حمل زاهر الأشوح يافطة كتب عليها «الشعب يريد الدواء والعلاج»، وجاء ليعتصم مع مجموعة من الفلسطينيين أمام مكتب «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) في ميخم برج البراجنة، بعدما قاموا بإقفاله. بيده كيس جمع فيه مجموعة أوراق، هي فحوصاته الطبّية التي تبرهن انه مريض بسرطان الرئة، وسلسلة العلاجات التي خضع لها، والمفروض أن يستكملها.
أصيب زاهر بالمرض قبل سنة وثمانية أشهر، وقد تمّ تشخيصه في أحد المستشفيات الخاصة. لكنّه خضع للعلاج في مستشفى بيروت الحكومي توفيراً لمصاريف يعرف أنها باهظة، ويدرك أن ما من جهة يمكن أن تتحملها كاملة. وهو يفنّدها بالتفاصيل، بدءاً من كلفة التأمين الذي يفرضه المستشفى الحكومي كونه فلسطيني، والتي تصل إلى خمسمئة ألف ليرة لبنانية، مروراً بكلفة الخزعات الثلاث، وصولاً إلى العلاج الكيميائي... جلجلة كلّفته حتى اليوم أربعة عشر مليونا وثمانمئة ألف ليرة، هي دين للأقارب والأصحاب.
ليس زاهر وحده من يعاني من مشاكل صحية، «تأكل» من قوته اليومي كما «تأكل» من جسده، هناك مثله كثيرون ممن ضاقت بهم سبل الشفاء لعدم قدرتهم على شراء دواء أو الحصول على ما تسلتزمه حالاتهم من علاجات.
في الجهة المقابلة لزاهر، وقفت مجموعة من النسوة حملن شعارات تقول «لومباردو ارحل»، و»الشعب يريد تأمين مقابر للموتى»، و»الشعب يريد رفع نسبة العلاج 90 في المئة». قالت إحداهن ان «الأمراض المستعصية تعالج على حساب المريض، وما من تغطية صحية الا عبر تأمين خاص. وهو أمر مكلف بالنسبة للاجئين ممنوعين عن العمل».
تضيف «لدى ابنتي ولدان معوّقان لا تقبل باستقبالهما أي مدرسة، وهي تتكفل بمتابعتهما الطبّية، في حين أن تقديمات المؤسسات الخاصة بالفلسطينيين شبه معدومة».
ويشرح فهد حسين، احد المشاركين في الاعتصام، أن ما تقدّمه «الاونروا» من نسبة الاستشفاء الذي تصل نسبته إلى ثلاثين في المئة ليس سوى جزء من القيمة المفروضة على المريض لحجز سرير في المستشفى وليس جزءاً من العلاج ككل. «وقد اعملتنا الوكالة عن نيتها زيادة عشرة في المئة على تقديمات الاستشفاء، وهي نسبة مجتزأة بفعل إلغاء مبنى سبلين المهني في الشمال».
أضاف حسين ان الأرقام التي تقدمها الوكالة غالباً ما تكون مضللة، «فهي حين تعلن عن نسبة نجاح كبير بين طلاب شهادة الباكالوريا، لا تذكر أن عددهم لا يتجاوز المئة من أصل خمسمئة طالب لا يمكنهم أصلاً الوصول إلى تلك المرحلة بسبب ضعف قطاع التعليم»، ثم يسأل «أليست «الأونروا» وكالة تشغيل أيضاً؟ فأين الوظائف للفلسطينيين؟ وهل فعلاً يؤخذ معيار الكفاءة بعين الاعتبار حين يتم توظيف البعض؟»
يذكر أنه منذ صباح أمس، قام تحالف اللجان الشعبية والأهلية الفلسطينية في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا بإقفال مكاتب «الأونروا» في المخيمين وأبقى على المستوصفات والمدارس التابعة لها. وتأتي الخطوة احتجاجاً على سياسات الوكالة وللمطالبة بتحسين مستوى الخدمات والرعاية الصحّية. وهي تأتي في إطار سلسلة من الاعتصامات التي كانت قد بدأت أمام المركز الرئيسي للوكالة كما أمام مكاتب تابعة لها في مخيمات أخرى. وتحدث خلال الاعتصام مسؤول التحالف في بيروت أبو وائل الذي طالب بتحسين الخدمات الصحية ورفع نسبة التغطية إلى تسعين في المئة، على أن تشمل الاستشفاء وجميع العمليات الجراحية، وعلاجات الأمراض المزمنة. وأشار إلى تمسك اللاجئين الفلسطينيين بالوكالة، الا أنهم يرفضون «الأساليب الملتوية والمكشوفة لإدارتها في تغطية تقصيرها بحجة عدم وجود تمويل».
إزاء هذا التحرّك كررت «الأونروا» تفهمها مطالب المعتصمين واعتبرتها مطالبها الخــاصة، وأكّدت سعيها جاهدة لحث الدول المانحة على زيادة تمويلها بهدف رفع مستوى تقديماتها لا سيما الصحية.
(السفير 30 نيسان 2011)