توضب هدى دفاتر تلامذتها والكثير من وسائل الايضاح التي تحتاج اليها كمدرّسة في التعليم الأساسي الرسمي. وتغادر منزلها في مدينة الهرمل كل صباح وصولاً إلى مدرسة «جوار الحشيش» في جرود الهرمل، في رحلة يومية تجتاز أثناءها ما يقارب السبعين كيلومترا ذهابا وإيابا، عبر أودية وطرق تملؤها المنعطفات والمنحدرات المحفوفة بالخطر، وخصوصا في فصل الشتاء بسبب تشكل الجليد وتراكم الثلوج التي تغطي معظم طريق تلك البلدة المنسية في أعالي جرود الهرمل.
يتحول ذلك العمل إلى نشاط يومي لمدرِّسة اللغة العربية، منذ أن أنهت دراستها الجامعية قبل خمس عشرة سنة. وقررت امتهان التعليم الذي بدأته كمتعاقدة. واستطاعت هدى الشابة تحقيق حلم طفولتها بعد تخرجها من الجامعة، لتؤدي الدور الحقيقي الذي كان مجرد «لعب أولاد»، ولكن لا يطول الوقت كي تكتشف أنها باتت أسيرة حلم آخر يزيد عمره على الخمسة عشر عاما، وهو العيش وفقاً للحد الادنى من شروط الحياة الكريمة. وتسأل نفسها يوميا حول الأسباب التي تحول دون تحقيقه حتى الآن، بالرغم من قيامها بواجباتها على أكمل وجه.
ويتكرر السؤال نفسه لدى سمية، وهي مدرّسة متعاقدة وناجحة كـ «فائض اسمي» في المباراة التي أجراها مجلس الخدمة المدنية للمدرسين المتعاقدين في التعليم الأساسي قبل حوالى السنة ونصف السنة، من دون أن تصل إلى إجابة شافية عليه في بلد، باتت تردد دائما أن «مسؤوليه لا يحترمون حتى أكثر الحقوق الإنسانية بساطة لأبنائه». ويكفي للدلالة على ذلك أن يفتقد من يقومون بتربية أجياله حقوقهم البديهة في الحصول على راتب شهري وبدل انتقال وضمان صحي... وكأنه العمل الذي بات أقرب إلى «السخرة». وتأتي الإجابة دائما: «أنت متعاقدة». وتسأل سمية مرة أخرى: «وهل التعاقد يعني العودة لنظام العبودية في القرن الواحد والعشرين؟».
ويرفع عضو لجنة المتابعة للمدرسين المتعاقدين الناجحين في مباراة مجلس الخدمة للتعليم الأساسي (الفائض الاسمي) عبد العزيز شهاب الصوت، مؤكداً على أن ما يتعرض له المتعاقدون في التعليم الأساسي منذ سنوات يفوق الوصف. ويشكل انتهاكا للحد الأدنى من حقوق الإنسان، ويضيف شهاب قائلا: «إن وزارة التربية والحكومات المتعاقبة تعمد مع بداية كل عام دراسي إلى تلبية حاجاتها للمدرسين بواسطة التعاقد الذي يحرم المدرس جميع حقوقه الحياتية، والذي أصبح يقتصر بعرف المسؤولين اللبنانين على بدل ساعة زهيد، لا يغني ولا يسمن من جوع، ناهيك عن التأخير في دفع المستحقات الذي يصل أحيانا إلى السنتين».
ويضيف شهاب: «ان الاوضاع الحياتية المأساوية، دفعت بالمدرسين المتعاقدين إلى تنفيذ سلسلة طويلة من الإضرابات والاعتصامات والتظاهرات، التي انتهت بإقرار قانون لتثبيتهم عام 2002 حمل الرقم 442. وأرفق القانون بجدول يحدد حاجات المدارس الرسمية للمدرسين في حينه، ولكن تم وضع القانون في الأدراج، ما دفع بالمدرسين المتعاقدين مجدداً إلى إطلاق تحرك آخر لتنفيذ القانون المذكور عام 2009، مما فرض تنفيذه وإجراء المباراة التي نص عليها، من دون أن يتم تعديل جدول الحاجات المرفق به، والتي تضاعفت خلال المدة الزمنية الفاصلة بعد إقرار القانون، والتي امتدت لما يزيد على الست سنوات، بما يتناسب والحاجات الجديدة». ويرى شهاب أن ذلك «أدى إلى إبقاء حوالى 700 مدرس ناجح في المباراة خارج الملاك، برغم أن حاجة وزارة التربية للمدرسين، تزيد على الثلاثة آلاف مدرس، أي ما يفوق عدد الناجحين والذين تم تصنيفهم كفائض». وشكل ذلك «سبباً كافياً لتقديم اقتراح قانون جديد من أجل إلحاقهم بملاك الوزارة. وتم إقراره من قبل لجنتي التربية والإدارة في المجلس النيابي، وينتظر الإقرار في لجنة المال والموازنة منذ أشهر، وهي الخطوة الاخيرة قبل تحويله إلى الهيئة العامة، بغية إقراره النهائي وتطبيقه». ويستغرب شهاب «التأخير من قبل لجنة المال في إقرار اقتراح القانون»، مؤكدا على أن «ذلك لم يعد مقبولا مهما كانت الأسباب والمبررات». ويأمل من اللجنة المعنية «انجازه من دون أي تأخير، وقبل أن تجد لجنة المتابعة نفسها أمام ضرورة اعتماد الخطوات التصعيدية كالإضراب والاعتصام». وناشد شهاب رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان وضع مشروع القانون على جدول أعمال اللجنة وإقراره.
وتلفت رئيسة «رابطة المعلمين في التعليم الأساسي في بيروت» عايدة الخطيب إلى أن «الحاجة كبيرة للمعلمين الناجحين كفائض في التعليم الأساسي، وهو ما تؤكده الإحصاءات الأخيرة لوزارة التربية، واستمرارها في التعاقد مع أعداد متزايدة من المعلمين». ودعت الخطيب «لجنة المال والموازنة إلى الإسراع في إقرار اقتراح القانون، القاضي بتثبيت المعلمين في ملاك وزارة التربية». وتسجل الخطيب رفضها «للقاعدة التي بدأت الوزارة باعتمادها قبل سنوات لجهة تثبيت المعلمين، وفقا للأقضية والمحافظات»، مطالبة بـ «اعتماد قاعدة تثبيت المدرسين على أساس وطني، بحيث يمكن إلحاق المدرس الناجح في أي مدرسة وفي أي مكان من لبنان، من دون رهن ذلك بالمحافظة والقضاء، وهو ما تقتضيه الأسس التربوية والوطنية في الوقت عينه».(السفير 17 حزيران2011)