بيان وزاري "غامض" والتزامات دولية بلا مضمون: واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان لن يتغيّر؟!

على الرغم من تعثّراتها الداخلية، واجهت الدولة اللبنانية، في آذار الماضي، استحقاقاً دولياً، هو "الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان أمام مجلس حقوق الإنسان العالمي التابع للأمم المتحدة"، من دون أن تلتزم بإحراز أي تقدّم على مستوى الشؤون الحياتية لحوالي مئتين وثمانين ألف لاجئ فلسطيني، يعيشون على أرضها. كما لم تتعهد الحكومة الحالية بأكثر من القوانين التي أقرّها مجلس النواب في العام 2010، والتي شملت إنشاء صندوق خاص بتعويضات نهاية الخدمة للاجئين، بالإضافة إلى رفع حظر العمل عن عدد محدود من المهن والوظائف. وباستثناء ذلك، لم ينل الفلسطينيون أي حق في لبنان منذ لجوئهم إليه، مرغمين.. على الرغم من أن قائد الجيش اللبناني السابق العماد إميل البستاني، عندما وقّع باسم الدولة اللبنانية، على اتفاق القاهرة الشهير في العام 1969، سمح بتنفيذ العمليات الفدائية والكفاح المسلّح من أراضيه، وأوصى بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المدنية، كحق العمل والإقامة والتنقل... فتمّ الكفاح، من دون أن تتفلّت الحقوق من سرّية الاتفاق. فخسروا بقرار من مجلس النواب صادر في العام 2001، حقّهم بالتملك في لبنان، وهو حق محفوظ لسواهم من الأجانب. في مقابل ذاك التجاهل، زرعت خطوتان للدولة اللبنانية أملاً في حياة اللاجئين، الأولى كانت في العام 2005 مع تشكيل لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، والثانية ولّدها كلام راج في العام 2010، أيام حكومة الرئيس سعد الحريري، عن إمكانية تولي وزير دولة لملف الفلسطينيين، وقد تردّد اسم الوزير وائل أبو فاعور حينها مرشحاً للحقيبة. لكنّ، لا فكرة الوزارة تُرجمت فعلاً على أرض الواقع، ولا أفضت تسمية لجنة الحوار إلى نتيجة ملموسة، باستثناء استقالة رئيسها آنذاك السفير خليل مكاوي، وتولي المحامية مايا المجذوب لمهام اللجنة مكانه. وقد تردّد حينها أن "رئيس الحومة الأسبق فؤاد السنيورة أبلغ أبو فاعور مباشرة أن الملف لن يؤول إليه كونه خاص بالسنّة"، وذلك بحسب مصدر حكومي. مرّت المرحلة الماضية، إذاً، من دون أي تقدم يذكر على الصعيد الفلسطيني في لبنان، باستثناء تعديل القوانين الذي أبصر النور بعد مخاض طويل، من دون أن يثمر على الأرض، لغموض يلف آلية التطبيق. فما الذي ينتظر اللاجئين الفلسطينيين، راهناً ومستقبلاً، مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي؟ بيانٌ وزاري شبيه بسابقاته يبدو من الفقرة التي خصّهم بها البيان الوزاري، أن شيئاً لن يتغيّر في ما خصّ حقوقهم المدنية والاجتماعية، وأن الأسلوب المعتمد في الصياغة يجعل من السهل على الدولة اللبنانية أن تبقي الحال على ما هو عليه اليوم، مكتفية بـ"انجازات" المجلس النيابي والحكومة السابقة في هذا المجال. لا بل حذت حذوها في تقديمها الكلام عن التوطين على أي كلام آخر يخصّ الفلسطينيين. فأكّدت على "حق العودة ورفضها للتوطين"، قبل أن تدخل في تفاصيل ما ترسمه لولايتها على مستوى الحقوق المدنية، إذ قال البيان: "إلى أن تتحقق العودة الكاملة، فإن الحكومة ستعمل على توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتطبيق القوانين التي اقرها مجلسكم الكريم (مجلس النواب)، والاهتمام بالمخيمات ولا سيما مخيم نهر البارد، لاستكمال إعادة بنائه بعد توفير المال اللازم لذلك من المساهمات العربية والدولية. وستطلب الحكومة تعزيز موازنة "وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم" (الأونروا) لتمكينها من أداء دورها الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني كما كان في السابق". وبذلك، فإن الحكومة الجديدة، أسقطت فكرة تولي وزير خاص لملف الفلسطينيين، معتبرة ربما أنه "ملف سني"، مجدداً. وبعيداً عن البيان الوزاري، لا يبدو أن الحكومة سوف تأخذ بعين الاعتبار التوصيات الموجهة إلى لبنان في هذا الصدد، خلال الاستعراض الدوري الشامل أمام مجلس حقوق الإنسان في آذار الماضي.. علماً أن مسؤولية تنفيذ البنود التي وافق الوفد الرسمي اللبناني عليها، تقع على عاتقها. وحتى الساعة، وباستثناء الكتيّب الذي أصدرته أخيراً "لجنة الحوار اللبناني -الفلسطيني" بعنوان "حقوق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وتوصيات الاستعراض الدوري الشامل"، لا يبدو أن الساحة اللبنانية ستشهد مقاربة لتلك البنود، لا من قريب ولا من بعيد. توصيات دولية "غامضة" عند مراجعة التوصيات التي قدّمتها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ووافق على تنفيذها لبنان، يتضح أنها "فضفاضة"، ومثال عنها توصية فنلندا للبنان بـ"اتخاذ مزيد من التدابير لتحسين إمكانيات العمل وظروف العمل للاجئين الفلسطينيين". وإلى الصياغة الفضفاضة، تحضر توصيات "بديهية"، كتوصية المملكة المتحدة لجهة تعزيز قدرات "لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني"، وتوصية النروج بتفعيل تعديلات قانون العمل وقانون الضمان الاجتماعي "في أقرب وقت ممكن". ومن التوصيات ما يبدو غير ملزم بشكل مباشر للدولة اللبنانية، كتوصية اليمن بـ"تأمين التعليم في جميع المناطق اللبنانية، بما فيها المناطق التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون، مع مراعاة أن ولاية وكالة "الاونروا" تشمل الاحتياجات التعليمية للاجئين الفلسطينيين"، وتوصية السودان بـ"دعوة المجتمع الدولي والبلدان المانحة إلى تمويل مشاريع، شبيهة بالمبادرة التي أطلقتها الحكومة في العام 2006 لتحسين المستوى المعيشي للاجئين الفلسطينيين والأحوال المعيشية في المخيمات... وذلك بالتعاون مع المجتمع الدولي". في المقابل، سجّل الوفد اللبناني نقطة في مرمى الوفد الفلسطيني، حين طالبه بتعزيز الجهود في "مساعدة الفلسطينيين المقيمين في لبنان الذين لا يحملون وثائق هوية"، معلناً أن لجنة الحوار، بالتعاون مع المديرية العامة للأمن العام، "قد حلّت تلك المشكلة عبر منح من تأكدت أحقيته بالحصول على تلك المستندات، بطاقات خاصة". .. وأخرى رفضها لبنان رفض لبنان اإثنتي عشرة توصية دولية في الشأن الفلسطيني، أولاها توصية بلجيكا بالانضمام إلى الاتفاقية المتعلقة بوضع اللاجئين وبروتوكولها الإضافي. كما رفض توصية فرنسا بإزالة العقبات التي تعترض تشغيل الفلسطينيين، وإتاحة سبل العمل لهم، وتوفير فرص التعليم المجاني لجميع أطفالهم، وتقديم الرعاية الصحية الشاملة. كما رفض توصية فرنسا والنروج بضمان حرية تنقلهم. وهي توصية صدرت أيضاً عن "الولايات المتحدة الأميركية"، إلى جانب أخرى تقضي بمنحهم الحق بمزاولة الأعمال التي تتطلب عضوية في النقابات، وقد رفضها لبنان، بالإضافة إلى حق التملك الذي طالبت فيه كل من النروج وفنلندا وهولندا. ورفض لبنان أيضاً توصية ايرلندا بإيجاد حل شامل لفاقدي الأوراق الثبوتية، وتوصيتها مع فنلندا بإلغاء القوانين والتشريعات ذات الأثر التمييزي على السكان الفلسطينيين، وحتى توصية كندا القائلة باعتماد القوانين الضرورية "من اجل الإسهام في تخفيف وطأة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للاجئين الفلسطينيين". آلية عمل أدبية! في تقديمها للكتيّب المذكور، اعتبرت رئيسة لجنة الحوار مايا مجذوب أن اللجنة "تجد في تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل أحد المداخل الأساسية لتنفيذ خطة عملها وتحقيق أهداف المرحلة الثانية من مشروعها الرامي إلى تشكيل مرجعية موحدة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين..."، وذلك "بغية تنفيذ التزامات لبنان الدولية والعمل على تحسين حياة اللاجئ الفلسطيني اليومية وحماية حقوقه بما يخدم المصلحة اللبنانية الفلسطينية المشتركة". وقد وضعت اللجنة آليات لمتابعة التوصيات "الموافق عليها"، في الاستعراض الدوري، وأولاها، تشكيل فريق عمل من لجنة الحوار والوزارات المعنية وجمعيات المجتمع الأهلي الفلسطيني واللبناني التي شاركت في متابعة الاستعراض الدوري. ومن بعد تشكيله، من المفترض أن يتم عرض نتائج التقرير الدوري على السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، كما المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، لإشراكهم في إعداد المرحلة اللاحقة للتقرير الوطني. وستعمل اللجنة على تحرير المعلومات المراد العمل عليها خلال السنوات الأربع اللاحقة للتقرير، وإشراك المجتمع المدني ومراجعة التشريعات الوطنية الخاصة بهذا الملف. كما تعد اللجنة بـ"حث الهيئات الرسمية على إفراد مساحة لوضع الفلسطينيين ووضع خطط عملية بهذا الخصوص"، داعية إلى "تفعيل التنسيق وتبادل المعلومات بين الإدارات والوزارات المعنية ولجنة الحوار في جمع وتوثيق المعلومات المتعلّقة بالشأن الفلسطيني في لبنان". أمام البيان "الوزاري" الغامض والتقرير الدوري "المعلوماتي"، لا يظهر مبرر للسؤال عمّا يمكن أن يتبدّل في حياة الفلسطينيين اللاجئين في لبنان! فالسؤال الأدق الذي يطرح على الحكومة الجديدة، في ظل كل هذا الكلام: لماذا لن يتبدّل . واقع الفلسطينيين في لبنان؟