يعلن في مدينة طرابلس عند السادسة من مساء اليوم الثلاثاء في قاعة غرفة التجارة والصناعة والزراعة، عن الخطة الاستراتيجية الشاملة للمدينة، والمباشرة في اطلاق "طرابلس 2020" والتي أعدتها شركة متخصصة توفر نحو عشرين الف فرصة عمل. والخطة وضعت بجهود كل الفرقاء وان تفاوتوا بالاحجام والامكانات، فالرئيس سعد الحريري تكفل بنسبة 50 بالمئة، أي بالنصف تماما، والرئيس نجيب ميقاتي 25 بالمئة، والوزير محمد الصفدي والنائب فاضل مولوا 25 بالمئة الباقية .
أما لماذا طرابلس؟ فلأنها عاصمة الشمال ويفترض ان تكون قلبه النابض بالحياة. دخلت حديثا في ازمة اجتماعية قاهرة، ودخل أبناؤها القاطنون في الاحياء الشعبية الداخلية في باب التبانة والقبة والزاهرية وباب الرمل والجسرين والحديد وابي سمراء والمنكوبين في عداد الارقام والاحصاءات التى تصدرها المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة والتي تشير في آخر تقرير لها الى ان أكثر من ستين بالمئة من سكان مدينة طرابلس يعيشون تحت خط الفقر المدقع مع العلم ان طرابلس مصبوغة بأنها مدينة متوسطة في العيش بامكان كل انسان ان يعيش فيها ويتكيف مع واقعها .
فهذه المدينة التي انجبت كبار العلماء والمثقفين وقادة الرأي والفكر في القرن الماضي وكانت درة الثغور على المتوسط، وبلغت ذروة النشاط الاقتصادي كعقدة تجارية مهمة على خط سير التجارة العربية والعالمية، باتت اليوم في وضع اقتصادي ومعيشي يبعث على القلق، بل تحول في الآونة الاخير قنابل موقوتة تهدد واقع المدينة، وفق ما دأب النائب فاضل على التحذير منه مرارا وتكرارا .
والاكثر غرابة هي ان ترزح المدينة بكل تشعباتها تحت خط الفقر ويوجد اثنين من ابنائها يملكان ثروات طائلة: الرئيس ميقاتي والوزير الصفدي، وهما على لائحة جرد المتمولين في العالم ولكنهما يحجبان الكثير من المشاريع عن المدينة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فانهما لم يساهما بقرش واحد في الصندوق الذي جرى تأسيسه لاتمام المصالحة بين أبناء منطقة باب التبانة ومحيطها في جبل محسن ابان الاحداث الاليمة التى مرت بها في عام 2008، من أجل التعويض على أهلها من جراء المعارك التي دارت حينها وتسببت بخسائر في الارواح والممتلكات .
وفي آخر احصاء، بلغ عدد سكان منطقة الفيحاء 350 ألف نسمة تقريبا أي ما يوازي ثلث قاطني شمال لبنان، موزعين بنسبة 72 بالمئة في طرابلس، و17 في الميناء و11 في البداوي. وتظهر فيها المعوقات الاجتماعية والاقتصادية بشكل لافت في العديد من أحيائها القديمة ومساكنها الشعبية، مقارنة مع سائر المناطق اللبنانية، ولا سيما العاصمة، اذ سجلت البلديات الثلاث فيها مؤشرات مثيرة للقلق أخذت تتراكم، منها دخل السكان ومعدل الاستثمارات ومستوى التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والبنى التحتية والبيئة. ويرتبط الفقر في منطقة الفيحاء عموما بتدني مستوى الدخل الاسري، اذ يعيش أكبر عدد من الاسر ما دون عتبة الفقر، بحسب تحديد كل من برنامج الامم المتحدة الانمائي ووزارة الشؤون الاجتماعية. اضافة الى ارتفاع نسبة البطالة وعدم وجود فرص عمل امام الشباب، والارقام المخجلة التي تظهر سنويا عن التسرب المدرسي، وانصراف الطلاب لتأمين المدخول اليومي لعائلاتهم .
هذا الواقع المرير دفع مرارا هيئات المجتمع المدني والاهلي الى رفع الصوت عاليا للتنبيه من حجم المشكلة وتفاقمها يوما بعد يوم، ودقوا ناقوس الخطر. الا ان الحال من المحال، ولولا محاولات اتحاد بلديات الفيحاء (طرابلس والميناء والبداوي) بالتعاون مع المنظمات الدولية التي تبذل جهدا استثنائيا في هذا الموضوع لوضع خطة تهدف الى تنمية مدن الفيحاء لكانت الامور أكثر سوءا، وهو ما أشارت اليه استاذة العلوم الاجتماعية مها كيال: "هذا الواقع المتردي دفع بالمنظمات الدولية الى صب بحثها في مدن الاتحاد الثلاث، وقد ساعدنا في تسليط الضوء على أسباب تفاقم الفقر، ووفرنا كل الاسس التى تساعد على التنمية، الا أنه يفترض ان يكون المناخ العام سويا وسليما في المدينة حتى ينتج هذا العمل. وقد بذلنا جهدا، بالتعاون مع الاتحاد والبنك الدولي لدفع استراتيجية التنمية. والقرار الاخير يبقى في عهدة ابناء المدينة والمسؤولين فيها والذين يفترض بهم وضع وثيقة شرف أو اتفاق بأن الموضوع الاجتماعي والفقر تحديدا خط أحمر، ويجب ابعاد المدينة عن الصراعات وعن الازمات التي تنعكس سلبا على جميع ملفاته وتتسبب بمزيد من المشاكل. (المستقبل 19 نيسان 2011)