تتباهى وزارة الصحة منذ أمد قريب وبشكل متكرر بالتحسّن الذي طرأ على خدماتها وتقديماتها الإستشفائية، الأمر الذي دفعنا إلى متابعة هذا الملف من خلال رصد واقع المستشفيات الحكومية في لبنان بحسب المعلومات التي توفرت لدينا. وقد واجهنا خلال بحثنا صعوبة في الحصول على معلومات دقيقة من الموقع الرسمي لوزارة الصحة العامة في لبنان، لذا اعتمدنا أيضاً على متابعة أخبار الصحف والتحقيقات التي نشرت في الأسابيع الماضية والتي كان أبرزها ما نشر في صحيفة "السفير".
من أهم المشاكل التي واجهتنا كانت تحديد عدد المستشفيات الرسمية التي أنشأت فعلاً وليس بموجب التخطيط والقرارات الإدارية، حيث وجدنا أنه على الموقع الرسمي لوزارة الصحة هناك لائحة تضم 29 مستشفىً حكومياً، تمّ إنشاء مؤسسات عامة لإدارتها وتعيين أعضاء مجلس إدارة لكل منها، بينما هناك لائحة أخرى تظهر أن عدد المستشفيات المشغلة هو 23 مستشفى.
من جهتها، تشير صحيفة "السفير" الى أن هناك 22 مستشفى حكومياً منتشراً في مختلف المناطق اللبنانية التي لا تصلها خدمات المستشفيات الخاصة ما يحتّم عليها أن تكون فاعلة. وعلى الرغم من صعوبة تقدير عدد الأسرّة الفعلية للمستشفيات الرسمية، يقدّر هذا المجموع بحسب "السفير" بنحو 1500 سرير من اصل 2872 سرير وفق الخطط الحكومية الرسمية أي أن 10% فقط من القدرة التشغيلية المفترضة للمستشفيات الحكومية تعمل حالياً، مقابل نحو 10.000 سرير للقطاع الخاص.
ومن خلال رصد الأخبار والتحقيقات تبين أن مشاكل المستشفيات الحكومية كثيرة ومتشابهة في معظمها وهي تجعل خدماتها محصورة بالمرضى الاكثر فقراً الذين ليس لديهم اية انواع من التغطيات او الضمانات. وتتراوح هذه المشاكل بين:
• العجز المالي كما هو الحال في عدة مستشفيات منها صيدا الحكومي الذي لا يزال يعاني من التأخير الكبير في الحصول على مستحقاته المالية من معظم الجهات الضامنة المتعاقدة معه، مستشفى سبلين الحكومي الذي ينوء اليوم تحت وطأة أزمة مالية كبيرة نتيجة عدم دفع الجهات الضامنة لمستحقاتها دورياً حيث بلغت مستحقاته من وزارة الصحة والضمان الاجتماعي وغيرها بحدود ثلاثة مليارات ليرة، طرابلس الحكومي الذي يعاني من عدم كفاية الاعتمادات المالية المخصصة له، وكل من حلبا الحكومي، مستشفى الرئيس الياس الهراوي الحكومي في زحلة، راشيا الحكومي، رفيق الحريري الجامعي، بعبدا الحكومي الجامعي، وبعلبك الحكومي التي تشهد احتجاجات مستمرة من قبل الأطباء والعاملين فيها بسبب التأخر الدائم في دفع رواتبهم ومستحقاتهم.
• العجز الاداري الناتج أساساً عن التجاذبات السياسية كما هو الحال في مستشفيات حاصبيا، جزين، والهرمل.
• العجز في التجهيزات والمعدات في مستشفيات عدة كمستشفى قانا الحكومي الذي لا يزال يفتقر منذ تدشينه في العام 2000 إلى التجهيز بالمعدات الطبية اللازمة لتشغيله، وكذلك مستشفيات تبنين وصور.
• التقاعس في افتتاح مستشفيات عدة مخطط لها بالرغم من إنجاز بناءها أو تأهيلها مثل مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الحكومي في العرقوب الذي مرّ عامين على إنجازه بتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة في إطار مشروع إعادة إعمار لبنان، ومستشفى خربة قنافار الذي أقفل مرات عدة ثم أعيد تأهيله ولكنه لم يفتتح بعد.
يذكر أن هناك مستشفيين حكوميين فقط وهما مستشفى النبطية ومستشفى تنورين كإستثناء عن القاعدة بحسب المصادر، حيث يعملان بانتظام ودرجة من الفعالية، واللذان لم يسجل فيهما أي شكوى من انقطاع الرواتب أو اي تأخير كما يحصل عادة في المستشفيات الحكومية الأخرى. وتبقى الحلول لمشاكل المستشفيات الرسمية المتفاقمة غير واضحة، تتأرجح بين توجّه سابق وهو الخصخصة كما يحصل في البترون الحكومي حيث قام وزير العمل السابق بطرس حرب بالضّغط على مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ليتراجع عن قراره بإعادته إلى وزارة الصحة من أجل تلزيمه للقطاع الخاص بذريعة أن عجزه يكبّد الصندوق مبالغ كبيرة، وبين الوعود القديمة الجديدة من قبل الوزارة بتفعيل عملها وتحسين وضعها.
وفي النهاية، لا بد من السؤال عن مصدر الأموال التي من الواجب على الدولة تأمينها للمستشفيات الحكومية، وعن مصير أموال المواطن الضخمة التي تنفق على المستشفيات الخاصة، عوضاً عن تحويلها الى المستشفيات الحكومية؟