اليوم، تصدر نتائج شهادة الثانوية العامة ــ فرع الاجتماع والاقتصاد، من دون أن يطرأ أي جديد على ملف تسريب أسئلة الاجتماع الذي يحقق فيه التفتيش التربوي ووزارة التربية والتعليم العالي. أما في الجغرافيا، فالرسوب طاول 90% في شهادة الثانوية العامة ــ فرع علوم الحياة، ما يعيد طرح علامات استفهام بشأن تأليف اللجان في الامتحانات الرسمية
فاتن الحاج
تخرج سناء (اسم مستعار) باكيةً من مركز تصحيح الامتحانات الرسمية. «راحت عليّي ما في حدا ناجح عندي بالمادة»، نتيجة لا تعرف معلمة الجغرافيا كيف ستنقلها لمديرها في إحدى المدارس الخاصة، فمثل هذا الخبر كفيل بتهديد لقمة عيشها. تروي المعلمة كيف «شحط» المدير زميلها في العام الماضي حين صدرت نتائج الثانوية العامة وتبيّن له أنّ نسبة النجاح في الجغرافيا متدنية جداً جداً. يومها صرخ المدير في وجه الأستاذ: «ما بدّي شوفك بالمدرسة، رح جيب بوّاب يعلّم جغرافيا، مش عم بعطيك ألف دولار لتسقّط التلاميذ». الأستاذ خسر فعلاً عمله ولم يعلّم هذا العام، فيما رفض آخر أن يدرّس صفوف الشهادات.
طبعاً، في المدارس الخاصة الحق دائماً على الأستاذ لا على التلميذ ـــــ الزبون. لكن، ماذا لو لم يكن الحق على الأستاذ ولا على التلميذ؟
صحيح أنّ الرسوب في الجغرافيا في شهادة الثانوية العامة ليس جديداً، وغالباً ما كان يُرفض النظر فيه بحجة الوضع السياسي المتأزم، لكنّ النسبة فاقعة هذا العام، وتحديداً في فرع علوم الحياة. فالمراقب لا يحتاج إلى الكثير ليدرك حجم الفاجعة، إذ بإمكانه أن يقوم كما فعلت «الأخبار» برصد بسيط وعشوائي للنتائج ليتبين المشكلة بوضوح، كأن تعثر على 7 ناجحين فقط من بين700 رقم متسلسل، وإن كانت النسبة تتفاوت بين المحافظات، فيكون الحظ الأوفر لمحافظة جبل لبنان (6 أو 7 ناجحين من بين 100 اسم متسلسل)، مقابل أرقام كارثية في المحافظات الأخرى. أما القول إنّ نتيجة الجغرافيا لا تؤثر في المعدل العام لكون المادة على 30 فهو تبسيط للمشكلة. فتوزيع العلامات، بحسب أساتذة المادة، يلحق ظلماً كبيراً بالطلاب (8 علامات على الأسئلة المباشرة أي استخراج المعلومات من المستندات والوثائق المعروضة أمامهم و11 علامة على أسئلة التحليل والحفظ وعلامة واحدة على شكل المسابقة، أي الترتيب والنظافة وطريقة التقديم).
المفارقة أنّ الأساتذة يؤكدون أنّ اللجنة تستمد أسس التصحيح من الكتاب الذي شارك في تأليفه مقررها جان حايك، لا من كتاب المركز التربوي للبحوث والإنماء الذي تعتمده المدارس الرسمية، ما يعني أنّ أكثر من 50% من الطلاب الفقراء «رح ياكلوها». وهنا يتحدث المعلمون عما يسمّونه «غطرسة في معايير التصحيح». وغالباً ما يصطدم المصححون مع اللجنة كأن يقال لهم «يا بتشتغلوا متل ما بدنا يا ما بتصححوا».هكذا، بات الأساتذة ينتظرون نتيجة الرسوب سلفاً بمجرد اطّلاعهم على الأسس، أي قبل البدء بأعمال التصحيح.
الخلفية العملية، برأي هؤلاء، أن يبقى الكتاب «الخاص» مسيطراً في السوق وأن يزداد أعداد الراسبين لمزيد من استفادة اللجنة في الدورة الثانية؟! ويسأل المصححون هنا عن دور التفتيش التربوي في التحقق من هذا الأمر.
وفي سياق منفصل، يسألون ما إذا كان مطلوباً من الممتحن الذي لا يتجاوز عمره 18 عاماً أن يكون خبيراً سياسياً أو اقتصادياً أو مفكراً إيديولوجياً ليعالج أسئلة المسابقة المبهمة.
ويروي أحدهم كيف أنّ طالباً في علوم الحياة نال معدلاً عاماً 17.4/20 أي بتقدير جيد جداً، فيما حاز 11/30 على مادة الجغرافيا. وقد تؤدي علامة هذه المادة إلى تراجع الطلاب المراهنين على تبوّء المراتب الأولى على صعيد لبنان أو على مستوى المحافظة.
أما المثير للجدل فهو ما يقوله الأساتذة عن ترويضهم، كأن يطلب منهم خفض العلامة من 16/30 مثلاً إلى 12/30 تحت ذريعة «اللجنة بترجّعلك الملف إذا كنت شاطح بالعلامات».
من جهته، ينتقد أحد الخبراء في الامتحانات الرسمية الذي مضى على وجوده في اللجان أكثر من 30 عاماً ما يحكى عن أنّ «الجغرافيا مادة تثقيفية لها خصوصية معينة». فالأمر لا يبرر، برأيه، وضع أسئلة غريبة عجيبة لم يدرسها الطالب في الكتاب المدرسي. ثم إن الأهداف التعلمية الخاصة بمادة الجغرافيا غير محددة وغير واضحة، فالأستاذ لا يعرف ما المطلوب تدريسه، يقول الخبير، «وبالتالي، تستطيع اللجنة أن تأخذ راحتها في صياغة أسئلة تعجيزية لمادة تدرّس لمدة ساعة واحدة في الأسبوع». وبينما ينتظر أن تكون الجغرافيا مادة استلحاق أي مساعِدة للنجاح تتحول إلى «علم الذرة»، على حد تعبير الخبير التربوي.
يوافق مصدر في اللجنة على أنّ هناك مشكلة كبيرة في امتحانات مادة الجغرافيا، عازياً إياها إلى «أنّنا نضع الأسئلة وفق توصيف يعتمد، بخلاف المواد الأخرى، على التحليل والاستنتاج ويفترض أن يقوم 40% من حصة التدريس على التمارين والتطبيقات، في وقت لا تزال فيه معظم المدارس تقدّم مادة تلقينية لا تختبر الثقافة العامة للطلاب».
يعترف الرجل بأنّ العلامات المرتفعة قليلة جداً. لكنّه ينفي أن تأتي الأسئلة من كتاب بعينه، فهي تندرج ضمن مضمون المنهج وأهدافه، لا ضمن مضمون أي كتاب. ذلك لا يعني، كما يقول، أن الأسئلة غريبة عن كتاب المركز التربوي للبحوث والإنماء، مع التأكيد أنّ السؤال لا يأتي بحرفيته كما هو وارد في الكتاب، بل يتطلب حداً أدنى من الثقافة العامة لطالب سينتقل إلى المرحلة الجامعية، لكنّه في الوقت نفسه جزء من الموضوع الذي درسه في الكتاب.
ويستدرك المصدر: «على كل حال، لم تعد الأسئلة تحتاج إلى كثير من التحليل بقدر ما أصبحت استرجاعاً للذاكرة، وإذا كان الأساتذة يتابعون جيداً الأسئلة فسيدركون أنّ قسماً كبيراً منها طرح في دورات سابقة.
أما تحميل اللجنة مسؤولية خسارة الأساتذة لوظائفهم نتيجة رسوب تلامذتهم فهذا مرفوض، كما يقول المصدر، «لأنّ المشكلة لا تتعلق بنا، بل بإدارات المدارس نفسها التي لا يمكنها أن تقارن بين علامات الجغرافيا وعلامات مادة التاريخ التي تعتمد على الحفظ، فهذا ظلم للأستاذ والتلميذ. كذلك، فإنّ بعض المدارس توظف أساتذة غير كفوئين لإعطاء المادة، على عكس مدارس أخرى نال طلابها 26 على 30».
ولا يخفي المصدر القول إنّ معظم المدارس لم تلتزم التوصيات التي عممها التفتيش التربوي في عام 2006 على المدارس عن أهداف المادة وكيف تدرّس. يومها، أثيرت القضية نفسها حيث كانت نسبة الرسوب مفاجئة.
اليوم، وبعد أكثر من خمس سنوات، يعيد الأساتذة طرح سؤال لماذا لا تعدّل أسس التصحيح، أي الباريم؟ وماذا عن تأليف لجان الامتحانات الرسمية الذي يحافظ على المقررين أنفسهم منذ أكثر من 10 سنوات؟(النهار 1 تموز2011)