شكل استماع الصحافيين إلى زملاء لهم وهم يتحدثون عن تجارب في حقل الصحافة المتعلقة بقضايا الإعاقة في لبنان، إيجابية وحيدة في حلقة النقاش التي دعت إليها «البعثة الثقافية لدى السفارة في لبنان»، و«جمعية متخرجي الدراسات العليا في الصحافة الناطقة بالفرنسية»، في «المركز الثقافي الفرنسي» في بيروت مساء أمس الأول. وأتت الحلقة ضمن إطار سلسلة نقاشات حول «الصحافة والقضايا الاجتماعية»، عنوانها «الصحافة ومدى التزامها بالدفاع عن قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة».
خلت الحلقة من عرض لأي دراسة استقرائية حول مدى التزام الصحافة اللبنانية بالدفاع عن قضايا الإعاقة، أو عن منطلقات ذلك «الالتزام»، أو عن المعايير المهنية المفترضة للتعامل المطلوب مع تلك القضايا. لكنها لم تخل من توجيهات، مباشرة وغير مباشرة، لطالما سمعها الصحافيون حول التمييز الإيجابي تجاه قضايا الأشخاص المعوقين، بالإضافة إلى أن الأشخاص المعوقين حركياً من مستعملي الكراسي المدولبة كان عليهم أن يصلوا إلى القاعة من الباب الخلفي «تسهيلاً لدخولهم»!. وتمحورت الجلسة التي ضمت عددا من الصحافيين إلى منسّقة برنامج «أفكار» يمنى شكر غريّب، حول عرض وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال سليم الصايغ لجملة من المبادئ التوجيهية، وتناول رئيس «وحدة الرصد العربية لمتابعة اتفاقيات الأشخاص ذوي الإعاقة» نواف كبارة لبدء تعاطي الإعلام في لبنان مع قضايا الإعاقة منذ ثمانينات القرن الماضي، في ظل غياب تطبيق القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين. فيما تحدثت الزميلة تانيا مهنا من «المؤسسة اللبنانية للإرسال» حول هيمنة الخبر السياسي على ما عداه في الصحافة المحلية. وعرض الزميل فادي الحلبي من «تلفزيون المستقبل» لنماذج من تعامل الصحافة المرئية مع القضايا.
إلا أن أكثر ما يثير الاستغراب أن «جمعية المتخرجين»، إحدى الجهتين الداعيتين إلى الحلقة والتي تضم صحافيين في مجالات عدة، عممت في الحلقة إساءات مباشرة للأشخاص المعوقين عبر استخدام الألفاظ الدالة على الإعاقة من باب الانتقاص. فالإساءة لم تنحصر في عنوان بيانها الذي وزع في الحلقة، تحت عنوان «الجمعية تدافع عن الأشخاص ذوي الإعاقة: لا للشلل الرسمي ولا للصمم الإعلامي». بل تعداه إلى النص ليستعمل الألفاظ المتعلقة بالإعاقة في كل ما تريد الجمعية أن تنتقص من شأنه، معتبرة أن «الإعاقة أبعد ما تكون عن النقص الجسدي والضرر النفسي، بل تتعداهما لتصيب الأذهان والنفسيات، إذ ان كثراً من القيمين على إدارة شؤون الناس ممن يعتبرون أنفسهم أصحاء، قد أعمتهم مصالحهم وسمّرتهم على كراسيهم ولا يدور بينهم إلا حوار طرشان...»، مؤكدة على أن تكون «وسائل الإعلام الأذن الصاغية والصوت المدوي في مواجهة ظاهرتي التخلف العقلي في التعامل مع مشكلة الإعاقة والشلل المزمن الذي يصيب عملية تنفيذ القانون 220/2000». يبدو أن الجمعية، وهي تخوض في غمار «الدفاع عن الأشخاص المعوقين» قد أغرقتهم بالإساءات. وهي تصف الآخرين بالنقص من خلال استعمال مصطلحات الإعاقة التي عفا عنها الزمن. والتي تقف على طرف النقيض من الاتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص المعوقين الصادرة منذ أربع سنوات عن الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
ربما نحتاج إلى وقت طويل لمقاربة «مدى التزام الصحافة اللبنانية بالدفاع عن قضايا الإعاقة»، أو مفهوم «الترويج الإيجابي للحقوق عبر الإعلام»، الذي تخطتنا فيه دول عربية من حولنا. وكذلك عن نقل التعامل مع قضايا الإعاقة إعلامياً من النموذجين الطبي والخيري إلى النموذج الحقوقي الاجتماعي. فلا نزال في الخطوة الأولى نحو استخدام المصطلحات التي لا تسيء إلى حركة الإعاقة في لبنان، تلك التي خاضت منذ العام 1981 أشرس النضالات المدنية في لملمة مطالبها وصياغتها في قانون، ثم تسعى منذ عقد من الزمن إلى استصدار المراسيم التطبيقية لتشريع لا يزال بمعظمه حبرا على ورق.