يعاني النظام التربوي في لبنان خللاً بنيوياً يؤدي الى تفوق القطاع الخاص على الرسمي بأشواط سواء على مستوى النوعية أو على مستوى "التكلفة" المرتفعة، التي أصبحت تشكّل أرقاً للأهالي الذين يختارون القطاع الخاص ليسلموه مهمة تربية الأجيال على أمل ان يتخرج أبناؤهم ويدخلوا سوق العمل لتأمين مستقبلهم. ولعلّ قضية مدرسة الليسية-فردان، التي يعيش أهالي تلامذتها صراعاً مع الإدارة التي عمدت إلى فرض زيادة عشوائية في الأقساط أوصلت القضية إلى مجلس محكمة المجلس التربوي ليكون الفيصل في الحكم، تعتبر مثالاً حيّاً للتكاليف الخيالية التي يتكبدها المواطن/ة اللبناني/ة لكي يوفر/توفر لابنائه/ها تعليم متميز.
ووفقاً لـ"مؤشرات النظام التعليمي اللبناني" التي ينشرها المركز التربوي للبحوث والانماء كل سنتين، يستحوذ القطاع الخاص بالحصة الكبرى من عدد التلامذة المنتشرين على الأراضي اللبنانية، إذ بلغ عدد الطلاب الملتحقين بالقطاع الخاص ( المجاني وغير المجاني) 608881 تلميذاً نهاية العام الدراسي 2009- 2010، أي ما نسبته 60% من مجموع عدد الطلاب في لبنان، مقابل 284923 تلميذاً في القطاع الرسمي.
وينقسم قطاع التعليم الخاص إلى جزأين: احدهما مدارس "محض" خاصة أفرز العديد منها النظام الطائفي السائد، إذ عمدت الطوائف الكبرى الى إنشاء مؤسسات تعليمية تقدم مستوىً أكاديمياً جيداً (يتفوق غالباً على المستوى الذي تقدمه الدولة) و ذلك استناداً الى الحق الذي كفله الدستور اللبناني. أما الجزء الثاني فهي المدارس الخاصة المجانية، التي تدفع لها الدولة بدلاً سنوياً يبلغ نحو 750 ألف ليرة عن كل تلميذ، أي اكثر من 20 مليون دولار أميركي تخصصها الحكومة سنويا لتلك المدارس، على الرغم من قدرة المدارس الرسمية على استيعاب الكثير من تلامذة المدارس المجانية.
ان المطّلع على واقع المدارس الخاصة في لبنان يدرك أنها تتمتع بدرجة عالية من "الحكم الذاتي"، إذ لا رقابة ميدانية مباشرة لوزارة التربية عليها، إضافة إلى تفردها بوضع جدول عطل خاص بها، لا تلتزم من خلاله احياناً بالعطل الرسمية الصادرة عن الحكومة اللبنانية. ويمكنه ايضا ملاحظة تزايد أقساطها المرتفعة اصلا، بإستمرار كل عام، وفي بعض الأحيان في منتصف العام الدراسي، حيث وصلت هذه الزيادة في سنة واحدة إلى ما يقارب النصف مليون ليرة لبنانية في بعض هذه المدارس. ومما يفاقم الاختلال الحالي بين القطاعين الرسمي والخاص توجه موظفي/ات الدولة اللبنانية لتسجيل اولادهم في المدارس الخاصة. وتجدر الاشارة هنا ان الدولة اللبنانية تخصص نحو135 مليار ليرة لبنانية (اي 90 مليون دولار) لموظفيها على شكل مساعدات مدرسية تذهب باكثريتها الى المدارس الخاصة. وبهذه الطريقة تكون الدولة اللبنانية قد دعمت بصورة غير مباشرة المدارس الخاصة مكرسة تفوقها على الرسمية في وقت تفتقر الاخيرة الى الموارد المالية التي تحتاج اليها لاجراء الإصلاحات البنيوية الضرورية، ورفع مستوى جودة التعليم فيما معظم الأساتذة في القطاع الرسمي يعانون من عدم دفع رواتبهم بحجة عدم وجود أموال كافية!
و في الختام، ما يثير الدهشة هو ان كافة الخطط التربوية التي وضعتها وزارات التربية المتعاقبة على لبنان قد اهملت معالجة هذا الاختلال البنيوي في النظام التربوي محجمة عن تعزيز المدارس الرسمية ودعمها مادياً ولو على حساب تقليص حجم المساعدات للمدارس الخاصة ووعن تشديد الرقابة الميدانية على المدارس الخاصة بغية تعزيز مفاهيم المواطنة ومحاربة الطائفية.