مستشفى الهرمل الحكومي يعمل بإمكانيات الحد الأدنى بفعل الحرمان المزمن

الزيادة في أعداد المرضى تفوق القدرة على الاستيعاب
لا يبدو مستشفى الهرمل الحكومي خارج مشهد الحرمان الذي تعانيه منطقة الهرمل والبقاع الشمالي على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والحياتية كافة، برغم الجهود التي يبذلها العاملون في الاقسام المختلفة للمستشفى في مواجهة مجموعة من العوائق التي تبقي اداء المستشفى لوظيفته الصحية عند مستوى الحد الأدنى المتاح، وتقلص قدرته الاستيعابية من حوالى السبعين سريراً الى ما يقارب الخمسة وعشرين. فالصعوبات رافقت لحظة «الولادة» القيصرية للمستشفى، بفعل التجاذبات والخلافات السياسية التي احاطت بتلك الولادة، خصوصاً ما يتصل بموقعه الجغرافي ومجلس ادارته ومديره، وهو ما امتد لسنوات الى أن تم افتتاحه في العام 2006 في موقعه الحالي، حوالى خمسة كيلومترات شرق مدينة الهرمل، والذي يجعله في وسط منطقة البقاع الـشمالي، وتالياً يضاعف عدد السكان المطلوب ان يؤمن لهم المستشفى الخدمات الصحية الضرورية، وتشمل قرى وبلدات شمالي قضاء بعلبك، اضافة لقضاء الهرمل، أي المنطقة الممتدة من بلدة عرسال حتى الجرود المحاذية لقضاءي الضنية وعكار، فضلاً عن اهماله من قبل الحكومات المتعاقبة، والذي ترجم بموازنة تبلغ ملياري ليرة لبنانية لا تغطي سوى نصف طاقته التشغيلية، في الوقت الذي يصل عدد السكان المطلوب من المستشفى تامين الخدمة الصحية لهم حوالى مئة وخمسين ألف نسمة. ما يفرض على اجهزته الطبية والتمريضية والادارية بذل الجهود المضاعفة لاداء واجبهم في استقبال المرضى وتقديم العلاج لهم وفي ظل الحاجة لعدد من الاجهزة المتطورة والاقسام الاخرى كالعناية الفائقة وعناية الاطفال .
وامتد الاهمال «الحكومي» لمستشفى الهرمل الحكومي، ليطاول مجلس ادارتها الذي انتهت مدة ولايته في العام 2007 وما زال مستمرا بموجب قرار من وزير الصحة، ما جعل مجمل الصلاحيات تتركز بشخص مديره الذي هو في نفس الوقت رئيس مجلس الادارة، ناهيك عن حاجة المستشفى لبعض التجهيزات الاساسية، وخصوصا جهاز التصوير الطبقي المحوري «السكنر»، علماً ان المستشفى يضم مجموعة من الاقسام التي تعنى بالعمليات الجراحية والاستشفاء والطوارئ وتساعد على تقديم الخدمة الصحية المقبولة التي يقوم بها مجموعة من الاطباء من ابناء المنطقة وخارجها، والذين يبذلون الجهود المضنية والفردية احيانا لمعالجة الكثير من المرضى، حيث تبقى المشكلة قائمة في مواجهة الحالات الصحية والمرضية المستعصية، التي تتطلب تقنية دقيقة جداً تساعد على التشخيص السريع للمرض. وهو ما يؤدي الى نسج توأمة للمستشفى مع أحد المراكز الطبية المتقدمة في العاصمة بيروت، والاستفادة من ثورة الاتصالات والمعلوماتية في اختصار الكثير من المعاناة على المرضى وذويهم، خصوصاً ان الهرمل والبقاع الشمالي هي المنطقة الاكثر بعدا عن العاصمة بيروت وبمسافة تصل الى المئة وخمسين كيلومتراً .
مصالح حزبية وشخصية !
في هذا المجال، يقول جراح القلب د. علي زعيتر ان وجود المستشفى مهم جدا على المستوى الصحي لابناء منطقة الهرمل والبقاع الشمالي، التي تعتبر الاغلبية الساحقة من سكانها من ذوي الدخل المحدود، ناهيك عن وجود نسبة كبيرة منهم تعيش تحت خط الفقر، وتتطلب ان يكون المستشفى اكثر قدرة وفعالية على استيعاب اعداد المرضى وتقديم العلاج لهم دون تكبيدهم عناء الانتقال الى العاصمة بيروت، مع ما يعنيه ذلك من معاناة مادية ومعنوية غير قادرين على تحملها. ويرى زعيتر ان أداء المستشفى دورها يقع ضمن خانة الحد الادنى المطلوب، حيث لا تزال القدرة الاستيعابية للمستشفى محدودة، مقارنة بالامكانية التي يتيحها البناء والتجهيزات الموجودة فيه، آملا من مجلس ادارة المستشفى ان يكون اكثر نشاطا وفعالية في متابعة الامور الطبية، خصوصا ان عمل المجلس يشهد بعض التعثر بسبب المصالح الحزبية والشخصية، والتي تعطي انطباعا بأن المستشفى يخص رئيسه ومديره وحده الذي يجب مساعدته من قبل الجميع لإنجاح عمل المستشفى، كي يقوم بدوره كاملا في تقديم الخدمة الطبية لابناء المنطقة، ومنـهم اولئك الذين يتلقون العلاج على نفقة وزارة الصحة العامة، ويواجهون الكثير من المعاناة لتأمين الموافقة على علاجهم من قبل الوزارة.
ويلفت د. زعيتر الى ان وزارة الــصحة الـعامة تصرف الاموال اكثر مما مطلوب في بعض المنــاطق، بينما تحرم مناطق اخرى ومنها منطقة الـهرمل، ويطالب بأن يكون التوزيع عادلا بحيث يتم اعتماد عدد السكان وحاجاتهم الصحـية اساسا وحيـدا يتم الصرف على اساسه، وتشديد الرقابة حتى يصل الحق الى اصحابه سواء المرضى او الاطباء الذين يعالجونهم وذلك من خلال تحصين مراقبي وزارة الصـحة في مواجهة الضغوطات التي يتلقونها واستــبدالهم بآخرين اذا لم ينصاعوا لارادة بعض اصحاب المستشفيات .
ناصر الدين: موازنة متدنية لـ50 ألفاً
من جهة ثانية، يقول مدير ورئيس مجلس ادارة مستشفى الهرمل الحكومي د. سيمون ناصر الدين إنه يتعرض لزيادة في اعداد المرضى الذين يمكن للمستشفى استقبالهم، بما يفوق قدرته على الاستيعاب مقارنة بالسقف المتدني لموازنته، والذي وضع على اساس تأمين الخدمة الصحية لما يقارب الخمسين الفا من ابناء قضاء الهرمل، فإذا بالمستشفى يجد نفسه امام ضرورة تقديم هذه الخدمة لما يزيد على المئة وخمسين الفا من ابناء منطقة البقاع الشمالي اي ضعفي عدد السكان الذين أنشئ في الاساس من اجل تقديم الخدمة الصحية لهم. واذ يعتبر د. ناصر الدين أن الحجم المتدني لموازنة المستشفى البالغ حوالى ملياري ليرة لبنانية هو اول واكبر المشكلات التي تعيق تطور المستشفى، يضيف اليها حرمان المستشفى من المساهمات المالية لوزارة الصحة على مدى السنوات الثلاث الماضية، وهو ما منع مجلس الادارة من افتتاح أقسام جديدة كالعناية الفائقة وعناية الاطفال، بل هناك ما يقارب الثمانمئة مليون ليرة لبنانية كحقوق للاطباء منذ العام 2008 لم تدفع حتى الآن، في الوقت الذي تدفع الاوضاع المعيشية المتدهورة الاكثرية الساحقة من المرضى الى عدم تسديد نسبة الخمسة في المئة المطلوبة منهم لتغطية نفقات علاجهم. ويناشد وزارة الصحة الاهتمام بالمستشفيات الحكومية في المناطق النائية بسبب الاوضاع المعيشية السيئة للاغلبية الساحقة من السكان الذين لا ملاذ لهم سوى المستشفيات الحكومية ويطالب برفع سقف موازنة المستشفى الى أربعة مليارات ليرة لبنانية، كي يتمكن من القيام بدوره، ويؤكد ان مجلس ادارة المستشفى يجتمع اسبوعيا ويعمل بشكل منتظم ومتجانس ويحترم الآراء المختلفة داخله اذا ما وجـدت، وان كان يقع على عاتق المدير ورئيس مجلس الادارة تنفيذ التوجهات التي يقرها المجلس، خصوصا ان اعضاءه لا يتلقون اي بدل مالي باستثناء بدل النقل لحضور اجتماع المجلس .
ويلفت الى ان المستــشفى والى جانب دوره في معالجة المرضى يشارك في تنفيذ «مشــروع رعاية صحة المرأة الحامل والطفل»، الذي ينفذ بالتعاون مع وزارة الصحة العامة والسفارة الايطاليــة، ويؤمـن رعاية المرأة الحامل منذ لحظة الحمل وحتى الولادة بشكل شبه مجاني، ويتم العمل، بالتعاون مع فرع الصليب الاحمر اللبناني في الهرمل، علـى تأمين بنك للدم في المستشفى بعد توفير التجهـيزات المطلوبة لذلك . (السفير 8 آب 2011)