الضمان الإجتماعي المأزوم يغطي ربع المواطنين/ات فقط فما السبيل لتعميمه على الجميع؟!؟

تنعكس الأزمات الإدارية والمالية في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي سلباً على وظيفته الاجتماعية الرئيسية وعلى حجم الدور الذي تؤديه هذه المؤسسة حاضراً أو مستقبلاً، ليس على الصعيد الإجتماعي فقط، بل الإقتصادي أيضاً. لكن الصندوق يبقى وسط كل نقاط ضعفه مؤسسة وطنية إجتماعية شديدة الأهمية، ولو ان حجم تأثير هذه المؤسسة يظل عملياً محدوداً بالمقارنة مع ما يؤمل منه.
على الصعيد الإجتماعي، يبين تقرير أوضاع معيشة الأسر الاخير الصادر عن وزارة الشؤون الإجتماعية أن أقل من نصف السكان المقيمين في لبنان، يستفيدون من أحد أشكال الحماية الصحية المتوافرة، أي نحو 44.9%فقط، في مقابل 53.3% لا يتوافر لهم أي نوع من أنواع التغطية الصحية.
ويتوزع المستفيدون من أحد أشكال الحماية الصحية كالتالي: 23.4% من مجموع المقيمين يستفيدون من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، 9% يستفيدون من خدمات الجيش وقوى الأمن الداخلي الصحية، و4.3% من تعاونية موظفي الدولة، و2.6% من تأمينهم الخاص، و2.2% من تأمين خاص في إطار مؤسسة أو نقابة أو هيئة، و1.7% من تأمين على نفقة صاحب العمل، و1.7% من أنواع أخرى من التأمينات.
ومن المعروف، ان صندوق الضمان يتألف من ثلاثة فروع عاملة: فرع تعويض نهاية الخدمة، فرع التقديمات العائلية والتعليمية، فرع تقديمات ضمان المرض والأمومة، وفرع اخير لم يبدأ العمل به حتى الآن هو فرع طوارئ العمل والأمراض المهنية. كما انه من المعلوم للجميع أن الوضع المالي للصندوق بلغ الخط الأحمر، إذ أن العجز المتراكم الظاهر في فرعي المرض والأمومة والتعويضات العائلية تجاوز 700 مليار ليرة (أي نحو نصف مليار دولار)، تجري تغطيته بسحوبات من أموال تعويضات نهاية الخدمة.
إن هذا العجز في صندوق الضمان ليس مستجداً، فقد بدأت تظهر بوادره في النتائج المالية لفرعي ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية منذ عام 2001. وقتها تكاتفت الحكومة مع ممثلي أرباب العمل في مجلس إدارة الصندوق لخفض معدل الاشتراكات في هذين الفرعين 50% من دون أي دراسة واقعية لتداعيات هذا القرار، مما أدّى إلى اختلال مالي وعجز بنيوي في السنوات اللاحقة، ولا سيما أن هذا المستوى الحالي من الاشتراكات ليس كافياً لتغطية التقديمات، علماً ان الأوضاع المالية الصعبة يعاني منها خصوصاً فرعي المرض والأمومة والتعويضات.
وهنا، تجدر الإشارة إلى انه وعلى الرغم من عدم توفر رقم رسمي لموجودات الضمان الفعلية، إلا ان بعض الأرقام تشير الى إن قيمتها تبلغ نحو 2616.28 مليار ليرة، (أي ما يعادل مليار و744 مليون دولار)، 92.87% منها موظفة في سندات خزينة بالليرة و7.12% في الودائع المصرفية.
على الرغم من التقصير الكبير في وظيفته الإجتماعية وأزماته المالية، إلا ان بعض المراقبين لا يزالون يأملون بان تتسع دائرة تغطية الصندوق الضمان لتغطي كافة أبناء الشعب اللبناني، ولكن إلى أي حد يبدو هذا الطرح منطقياً؟

إن البدء في توسيع نظام ضمان المرض والأمومة في قانون الضمان الاجتماعي ليشمل سائر فئات المجتمع اللبناني التي ما زالت خارج هذا النظام، يبدو بحسب المراقبين الآخرين أمراً مستحيلاً لسببين أساسيين:
أولا: أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بوضعه الإداري الراهن، في فرع ضمان المرض والأمومة، لا يمكنه النهوض بمهمات إضافية ثقيلة وهو الذي ينوء حاليا بالحمل الأخف.
ثانيا: ان الوضع المتفاقم لمديونية الدولة لا يسمح لها بأن تزيد أعباء إضافية على ماليتها العامة من خلال زيادة إسهاماتها المالية في فرع ضمان المرض والأمومة من 25% من مجمل التقديمات الصحية، إلى 40% من تلك التقديمات كما يقترح البعض.
استناداً الى ما سبق، فإن إستحالة إمكانية أن يغطي الضمان الإجتماعي سائر فئات الشعب اللبناني صحياً، دفع بعض الأوساط السياسية والإجتماعية إلى إقتراح توسيع مظلة الحماية الصحية عبر مشروع البطاقة الصحية الذي يرمي إلى تغطية الفئات المكشوفة من المواطنين وفقاً لنموذج رائد في تمويل مشترك يشترك فيه الجهد الفردي مع جهد القطاع العام، وفي إدارة يشترك فيها جهد القطاع العام مع خبرة وجهد القطاع الخاص، على أن يتحوّل هذا المشروع فيما بعد إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عندما يصبح الصندوق مؤهلاً لإدارته. من جهة ثانية، يرى البعض الآخر ان الحل يكمن أيضاً في إعتماد مشروع التقاعد والحماية الاجتماعية الذي يؤمن تغطية صحية لأصحاب معاشات التقاعد من متقاعدين أو من ذوي الحق بالمعاش التقاعدي من الأشخاص المعالين.
لا شك ان مشكلة الحماية الإجتماعية الشاملة في لبنان تعتبر من اهم االمشكلات الإقتصادية والإجتماعية التي تعاني منها أغلب الأسر اللبنانية، ولأن حلها يبدو غير ممكن من خلال الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي فقط، لا بدّ أن تلتزم الحكومة اللبنانية بوضع إستراتجية جديدة طويلة الأمد تأخذ بالإعتبار سلة بدائل مضمونة، وقابلة للإستدامة.