الجليل في غرفة المعاناة الفائقة

فيما تقف الأونروا، موقف المتفرج بذريعة نقص الأموال، يعكف أهل الخير من داخل المخيم وخارجه على مساعدة المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية في مخيّم الجليل. في هذا الوقت تفتك تلك الأمراض بحياة 15 عائلة فقيرة لا تتوفّر لها تلك المساعدة حلّاً
رامح حمية - الأخبار
«يا رجل فاتورة دواء بقيمة 27 ألف ليرة كسرتني. لو بعدني بشتغل كان هالمبلغ ما شي. بس هلق ما إلي حدا!». بالكاد أنهى الفلسطيني وليد عطور (57عاماً) عبارته، حتى تهدّج صوته وانهمرت دموعه. محرجاً كان من البكاء أمام غريب. لكن وصف حاله غلبه. فوليد، بعدما تركته زوجته، ترك عمله دهّاناً ليتفرغ لخدمة ولديه هشام (15 عاماً) وخلود (17 عاماً)، المصابين بمرض مزمن يسمى روماتيد (التهاب حاد بالعظم والمفاصل)، يفتك بعظامهم وأسنانهم، الأمر الذي يفرض عليه تكاليف علاجية كبيرة، يعجز عن توفيرها، وترفض الأونروا تغطيتها، فيضطر لقبول المساعدة من «أهل الخير.. ولو كانت خمسة أو عشرة آلاف ليرة!».

على هذه الحال، تعيش 15 عائلة فلسطينية في مخيم الجليل ـــــ بعلبك. المعاناة واحدة وإن تعدّدت أسماء الأمراض المستعصية التي يعانون منها، وليس أقلها الفقر. فمن التصلب الدرني، والنقص في خمائر الجسم، إلى نقص في المناعة وأنواع متعدّدة من الأمراض السرطانية. «كمّ» كبير من الأمراض لم يوفّر صغيراً في المخيم ولا كبيراً. وإذا كان بعض هؤلاء يعوّل على الأونروا بدواء أو مبلغ مقطوع شهرياً أو سنوياً، فالبعض الآخر منهم لفظته هذه صوب المؤسسات الخيرية الفلسطينية منها أو اللبنانية، فلم يجدوا في كلتيهما أيضاً أي سند أو عون، ليسلّموا أمرهم «لله وأهل الخير» كما تقول إخلاص كرزون والدة الطفلة آمنة جمعة (11عاماً)، المصابة منذ تسع سنوات بداء التصلّب الدرني.
جسد الطفلة النحيل، أرهقه الداء الذي انتشر في الدماغ والقلب والجهاز الهضمي بأكمله، ففتك بطفولتها البريئة وبمستواها العلمي، فهي ما زالت في الصف الثالث، فيما ينبغي أن تكون في الصف السادس. آمنة خضعت بحسب الوالدة والتقارير الطبية إلى أكثر من 5 عمليات جراحية، لاستئصال التدرنات، مشيرة إلى أن كلفة كل عملية كبيرة، فضلاً عن نفقات زيارة الطبيب في صيدا والجامعة الأميركية ومستشفى دلّاعة. «تكاليف العلاج بأكملها عبارة عن ديون علينا وبعض التبرعات اللي طلعت من خاطر أهل الخير»، تقول كرزون، مؤكدة أن طلبات المساعدة التي تقدموا بها للأونروا «ما عطت نتيجة، قالوا لازم نشوف المؤسسات الخيرية، بس كلهم رفضوا مساعدتنا. قالوا لنا: عندكم أونروا خليها تساعدكم».
الطفل كرم النمر (12 عاماً)، هو الآخر مصاب بمرض نقص الخمائر في الجسم، ما يعرضه دائماً لحالات نزيف دموي حاد. فاتورة العلاج «كتير غالية» كما يؤكد الوالد علي النمر، الذي يعمل بائع غاز في المخيم، «إذا بعنا قنينة غاز منتعالج ومنصرف، وإذا ما بعنا مننتظر مين يساعدنا» يقول. الأونروا لم تسعفهم «لأن كلفة العلاج كبيرة ولا يمكن تغطيتها». لم يوفّر النمر مؤسسةً خيرية، فضلاً عن وزارة الشؤون الاجتماعية «بس ما حدا كان يردّ علينا ويساعدنا»، مضيفاً أن الديون تتراكم عليه كثيراً حتى بات عاجزاً عن سدادها.
أما مريض سرطان الدم محمد يوسف (47عاماً)، فبدا وضعه مختلفاً بعض الشيء. الأونروا شملته برعايتها بمبلغ 650$ شهرياً (مبلغ مقطوع سنوياً قيمته 8000$). لكن يوسف «غير راض» عن قيمة التغطية، بالنظر إلى كلفة الدواء «الباهظة جداً» كما يقول، مشيراً إلى أن علبة دواء (كليفيك) الذي يحتاج منه إلى علبتين في الشهر، ثمنها 2000 $ (في العلبة الواحدة 60 حبة، بمعدل 4حبات يومياً)، الأمر الذي يفرض عليه الاقتراض والاستدانة لتوفير الدواء. يوسف عبّر عن سعادته بعلبة دواء وفّرتها له «مؤسسة فتّال»، قبل نهاية العام المنصرم، «ولو كان تاريخها بينتهي بنهاية العام»!.
كارم طه أحد مسؤولي مخيم الجليل أكد لـ«الأخبار» صحة ما تحدث عنه أهالي المرضى لجهة رفض الأونروا تقديم المساعدة للعديد من حالات المرض المستعصية والمزمنة، مشيراً إلى أن الذريعة دائماً «عدم وجود أموال لتغطية نفقات العلاج وتكاليفه». ولفت طه إلى أن الأونروا تكتفي فقط بتغطية تكاليف علاج الأمراض السرطانية، بمبالغ سنوية مقطوعة، ويعلق ساخراً: «ربما يظنون أن مريض السرطان سيموت قبل أخد المبلغ المقطوع كلّه»!. وكشف طه عن اجتماعات عديدة مع المدير العام للأونروا بهدف رفع سقف التغطيات المرضية وضمّ الحالات المستعصية، «لكن الردّ جاء بالوعود ورهن توفر الأموال» يقول طه.
من جهة ثانية، أوضح مسؤول في الأونروا (رفض ذكر اسمه) في اتصال مع «الأخبار» أن موازنة الأونروا «تعبانة جداً» بسبب توقّف الدول المانحة عن تقديم الدعم المالي، مشيراً إلى أن السنة الجارية افتتحت بموازنة 50 مليون دولار فقط، «وهيدا المبلغ ما بيسمحلنا نغطّي كل الحالات المرضية المستعصية والمزمنة في مخيم بعلبك. حتى وزارة الصحة اللبنانية وشركات التأمين يعجزون عن تغطيتها». وعن الحالات المرضية التي تغطيها الأونروا، نفى المسؤول معرفته بالعدد، كاشفاً عن سعي يقوم به المدير العام للأونروا بالنسبة إلى مرضى السرطان، «بفتح خط مع وزير الصحة، ذلك أن من الممكن العمل على توفير الأدوية الخاصة بهم من الوزارة مجاناً، خصوصاً أن غالبيتهم تتعدى فاتورة أدويتهم 4500 $ فيما تقتصر تغطيتنا السنوية لهم على 8000$ في السنة» يقول.
@@@
يؤكد كارم طه أحد مسؤولي مخيم الجليل في بعلبك، أن الأونروا تغطّي نفقات المنامة في المستشفيات وبعض العمليات الجراحية، بمبلغ مقطوع، وفقط في المستشفيات المتعاقدة معها، فيما يترتب على المريض دفع باقي الحساب. ومن العمليات الجراحية التي تغطيها الأونروا «القلب المفتوح بمبلغ 3000$، فيما عملية التمييل الخاصة بشرايين القلب لا تغطيها، علماً أن كلفتها 600$». مشدداً على «أن المشكلة الأساسية تكمن في تغطية نفقات علاج الأمراض المستعصية والعمليات المطلوبة لها».
(الأخبار 23 نيسان 2011)