خرجت مشكلة «مستشفى حاصبيا الحكومي» من إطار المشاكل التقليدية التي تعاني منها المستشفيات الحكومية، كمؤسسات عامة تقع تحت وصاية وزارة الصحة اللبنانية، إلى التهديد بتعطيل المستشفى القائم على خدمة أهالي 13 بلدة ومدينة، تتبع لمنطقة حاصبيا والعرقوب. وأدت المشاكل الإدارية المستعرة بين رئيس مجلس إدارة المستشفى الدكتور كمال النابلسي من جهة، وبين مديرها الدكتور حسام خير الدين من جهة ثانية، إلى وصول المستشفى إلى الحال التي هي عليه، حيث لا يتبادل الاثنان حتى التحية الصباحية منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، مع ما يتركه ذلك من إعاقة للعمل في المستشفى، وحسن سير الأمور فيها.
وتسجل هيئة التفتيش المركزي التابعة لرئاسة مجلس الوزراء المخالفات الإدارية التي تسببت بشلل مستشفى حاصبيا، بالإضافة إلى مشاكلها، في تقرير أنجزته بناء على شكاوى وكتب وردت إليها من أكثر من جهة. ويمكن لتقرير التفتيش المركزي، الذي أخرج ما يحصل في مستشفى حاصبيا من دائرة «الشائعات وتبادل الاتهامات»، إلى التوثيق، أن يكشف ما يحصل في المؤسسات الحكومية، التي يتصرف المعنيون فيها خلافاً للقوانين، ضاربين بعرض الحائط بمصالح الناس والخدمات المستحقة لهم، وناسين أن ذلك المرفق العام قد أنشئ لخدمة المواطنين وليس «للنكايات» ولتحويله إلى مرتع للخلافات.
وتشير أكثر من فعالية في منطقة حاصبيا إلى أن القوى السياسية نفسها التي ينتمي إليها القيمون على إدارة المستشفى، سواء في مجلس الإدارة أو في الإدارة نفسها، ليست مستعدة لوضع حد للمشاكل التي تستعر في المؤسسة، ولا لدفع الموالين لها إلى إصلاح الأمور أو الاستقالة والتنحي تمهيداً لحل الموضوع، على الرغم من انتماء القوى نفسها إلى تحالف سياسي من لون واحد خصوصاً بعد انضمام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط إلى ألأكثرية الجديدة. ويشير البعض إلى أن الحلّ يمكن أن يكون في دفع القوى السياسية من ينتمون إليها إلى الاستقالة من مسؤولياتهم في المستشفى (من مجلس إدارة وإدارة) تمهيداً لتعيين من ينوب عنهم ريثما تتشكل حكومة جديدة يمكنها البت بالملف برمته، كونها صاحبة الصلاحية حصرياً بتعيين مجالس الإدارة وإقالتها.
ويطالب خير الدين وزير الصحة بحل مجلس الإدارة الحالي، المنتهية ولايته منذ ثلاث سنوات، معتبراً أن المشكلة محض إدارية، وأن «كل ألأمور ألأخرى يمكن حلها». في المقابل يبرز النابلسي كتاباً قدمه المجلس إلى التفتيش المركزي يطلب فيه تحول خير الدين إلى المجلس التأديبي، مشيراً إلى أن الأخير لم يحضر جلسات مجلس الإدارة منذ العام 2008، وبالتالي يتحمل وزر ما وصل إليه المستشفى منذ ذلك الوقت وحتى اليوم. ويرد خير الدين عدم حضوره جلسات مجلس الإدارة إلى ما يسميه بـ «ارتكاب العديد من المخالفات، وخاصة لجهة التواقيع الواجبة على أوامر وقرارات صرف الأموال»، مشيراً إلى أن «النابلسي نفسه هو يتحمل مسؤولية الأمور التي أوصلت المستشفى إلى ما هو عليه».
وتعتبر مشكلة المستشفى «إدارية بالدرجة الأولى»، وفق ما يرى وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال محمد جواد خليفة، ومن ثم مالية تتلخص بوصول ديون المستشفى على وزارة الصحة والضمان الاجتماعي إلى مئات ملايين الليرات اللبنانية، وهي تفوق ديون المستشفى المستحقة عليها لصالح بعض الشركات، وكثمن المحروقات، ورواتب للموظفين. ويؤثر وضع المستشفى على حوالى سبعين ألف نسمة يسكنون المنطقة، ويضطرون، في ظل استفحال مشكلة الطبابة في المنطقة، إلى قصد مستشفيات أخرى في الجنوب، وأقربها في مرجعيون والنبطية وصيدا، كما يتسبب بتشريد حوالى ثلاثة وتسعين موظفاً هم عدد كادره العامل، الذين لم يقبضوا رواتبهم منذ تسعة أشهر ولغاية اليوم.
ويشير خليفة لـ «السفير» إلى أن «الوزارة صرفت مبلغ مئة وخمسين مليون ليرة لبنانية لمستشفى حاصبيا، كما أنهم في طريقهم لقبض مستحقاته من وزارة الصحة عن شهور تشرين الأول والثاني وكانون الأول من العام 2010، بعد إنجاز وزارة المالية تدوير أرقام الموازنات، ما يكفيهم حوالى ستة أشهر لتشغيل المستشفى». ويؤكد خليفة على أنه لا يمكنه، كوزير وصاية، أن يحلَّ مجلس الإدارة المنتهية صلاحياته «لأن تعيين مجالس إدارة المستشفيات الحكومية يتم في مجلس الوزراء، وكذلك حال إلغائها وحلّها».
وأمل النائب أنور الخليل وعملاً بمبدأ الشفافية، أن يصارح خليفة أهالي وأبناء قضاء حاصبيا، وموظفي مستشفى حاصبيا الحكومي، بالمعوقات الفعلية التي تمنع المستشفى من القيام بواجباته، ومكاشفتهم بمضمون التقارير الإدارية والرقابية التي أعدتها جهات معنية في الوزارة، ولدى الهيئات الرقابية وأجهزة التفتيش المختصة. وتمنى الخليل أن يتأكد خليفة من «صحة وسلامة صرف مساهمة المئة والخمسين مليون ليرة للمستشفى، وتخصيصها للموظفين الذين مضى على عدم استلامهم رواتبهم نحو تسعة أشهر، مؤكداً «أن المبلغ المصروف، لن يكفي لإعادة العمل إلى طبيعته في المستشفى، والمطلوب معالجة جدية إدارية وقانونية ومالية قبل تشكيل الحكومة».
ويوثق تقرير التفتيش المركزي وجود خلافات بين مدير المستشفى وأعضاء مجلس الإدارة، حول القضايا المالية والإدارية، مشيراً إلى إصدار النابلسي قرارات عدة مخالفة للقوانين وللأنظمة المرعية الإجراء، خاصة لجهة تحريك أموال الصندوق في المستشفى، إذ تم الخلط بين أموال صندوق المستشفى وبين حساب المؤسسة العامة التي تتولى إدارتها والمفتوح في مصرف لبنان. ويشير التفتيش المركزي إلى أنه يجب وجود توقيع خير الدين مع الذين يحق لهم تحريك حساب المؤسسة. لكنه لم يكن في عداد التواقيع التي طلبها النابلسي من وزارة الصحة، وفي ذلك مخالفة لمضمون تعميم وزير الصحة الرقم 8223/1/2008 ، الذي يشير إلى أن المدير هو الأساس في تحريك الأموال.
ويتضمن التقرير الإشارة إلى ان النابلسي ارتكب العديد من المخالفات التي تتسم بالطابع المالي لجهة إقدامه على توقيع أوامر دفع الأموال من صندوق المستشفى بالاشتراك مع رئيس القسم المالي دون سواه، بالإضافة إلى عدم إقامته في منطقة حاصبيا وعدم حضوره المنتظم إلى المستشفى وإصداره قرارات مختلفة تخرج عن نطاق صلاحيته، وهو ما اثر سلباً على حسن سير العمل. وتحدث التقرير عما أسماه «جهل النابلسي للقوانين والأنظمة التي ترعى شؤون العمل وتسييره في المؤسسة التي يرأس مجلس إدارتها، موصياً «بعدم تعيينه مجدداً في مجلس إدارة المستشفى في حاصبيا او في أي مستشفـى حكومي آخر».
ويرد النابلسي على ما يرد في تقريرين للتفتيش المركزي بـ «إن ما يحصل هو جزء مما يجري في البلاد حالياً، وهو مرهون بالمفتش الذي يقوم بالتفتيش وبكتابة التقرير ويخضع لمعايير سياسية بعيدة كل البعد عن الوقائع وما يحدث على الأرض». ويشير النابلسي إلى عدد من الكتب التي سطرها مجلس الإدارة بحق المدير ومخالفاته ، متوقفاً عند كتاب من وزير الصحة يطالبه فيه بحضور جلسات مجلس الإدارة او الاستقالة إّذا لم يكن ذلك ممكناً.
ويوثق التفتيش المركزي للمخالفات المرتكبة في «العقد المبرم مع طبيب المختبر في المستشفى ح.س.، والذي يتعارض مع أحكام المرسوم الرقم 5559/2001 ، لجهة الراتب (ثلاثة ملايين ليرة، بينما القانوني هو مليون و650 ألف ليرة لبنانية)، ولجهة عدد أيام العمل وساعاته. كما ان الطبيب المذكور يتغيب عن عمله في المستشفى أو يحضر متأخراً إليه إضافة إلى عدم توقيعه بعض نتائج الفحوصات المخبرية وإبلاغه الممرضات نتائجها بواسطة الهاتف. ويشير التقرير إلى أن العقد مع طبيب الأشعة ز.ه. يشوبه ما يشوب عقد طبيب المختبر. ويوصي بإعادة النظر في العقدين.
ويتوقف التقرير عند قيام الطبيب المراقب في المستشفى بأكثر من مهنة بالوقت عينه، ويسجل وجود فوضى في أدائه مهامه ومنها عدم ترتيب وتنظيم سجلات المرضى، وطلبات الاستشفاء، وبطاقات التغطية التي يشوبها العديد من النواقص، وعدم تعبئة الخانات وتأريخها، وكذلك عدم استكمال المعلومات المطلوبة، وأن الطبيب المذكور يوقع بطاقات الاستشفاء بعد خروج المريض بأكثر من أسبوع، وهو ما يرتب عليه مسؤوليات مسلكية.
ويسجل التقرير توقيع رئيس القسم المالي في المستشفى ح.أ.إ. على معلومات لم تتأكد صحتها، وهي تتعلق بفواتير عائدة لمرضى عديدين، ما يرتب عليه مسؤولية مسلكية تستوجب المؤاخذة. ويتبين، وفق التقرير، أن ح.أ.إ. أشار في إفادته إلى التفتيش المركزي إلى وجود هدر في المال العام في مستشفى حاصبيا، متمثل بصرف أموال الصندوق والشراء من دون إجازات مسبقة ودفع أموال للشركات من دون تبرير وتجاوز الحدود المقررة لإعطاء التعويضات عن الأعمال الإضافية وبدلات النقل، وعدم الالتزام بالاعتمادات الملحوظة في الموازنة وكلفة المحروقات والأدوية والمياه ما يقتضي الطلب إلى المفتشية العامة المالية التحقيق في تلك المسائل ليبنى على الشيء مقتضاه. ويعرض التفتيش المركزي ما توصلت إليه المفتشية العامة الصحية والاجتماعية والزراعية في تقريرها من أن فاتورة «آلة ناضور المعدة» المشتراة بمبلغ 32 ألف دولار تحمل رقماً مختلفاً عن رقم «الكود» العائد للآلة، ما يستوجب التحقيق.
ويوثق التقرير سلوكيات بعض الموظفين الذين يعينون في المستشفى ويتم نقلهم إلى مؤسسات أخرى خلافاً للقانون رغم حاجة المستشفى لهم، كما أن عدد عاملي الهاتف يفوق العدد الملحوظ قانونياً، كما هو حال عدد العاملين في المستشفى ككل (ضعف العدد تقريباً).
وطالب التقرير بإلغاء كل القرارات التي اتخذها رئيس مجلس إدارة المستشفى بحق مديره من دون أن تكون معللة ومبررة أو أن تكون العقوبة مسندة إلى نص قانوني يجيز فرضها، وكذلك إلغاء بعض القرارات التي اتخذها مدير المستشفى نفسه بحق بعض الموظفين من دون منحهم فرصة وحق الدفاع عن أنفسهم.
ويوصي التفتيش المركزي وزارة الصحة «بالإسراع بوضع نظام خاص للأجراء في المؤسسة العامة التي تتولى إدارة مستشفى حاصبيا والتعميم على جميع المؤسسات العامة التي تدير مستشفيات حكومية عدم توجب دفع بدلات نقل وإجازات وانتساب إلى الضمان الاجتماعي للعاملين بالفاتورة، والطلب إلى المؤسسات العامة إدراج حقوق وواجبات المريض المعالج على حساب وزارة الصحة على ظهر بطاقة التغطية مع ضرورة بيان المبلغ المتوجب عليه دفعه، بالإضافة إلى ضرورة وضع آليات لتعيين الأطباء والموظفين في المستشفى وكيفية تنظيم العمل.
ويؤكد خليــفة لـ «السفير» أنـــه وضع تعديلات شامــــلة على الأنظمة الداخلية للمؤسسات العامة التي تديـــر المستشفيات، مشـــيراً إلى أن «الورشة شارفت على الانتهاء. وسيتم تنظيم الأمور كلها».
ورداً على مطالبة مستشفى حاصبيا بآلة تصوير طبقي (سيتي سكان)، يؤكد خليفة أن «الوزارة تسعى لتأمين الآلة سواء عبر الهبة الصينية أو عبر شرائها». ويرى أن «مطلب آلة تفتيت الحصى ليس بأولوية وجود غرفة عناية فائقة للأزمات القلبية مثلاً، ولا بأولوية وجود عناية فائقة بالمواليد الخدج»، أو الذين يولودون قبل أوانهم، مشيراً إلى أن «عدد المرضى المحتاجين لهذا النوع من العناية أو تلك، هو الذي يفرض الأولويات». (السفير 21 نيسان 2011)