ـ أن يكون المزايد من مؤسسات التعليم العالي المرخص لها في لبنان والتي لديها كلّية أو فرع لتدريس مادة الطب أو أحد اختصاصات الصحة العامة.
ـ أن يكون المزايد من الجمعيات المعترف بها قانوناً والتي تملك أو تدير مؤسسة صحية أو استشفائية منذ أكثر من عشر سنوات.
ـ أن يكون المزايد مستشفى حائزاً على ترخيص من وزارة الصحة العامة منذ عشر سنوات على الأقل، وأن يكون حائزاً على اعتماد من وزارة الصحة العامة ومصنفاً من الفئة A أو B على الأقل. و/أو مؤسسة أو شركة تملك أو تدير مؤسسة صحية أو استشفائية منذ أكثر من عشر سنوات وما زالتا تمارسان النشاط بتاريخ إجراء المزايدة.
غير أن رأي اللجنة الفنية استقرّ على أن يكون العرض موجّهاً، أولاً، إلى جهة مثيلة لصندوق الضمان لناحية عدم ابتغاء الربح، فالصندوق يمثّل مؤسسة اجتماعية لا تبغي الربح، وبالتالي «حريّ به أن يوجّه عرضه إلى جهة مثيلة مثل كليات ومعاهد الطب الجامعية».
وإذا لم يوفق الصندوق في مبتغاه الأول، يكون العرض الثاني موجهاً لمؤسسات أو شركات متخصصة بإدارة المستشفيات المنشأة قبل تاريخ صدور قرار مجلس الإدارة القاضي بتلزيم استثمار مستشفى البترون وإدارته، قبل أي تاريخ 12/8/2010. أي أن فترة تأسيس المستشفى المشارك في المزايدة قبل صدور قرار مجلس الإدارة أمر ضروري لتوفير صدقية المزايدة، وعدم فتح الباب أمام المنتفعين.
ومن الملاحظات التي وضعتها اللجنة على دفتر الشروط المنجز، أن «موافقة مجلس الإدارة على دفتر الشروط موضوع الدرس تستلزم لاحقاً صدور الإجازة عن مجلس الوزراء للصندوق بتلزيم استثمار مستشفى البترون وإدارته إلى طرف ثالث فضلاً عن تمديد مدة الاستثمار لعام 2025»، فيما «المضي في إقرار دفتر الشروط يستلزم تسجيل مؤسسة مستشفى البترون في السجل التجاري لإكسابه الشخصية القانونية تمهيداً لاستثماره سنداً لعقد إدارة حرة»، كذلك «تسوية أوضاع العاملين في المستشفى يجب أن تحصل حصراً وفقاً لأحكام قانون العمل التي ترعى انتقال المؤسسة إلى مستثمر جديد». (الأخبار 15 نيسان 2011)