هدّد رئيس جمعيّة أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، مرة أخرى، بوقف استقبال مرضى الضمان الاجتماعي، اعتباراً من تموز المقبل، إذا لم يقرّ الصندوق آليّة جديدة لسداد الفواتير عبر سلفات ماليّة شهريّة. أسلوب معهود من أصحاب المستشفيات، لكن الضمان نائم، حتى إن تهديدات هارون لم تستحق الذكر في اجتماع مجلس الإدارة أمس!
محمد وهبة
مرّة جديدة يقع المضمونون تحت رحمة تهديدات أصحاب المستشفيات الخاصة؛ إقرار السلفات المالية الشهرية... وإلا وقف استقبال مرضى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. لا إدارة الصندوق تمكنت من ردعهم، ولا هم أبدوا اهتماماً بغير تجارتهم في سوق الاستشفاء وتعزيز نسب ربحيتها. اعتادوا على استعمال المضمونين ورقة للتفاوض مع إدارة الصندوق على مطالب يدّعون أنها ضرورة لا يمكن التنازل عنها تحت أي ظرف. استعملوا كل الطرق لزيادة الضغوط؛ اشتكوا مراراً أمام وزير الصحة محمد خليفة، ووزير العمل بطرس حرب. روّجوا بأن المستشفيات تخسر مبالغ ضخمة تؤدي إلى إقفالها، تحالفوا مع حرب لتنفيذ إضرابات وتحرّكات تصعيدية... لكن ما تظهره الوقائع، وما يدلي به المسؤولون في الصندوق يكشف أن المبالغ المتراكمة والمستحقة للمستشفيات حتى نهاية عام 2010 لا تخرج عن حجمها الطبيعي، وأن مدفوعات الصندوق في هذه السنة تحديداً تصل إلى 70% من المبالغ المستحقة، فلماذا إطلاق تهديد المستشفيات اليوم؟
أسلوب تهديدي
قبل يومين، أطلق رئيس جمعية أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، تهديداً واضحاً وصريحاً يؤكد فيه أن عدم سداد الصندوق سلفات مالية تحت حساب الفواتير المتأخرة سيدفع المستشفيات إلى التوقف عن استقبال مرضى الضمان اعتباراً من تموز المقبل.
في الواقع، استعملت المستشفيات الخاصة هذا الأسلوب التهديدي خلال السنوات الأخيرة لمطالبة صندوق الضمان بزيادة التعرفات الاستشفائية، ولمطالبته أيضاً بدفعات مالية من مستحقات لم تنجز فواتيرها بعد. إلا أن تهديدات هارون الأخيرة تسوّق لمسألة السلفات المالية على أنها تعويض للمستشفيات من الضمان بسبب رفضه إقرار زيادة التعرفات الاستشفائية، فضلاً عن أنها توحي بأن الضمان مقصّر لجهة سداد المبالغ المستحقة لها عن استشفاء مرضى على عاتق الضمان، أي أن لها مبالغ ضخمة متراكمة بذمة الصندوق يؤدي عدم سدادها إلى وضع المستشفيات في مأزق مالي. في المقابل، لم يكن المشهد في الضمان منسجماً مع كونه مسؤولاً عن أكثر من مليون مستفيد على عاتقه باتوا مهددين من كارتيل المستشفيات. فهذه التهديدات لم تناقش ولم يُردّ عليها بعد، رغم علم المستشفيات بأن السلفات الشهرية من الصندوق للمستشفيات أمر يحتاج إلى تعديل في نظام الصندوق، وبالتالي يجب أن يخضع لدراسة من اللجنة الفنية، ثم يناقش في مجلس الإدارة حيث يقرّ الاقتراح بصيغته النهائية.
مدفوع أم متراكم؟
على أي حال، إن الوقائع المثبتة لدى الضمان تشير إلى وجود وضع مغاير لما يروّج له؛ فالمستشفيات الخاصة قبضت من صندوق الضمان في عام 2010 مبلغ 310 مليارات ليرة، منها 54 مليار ليرة حصّة الأطباء العاملين في هذه المستشفيات. وإذا احتسبت المدفوعات في عام 2011 تكون قد قبضت أكثر من 400 مليار ليرة.
أما بالنسبة الى المبالغ المتراكمة، فهي في هذه الحالة ليست أمراً غير اعتيادي. وبحسب مسؤولين في الصندوق، فإن فواتير الاستشفاء تأتي من المستشفى إلى مكاتب الصندوق في المناطق بعد شهرين من الاستشفاء الفعلي، ثم تمرّ في مراحل إدارية وتدقيق وتصفية لتبلغ مرحلة الدفع. هذه الرحلة بكاملها تستغرق في الحالات العادية ما بين 10 أشهر وسنة، والمستشفيات تعلم ذلك، إلا أنها لم تسجّل أي اعتراض عليها سابقاً. فما الذي يدفعها إلى التهديد والوعيد الآن؟
بدل من مرفوض
بحسب ما هو متداول من معلومات، فإن فكرة السلفة المالية للمستشفيات ولدت بعدما تأكّدت المستشفيات من أنها استنفدت كل السبل للحصول على زيادة للتعرفات الاستشفائية مع الضمان. كانت حجة الصندوق أن لديه عجزاً مالياً لا يسمح له بإقرار مثل هذه الزيادة التي تبلغ كلفتها 100 مليار ليرة. لكن أصحاب المستشفيات مارسوا ضغوطاً واسعة وتحالفوا مع وزير العمل بطرس حرب ونفّذوا حرّكات احتجاجية... إلى أن اقتنعوا بأن زيادة التعرفات مربوطة بزيادة الاشتراكات «المستحيلة» حالياً. عندها قبلوا بما عرض عليهم في اجتماع دعا إليه وزير العمل بطرس حرب بوصفه وصيّاً على الضمان، لمناقشة زيادة التعرفات الاستشفائية. حضر الاجتماع رئيس مجلس الإدارة طوبيا زخيا، المدير العام محمد كركي، رئيس اللجنة الفنية في الصندوق سمير عون، مستشارو الوزير، ووفد من نقابة أصحاب المستشفيات الخاصة. وفجأةً برز اقتراح أن يسدّد الضمان للمستشفيات سلفات مالية بوصفها خطوة «مقدور عليها».
ظلت المسألة مطروحة بين الردّ والإيجاب طيلة هذه الفترة، إلى أن أقرّتها هيئة مكتب الضمان في 22 آذار 2011، ثم بدأ إعداد مشروع لتعديل النظام باتجاه السماح للصندوق بسداد سلفات مالية شهرية للمستشفيات تحت الحساب، وأُحيل الأمر إلى اللجنة الفنية لإبداء رأيها. في ذلك الوقت، أي قبل أسابيع، تلقى كركي دعوة من المستشفيات لحضور جمعية عمومية، حيث تعهد بسداد السلفات. غير أن الوقائع المتوافرة بيد اللجنة الفنية تؤكّد أن المبالغ المتراكمة لم تتجاوز الوضع المعتاد الذي كان قائماً منذ سنوات طويلة بين الضمان والمستشفيات. لذلك، لا تزال مترددة في إبداء رأي إيجابي لمصلحة تعديل النظام ودفع سلفات شهرية للمستشفيات، وقد طلبت من إدارة الصندوق تبيان الأسباب الموجبة لمثل هذه الخطوة، ولا سيما حساب المستحقات للمستشفيات لمعرفة المتراكم والمسدد. فما تبيّن للجنة، حتى الآن، أن هناك ما نسبته 70% من قيمة فواتير الاستشفاء العائدة لعام 2010 مسدّدة من قبل الضمان حتى الآن. فما هي دواعي تغيير آلية دفع الأموال للمستشفيات؟ ولماذا يُسمح للمستشفيات بأن تأخذ المضمونين رهينة كلما كان لها مطالب من الصندوق؟
251150
هو عدد معاملات دخول مرضى الضمان إلى 121 مستشفى متعاقدة مع الضمان الاجتماعي في 2010 بمتوسط 1.25 مليون ليرة للمعاملة الواحدة
2.5 مليون ليرة
هو أعلى «متوسط قيمة المعاملة الاستشفائيّة الواحدة» مسجّل في الضمان في السنة الماضية، ويعود إلى مستشفى الجامعة الأميركيّة
26.3 مليار ليرة
هي قيمة المبالغ التي يتوقّع صندوق الضمان أن يدفعها شهرياً للمستشفيات في حال إقرار نظام السلفات الشهرية
الأرصدة الواجب سدادها
يتوقع المدير العام لصندوق الضمان الاجتماعي محمد كركي، أن تسدد المبالغ المتراكمة للمستشفيات، والتي توازي فترة زمنية تعادل سنة، عن طريق زيادة 20% على قيمة السلفات الشهرية التي ستُدفع لها إلى حين الانتهاء من الأرصدة الواجب سدادها