متى فتح مستشفى حاصبيا الحكومي أبوابه أمام المرضى ليقفلها؟ سؤال يكرّره أهالي المنطقة هناك، كلما «عنّ» على البال ذكر المستشفى. يقلقهم مستقبل ذلك المكان، الذي حرموا إياه بسبب «المحاصصة السياسية» التي لم تُبقِ محلاً للكفاءة فيه. لكن هذا المستشفى الذي أقفل في وجه محتاجيه، لا تزال إدارته مستمرة في عملها، رغم انتهاء صلاحيتها، وتقوم بالتوظيف، خلافاً للقانون، مع أنها تعاني «تخمة» في الموظفين
أسامة القادري
حاصبيا | بمكالمةٍ هاتفية، افتتح وزير الصحة العامة السابق محمد جواد خليفة مستشفى حاصبيا الحكومي، في اليوم الثالث لبدء العمليات العسكرية الإسرائيلية عام 2006. يومها، لم يكن مقرراً افتتاحه بهذه السرعة، لكن احتمال سقوط الشهداء والجرحى، دفع خليفة إلى اتخاذ هذا القرار، على أن يقتصر العمل «في فرعٍ واحد من فروع قسم الجراحة والاستشفاء الثلاثة».
استبشر أبناء المنطقة خيراً، وهم المحرومون من الخدمات الطبية، لكن «يا فرحة ما تمّت»؛ إذ لم يلبث الفرع اليتيم العامل أن أقفل أبوابه في المرحلة الأولى من عمله، لأسبابٍ كثيرة، لعل أهمها «فشل عمل الجهاز الإداري المسؤول، القائم على المحاصصة السياسية»، إضافة إلى الأسباب الروتينية المتعلقة بـ«عدم قدرة المستشفى على تغطية نفقات الموظفين والأكلاف المرتفعة في تشغيله». هذا ما يقوله الموظفون هناك، وما قاله خليفة في أحد الاجتماعات مع اللجنة التي ألفها الموظفون لمتابعة التأخير في دفع مستحقاتهم المتراكمة.
هكذا، أقفل القسم أبوابه أمام المرضى والجرحى، بعدما كان يستوعب 22 سريراً. لكن المفارقة أن هذا الإقفال لم ينسحب على الإدارة التي تستمر إلى الآن في عملها، والتي يزيد عديد موظفيها كل حين. والدليل على ذلك ما حدث الأسبوع الماضي؛ إذ وافق مجلس الإدارة المنتهية صلاحيته منذ الرابع والعشرين من حزيران عام 2009 على توظيف أربعة، رغم أن عديد الموجودين أكثر من كافٍ، ويبلغ نحو 73 موظفاً. وأكثر من ذلك، لم يتقاضوا أجورهم منذ تسعة أشهر.
قد لا يبدو كافياً الحديث من «برّا» عن حال المستشفى؛ إذ لا بد من زيارته ورؤية حاله عن كثب. هنا، قد تكفي جولة واحدة على قسم المستشفى العلوي لرسم الصورة الحقيقية. صورة بشعة ومزرية، تبدأ من المصعد المعطّل منذ زمن ولا تنتهي داخل الغرف التي نسج فيها العنكبوت بيوتاً تدلت كالستائر على النوافذ والجدران.
غرف وأبواب وأسرّة أتعبها الغبار. حتى المراحيض لم تعد موجودة، وقد اقتلعت من مكانها. أما حاضنة الأطفال «الكوفاز»، فلها حكاية أخرى. فهذه الأخيرة لم تعد تظهر فيها أسرّة الأطفال الصغيرة من كثرة الغبار والأوساخ.
كل ذلك بكفّة، و«السياسة بكفّة أخرى»، تقول لينا خير الدين، إحدى الموظفات في المستشفى، والعضو في لجنة المتابعة.
ترجع الموظفة إلى ما قبل خمس سنوات: إلى البداية. تقول إنه «في حينها، نجح العمل داخل المستشفى بعض الشيء، إلا أنه سرعان ما تراجع بسبب عدم قدرته على تغطية نفقات الموظفين والأكلاف في تشغيله، إلى أن أقفل أبوابه». لكن المشكلة ليست هنا، بل في «مكانٍ آخر»، تقول. أين؟ تجيب: «في الإدارة، إذ حوّل الأطراف السياسيون الذين يتقاسمون مجلس إدارة المستشفى هذا المكان إلى مقر للمحاصصات، وخصوصاً في ملف التوظيف». وتردّ فشل المستشفى في عمله إلى «هذا الطاقم السياسي الذي ينوب عنه الجهاز الإداري المسؤول».
تؤكد خير الدين هذا القول، بالإشارة إلى كلام خليفة في إحدى الجلسات التي استقبل خلالها لجنة المتابعة لملف المتأخرات. حينها، قال خليفة إن «أزمة المستشفى سببها إدارته الفاشلة، وعندما يقدم المجلس الإداري استقالته تحلّ هذه الأزمة». جواب الوزير في ذلك الاجتماع كان سبباً لزيارة كل من رئيس الحزب القومي أسعد حردان (النائب عن حاصبيا) ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني طلال أرسلان لحل المسألة «حبّياً»؛ لأن رئيس مجلس إدارة المستشفى كمال النابلسي هو «ممثل» الحزب القومي في المنطقة ومدير المستشفى حسام خير الدين «ممثل» الحزب الديموقراطي.
إذاً، الأزمة سياسية. على هذا الرأي يتوافق الكل، ومنهم الممرضة غادة مسعود. لكن، بالتأكيد ثمة أسباب أخرى نتجت من هذه الأزمة وأسرعت في إقفال المستشفى، منها «العجز الذي زاد على مليار ليرة، فضلاً عن النقص في الأدوية والمواد الطبية، وعدم صيانة المعدات المعطلة»، تضيف مسعود. وتتذكر حادثة حصلت مع زميلاتها، عندما اضطررن «إلى حمل أحد المرضى على كرسي عادي من الطبقة الأرضية إلى الطبقة العلوية، صعوداً على السلالم».
لكن النقمة، على ما يبدو، لا تقتصر على مجلس الإدارة الذي عطّل العمل، بل أيضاً على المعنيين «الذين لم يتحركوا لحل الأزمة، رغم صدور قرارين للتفتيش المركزي شهري آذار وأيار من العام الجاري، حددا المشاكل والثُّغَر المالية والإدارية، وحمّلا المسؤولية كاملة لمجلس الإدارة».
نقمة انتقلت بالتواتر إلى الأهالي. وهنا، يصبّ أبو حسن الحمر، أحد أبناء مدينة حاصبيا جام غضبه على المسؤولين ونواب المنطقة «الذين تشبه حالهم حال المستشفى، لا بنشوفهم ولا بشوفونا، ولا بفوتوا بيوتنا ولا بيفتحوا بيوتهم». وينتقد تصرف أحد النواب هناك الذي لا يبعد منزله أكثر من 50 متراً عن المستشفى، «ومع ذلك ما بيشوف وبيسأل كيف وضعها، مع أنه مضطر يمر حدها». من جهته، يرى الناشط الاجتماعي عاطف مداح، ابن بلدة ميمس في قضاء حاصبيا، أن حل الأزمة المستعصية «موجود لدى السياسيين، فكما تقاسموا الحصص فليتقاسموا المسؤولية»، مقترحاً «تغيير مجلس الإدارة الحالي، وتعيين آخر من الكفاءات، إضافة إلى تقديم مبلغ للمستشفى سلفةً مؤجلة إلى أن يصبح قادراً على الانطلاق من جديد».
أما أبناء قرى منطقة العرقوب، فرأيهم أن ما وصل إليه حال مستشفى حاصبيا لا يعنيهم مباشرة؛ لأن «الجميع يتعاطون معه على أساس أنه خاص بحاصبيا، حتى التوظيف فيه استثنوا منه أبناء المنطقة، مع أن فيها كفاءات تمريضية وأطباء». لكل هذا لا «يعنينا».