إلزام المستشفيات باستقبال الأشخاص المعوقين.. بغض النظر عن السقف المالي

أبـو فاعـور وخليـل يشـحنان «بطاقـة الإعاقـة» برصيـدٍ صحـيّ أول
على الرغم من الخطوة الإيجابية التي أعلنت في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده وزيرا الصحة والشؤون الاجتماعية علي حسن خليل ووائل أبو فاعور، في مبنى وزارة الشؤون في بيروت أمس، بحضور عدد من ممثلي الجمعيات والمؤسسات المعنية بقضايا الأشخاص المعوقين، حول تغطية الدولة لفاتورة استشفاء حملة بطاقة الإعاقة.. إلا أن ما قيل فيه يذكّر بالوعود المتراكمة التي أغدقتها الوزارات المتعاقبة على مدى 11 عاماً منذ صدور القانون الخاص بحقوق تلك الفئة من المواطنين في 25 أيار 2000. ولذلك، فمن المنتظر أن يرفق القرار بخطوات عملية ملموسة وسريعة، تعيد بعض الثقة المفقودة لدى الأشخاص المعوقين بالوزارات المعنية بتطبيق حقوقهم، منذ التعميم الأول المتعلق بالقانون بعد عام على صدوره، لوزير الصحة السابق سليمان فرنجية (42/2001).
والجديد الذي قدمه مؤتمر الأمس، يتمثل باجتياز الشخص المعوق عقبة مكتب الدخول في المستشفيات الحكومية والخاصة المتعاقدة مع وزارة الصحة، وأرفق بتعميم من خليل بذلك، على أن «يبرز فقط بطاقة الإعاقة، وهي المستند اللازم لدخول صاحبها إلى المستشفى حتى في حال تجاوز السقف المالي، من دون العودة إلى الوزارة». ويتمم المعاملات مراقب من قبل الوزارة في المستشفى. ووعد الوزيران بخط ساخن لتلقي الشكاوى، يعلن عنه فور توفره. كما وعد أبو فاعور بتقرير شهري حول تطبيق التعميم، ومدى تجاوب المستشفيات معه.
وبطاقة الإعاقة، التي تصدرها وزارة الشؤون للأشخاص المعوقين، هي ليست بطاقة صحية تماماً، بل بطاقة المعوق الشخصية، وهي تغنيه عن بطاقة الهوية. وذلك دفعاً للالتباس الذي أعقب تعميماً (حمل رقم 1/203) لوزير الصحة السابق محمد خليفة في 7 كانون الثاني 2010، يتعلق بآلية «تأمين التغطية الشاملة لاستشفاء الأشخاص المعوقين»، إلا أن تلك الآلية بموجب بطاقة الاستشفاء الممكننة لم تر النور.
أما «البطاقة الشخصية» فتمنح لكل شخص معوق لبناني أدرجت إعاقته في اللوائح المعتمدة (المادة الثالثة من القانون 220/2000). وهي تعتبر المستند الرسمي الذي يخول حاملها الاستفادة من الحقوق أو الامتيازات أو التقديمات التي تحددها القوانين والأنظمة المرعية. وبقيت البطاقة من دون رصيد خدماتي، لاسيما صحياً، طيلة العقد الماضي، وكانت مجرد ديكور إضافي في محفظة الشخص المعوق. وقد اعتاد الأشخاص المعوقون لعقد مضى، على الإطلالات الإعلامية المكثفة لمن تناوبوا على الوزارات المعنية بتطبيق القانون، لاسيما وزارة الشؤون الاجتماعية، التي ألقى القانون على عاتقها الجزء الأكبر من المسؤولية. وكذلك، اعتادوا على مشاريع، وتعاميم، وقرارات لا تنفذ إلا في ما ندر. ويذكر أن معظم أولئك الأشخاص ليس لديهم تلك البطاقة، حيث أصدرت الوزارة نحو ثمانين ألف بطاقة، في حين أن نحو أربعمئة ألف مواطن لبناني لديهم إعاقات مختلفة (وفق أرقام المجتمع المدني ومنظمة الصحة العالمية، في ظل غياب إحصاء رسمي)، ناهيك عن الإعاقات غير الظاهرة، أو غير المصنفة، أو المتعددة، أو المؤقتة. وقد أثبتت الدراسات المدنية الميدانية، التي نفذها «اتحاد المقعدين اللبنانيين»، في أثناء فترة النزوح في عدوان تموز قبل خمسة أعوام، وبعدها، أن نسبة تقارب 83 في المئة من الأشخاص المعوقين المستهدفين من خلال برامجه على كافة الأراضي اللبنانية، لاسيما «برنامج الطوارئ»، ليست لديهم تلك البطاقة، وبعضهم لم يسمع بها أصلاً.
وفي المؤتمر، لفت أبو فاعور إلى أن «أي شخص معوق، بمجرد وصوله إلى أي مستشفى، وإبراز بطاقة الإعاقة، يحصل على الرعاية الطبية الكاملة، وتلك مسؤولية الأطباء المراقبين من قبل وزارة الصحة في المستشفيات، مثله مثل الحالة الطارئة تماما. والدخول يُغطى بنسبة 100 في المئة على نفقة وزارة الصحة في جميع تلك المستشفيات». وأضاف: «أنا أعلم أن بعض المؤسسات ستمتنع، ستحاول إلى حد ما تفادي الالتزام»، متعهداً بصدور «تقرير شهري من وزارة الشؤون الاجتماعية عن كل الخروقات، ليس من باب التشهير، لكن ذلك القرار للدولة، وهي التي تدفع الأموال، ويجب أن تصل إلى مرحلة يطبق فيها القانون بشكل كامل».
وقال خليل: «نحن نعرف أن جزءاً كبيراً من القسم الثالث من القانون 220/2000 المتعلق بالصحة لم يطبق، لكننا نسمع شكاوى كثيرة أيضاً تفيد بأنه لا يوجد التزام من بعض المؤسسات أو الإدارات، إن كانت حكومية أو خاصة»، لافتاً إلى أن التعميم يقضي بـ «إلزامية إدخال المرضى المعوقين إلى المستشفيات المتعاقدة مع وزارة الصحة، إن كانت حكومية أو خاصة، لكل شخص يحمل بطاقة إعاقة تثبت حالته، واعتبارها حالة طارئة بغض النظر عن السقف المالي للمؤسسات، والدولة مسؤولة عن تغطية وتسوية الأمر». وأضاف: «عمم على الأطباء المراقبين في المستشفيات توقيع طلبات الاستشفاء الخاصة بهؤلاء المرضى، واعتبار أنها حالات طارئة ولو تجاوزت السقف المالي للمستشفى المعني، كما يطلب رفع تقرير شهري حول الأمر لمتابعة التنفيذ».
ولا يخفى أنها «خطوة صغيرة في طريق الألف ميل»، الذي كان يمكن أن ينتهى منه خلال 11 عاما، فالتغطية الصحية المنصوص عليها قانوناً تتعدى الدخول إلى المستشفى (المادة 27 من القانون)، إلى العمليات الجراحية على أنواعها، وتقويم الأطراف، والاستشفاء في مراكز متخصصة، كما تشمل جميع المعدات والأدوات الضرورية لإنجاح العملية، التي لا يزال الشخص المعوق يدفع فواتيرها من جيبه. كما يدفع الأشخاص المعوقون مبالغ كبيرة للمعينات الطبية، والأدوية، والأجهزة التعويضية، والأطراف الاصطناعية، والعلاج التأهيلي، والفيزيائي، والانشغالي... كلها ينبغي أن تكون على نفقة الدولة، على أن يبرز فقط بطاقة الإعاقة. بالإضافة إلى مطلب بالغ الأهمية يتعلق بالتأمين، وتقييم وتوحيد أسعار الخدمات الصحية، وهي من مهام «لجنة الخدمات الصحية وإعادة التأهيل وخدمات الدعم» (المادة 32 من القانون 220/2000)، التي لم تفعل شيئاً يذكر في صددها.
إن كل ما ذكر يحتاج إلى تعاميم، وقرارات، ومراسيم تطبيقية بعضها يتخطى وزارة الشؤون إلى الصحة، والاقتصاد، والمالية.. والحكومة الحالية أمام امتحان في إثبات مدى جديتها في تحويله إلى واقع، لا سيما أنها نصت عليه في بيانها الوزاري (البند 19). أما ما يسعى إليه الأشخاص المعوقون فهو أن «يصلوا إلى الخدمات الصحية ببعض الكرامة»، كما قال أحد ممثلي الجمعيات .(السفير 30 تموز 2011 ) . المطلبية في المؤتمر أمس