شهدت الأشهر القليلة الماضية اضطرابات واحتجاجات متكررة في أكثر من مستشفى حكومي من بينها مستشفيات حاصبيا وجزين والبترون وراشيا ورفيق الحريري الجامعي ومستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الحكومي في العرقوب وغيرها، نفذها العاملون في المستشفيات احتجاجا على عدم قبض رواتبهم ومستحقاتهم وغياب المبادرات الإنقاذية من المسؤولين والمعنيين.
وتؤدي تلك التحركات غالباً إلى شلل تام في مختلف أقسام المستشفى وينعكس ترديًا ملحوظًا على نوعية الخدمات الطبية والصحية والادارية والعلاجية المقدمة للمرضى والمواطنين الفقراء. ويبرز كل ذلك مدى الخلل الكبير في القطاعين الصحي والإستشفائي اليوم في لبنان الناتج عن الإهمال والتهميش الرسمي، مقابل الدعم المالي المفرط للمستشفيات الخاصة. وإلى جانب تلك السياسة القديمة العهد التي تنتهجها الدولة اللبنانية، والتي تغدق بموجبها اموال المواطن للمستشفيات الخاصة، نرى أيضاً بعض المحاولات الحثيثة لخصخصة عدد من المستشفيات الحكومية بذريعة أن عجزها يكبّد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مبالغ كبيرة، ومستشفى البترون الحكومي أكبر دليل على ذلك.
ولعل الإحصاءات تدعم ما سبق، ففي تحقيق لها، نشر في "مجلة الشهرية" العدد الرقم 90 الصادر في نيسان 2011، حول مسارب الهدر في قطاع الصحة وفي كلفة الإستشفاء، كشفت "الدولية للمعلومات" أن الاعتمادات المخصّصة لوزارة الصحة العامة من أجل تأمين استشفاء اللبنانيين غير المنتسبين لأيٍّ من المؤسسات الحكومية الضامنة بلغت 320 مليار ليرة في مشروع قانون موازنة العام 2010 مقارنةً بـ 305 مليارات ليرة في مشروع قانون موازنة العام 2009. وتوزّعت هذه الاعتمادات في العام 2009 بين القطاعين العام والخاص على الشكل التالي: الإعتمادات المخصّصة للمستشفيات الخاصة ١٨٨,٢ مليار ليرة لبنانية، وتلك المخصّصة للمستشفيات الحكومية 35.1 مليار ليرة لبنانية. ويظهر من خلال إحصاءات قامت بها "مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي" في العام 2007 أن عدد المستشفيات الحكومية بلغ 30 مستشفى ( الكثير منها غير فاعل )، من أصل نحو 171 هو العدد الإجمالي للمستشفيات في لبنان، مما يؤكّد اعتماد لبنان على القطاع الخاص بشقيه التجاري (95 مستشفاً) والطوائفي (46 مستشفاً). وبالرغم من هذا الواقع المأساوي الذي يتخبط به القطاع الصحي، نرى المسؤولين لا يزالون يتباهون بالإنجازات وعلى رأسها خفض الفاتورة الصحية العامة لكن دون المس بالخلل الاساسي!!