كتاب التاريخ المدرسي الموحّد في لبنان يتطلب مقاربة علمية للمنهج أي محاولة لاختزال التعليم بالتلقين لأسباب سياسية مصيرها الفشل!

أصبح تبني مشروع تطوير كتاب تاريخ مدرسي موحد في لبنان طقساً من طقوس الحكومات الجديدة المتتالية في لبنان، والتي غالباً ما تضم هذا المشروع الى اولوياتها لتأكيد التزامها تحقيق الانصهار الوطني ومكافحة الطائفية.

ولد مشروع توحيد كتب التاريخ في لبنان اثناء اتفاق الطائف كأداة لبناء وطن آمن وللقضاء على الطائفية. ومنذ ذلك الوقت والى الآن تشكلت لجان عدة لتأليف منهج التاريخ، آخرها كانت لجنة في عهد الوزير السابق الدكتور منيمنة. وتكمن صعوبة هذه المهمة في اتفاق ممثلي جميع الطوائف التي تتكون منها لجان التأليف على رواية واحدة للحوادث لا تنتقص من انجازات وبطولات أيٍ من الطوائف اللبنانية. وعلى الرغم من صعوبة المهمة الا ان عدداً من هذه اللجان نجحت في تأليف منهج موحد تم التصديق عليه من حكومات سابقة. بل وقامت بعض هذه اللجان بطباعة هذه الكتب بيد أن الخلاف على عدد من العبارات علق اصدارها أيام الوزير السابق عبد الرحيم مراد.
وللوهلة الاولى يبدو اقتراح توحيد كتب التاريخ في لبنان أمراً منطقياً، ولكن ان نظرنا الى هذه الاطروحة من وجهة نظر علمية مدعمة بالادلة والبحوث فلا بد لنا من طرح السؤال الآتي: هل فعلاً باستطاعة كتاب تاريخ موحد ان يوحد اللبنانيين ام اننا نجري وراء سراب؟ النقاش الذي يدور حالياً في لبنان ينحصر في كيفية الاتفاق على رواية واحدة لسرد تاريخ لبنان وليس ما اذا كانت هذه هي الوسيلة الأنجع لتعزيز الوحدة الوطنية.
ان المبدأ الذي بنيت عليه فرضية تأليف كتاب تاريخ يوحد اللبنانيين حول هوية واحدة غير مدعمة بأي ادلة وبراهين، بل انه يوجد براهين عدة تدل على عدم فاعلية هذه الفرضية. فاحدى رسالات الماجستير التي اشرفت عليها في جامعة اكسفورد (Naylor, 2010) والتي تضمنت تحليلا لمضمون ابرز اربعة كتب تاريخ تدرس حالياً في غالبية المدارس اللبنانية، اظهرت مدى التشابه الكبير في مضمون هذه الكتب، اذ انها صممت لتتوافى مع المقرر الرسمي والذي سيمتحن فيه التلامذة في الامتحانات الرسمية. وهذا لا ينفي ان مدارس اخرى في لبنان تدرّس كتباً مختلفة المضمون في الصفوف التي ليس فيها امتحانات رسمية، الا ان غالبية اللبنانيين وتحديداً في المدارس الرسمية يدرسون كتب تاريخ مماثلة. وبما ان معظم التلامذة في لبنان، خصوصاً في المدارس الرسمية يدرسون حالياً كتب تاريخ متشابهة المضمون، من البديهي ان نتساءل ما اذا كان هؤلاء التلامذة لديهم آراء سياسية متشابهة وانتماء وطني اكبر من انتمائهم الطائفي؟.
وقد يرى البعض بأن السبب وراء فشل كتب التاريخ الحالية هي انها لا تغطي فترة الحرب الأهلية، اذ ان معرفة التلامذة بهذه الحقبة التاريخية المهمة في لبنان تقتصر على روايات يتلقفها الجيل الجديد من اهاليهم او بيئاتهم المحلية او احزاب طوائفهم. وغالباً ما تكون هذه الروايات مطعمة بنكهات كل طائفة، فتركز كل منها على مظالم الطائفة من دون الأخريات مورثة ضغائن الماضي ومعمقة للحس الطائفي لديها حتى يومنا هذا. وبالتالي، فمن البديهي ان تعمل الدولة على تقديم رواية واحدة رسمية للحرب الاهلية وزرعها في عقول الاجيال الجديدة وامتحانهم في مدى حفظهم لها بهدف ايجاد ذاكرة جماعية. ومقاربة كهذه لا تتناقض ومبادئ التعليم فقط، بل انها مقاربة ساذجة تستهين بعقول التلامذة والأساتذة وتفترض بانهم افراداً من دون آراء او ولاءات مسبقة.
أما المثال الثاني على الاثر السلبي لاعتماد مقاربة توتاليتارية لتعليم التاريخ يأتي من الدول العربية الشقيقة. فلقد سهلت الانظمة غير الديموقراطية في غالبية الدول العربية وثقافة الابيض والاسود التي تتميز بها مجتمعاتنا العربية عملية تطوير كتب تاريخ موحدة حافلة بمآثر هذه الدول وزعمائها. وفي حين هُيئ للبعض نجاح عملية غسل الادمغة الا ان الاساطير الرسمية التي حفظتها هذه الشعوب بدأت بالانهيار مع وفرة مصادر المعلومات المختلفة. وارجحية فشل مثل هذه المحاولة التوتاليتارية في لبنان هي اعلى بكثير في ظل تعدد وسائل الاعلام والتعبير عن الرأي الى حد اكبر منه في الدول العربية الاخرى.
ان مشكلتي كباحثة في التعلم والتعليم مع تأليف منهج موحّد للتاريخ لا تكمن في معارضتي لفكرة مشروع تأليف كتاب موحد أو لأن هذه الفكرة ستبوء بالفشل في تحقيق هدفها، بل يتمركز نقدي حول الفلسفة التعلمية التي ينطلق منها المشروع. فقد لاحظت من خلال قراءتي للمناهج التي طورتها اللجان المختلفة (والتي نادراً ما شارك في وضعها متخصصو تعلم وتعليم، اذ اقتصر وضع المنهج على المؤرخين بينما من الضروري وجود كلا التخصصيين) بأنها مبنية في شكل كبير على تلقين التلامذة لمعلومات غير قابلة للتشكيك او النقاش. ومن اللافت للانتباه غياب اي تصور اوتحديد للاهداف العامة للمناهج الجديدة المقترحة، ويتركز لب العمل على اختيار المواضيع التي سوف يذكرها او يغفلها المنهج. وعلى الرغم من تضمن الاهداف الخاصة بكل محور لأساليب تحليلية، الا ان نتائج التحليل قد حسمت عبر تحجيم الاجابة واقتصارها على النص الرسمي، إذ ان التقويم سوف يكون على مدى قدرة التلامذة على استرجاع المعلومات.
إذاً ما هو الحل لمشكلة التعصب الطائفي عندنا من وجهة تربوية؟
أولاً، يتنافى مفهوم التعلم والتعليم كليا مع مبدأ التلقين واي محاولة لاختزال التعليم بالتلقين لأسباب سياسية حتى ولو لأغراض نبيلة ستبوء بالفشل. فعوضاً عن محاولة تهميش العملية التعلمية وقصرها على الحفظ، يجب استثمار اساليب التعليم غير التلقيني في معالجة آفات التعصب وتعزيز مفاهيم الديموقراطية. ولسنا في حاجة الى استيراد أي تجارب من الخارج اذ لدينا في لبنان امثلة على هذا النجاح. فلقد اجرى مركز الدراسات اللبنانية دراسة شملت استبيانا لـ900 تلميذ وتلميذة ثانويين في 26 مدرسة رسمية وخاصة (دينية وغير دينية) مثلت ابرز الطوائف في المدن والارياف في لبنان وتضمنت مقابلات مع الاداريين ومعلمي مواد التاريخ والتربية وعلم الاجتماع. ضمت معظم هذه المدارس غالبية من طائفة واحدة الا ان ستا منها ضمت تلامذة من طوائف ومذاهب مختلفة. وقد هدف البحث الى التعرف على توجهات التلامذة السياسية والاجتماعية والتعرف على العوامل التربوية التي تؤثر في اختلاف هذه التوجهات. واظهرت نتائج الدراسة ان اساليب التعليم والبيئة المدرسية كان لها اثر كبير في التأثير على اراء التلامذة السياسية والاجتماعية بالرغم من اختلاف خلفياتهم الاجتماعية. والمدارس التي سجل فيها التلامذة ادنى مستوى من التعصب الطائفي هي المدارس التي تميزت أساليب التعليم فيها بتركيزها على تطوير المهارات التحليلية والنقدية وممارسة القيم الديموقراطية والمواطنية الناشطة في المدرسة، مما انعكس في القدرات العالية لدى التلامذة على التحليل النقدي ورفض العبارات الطائفية او التي تميز على اساس الدين، العرق، او الجنس. وفي المقابل تميزت المدارس التي سجلت اعلى نسب للأراء الطائفية والعنصرية والجنس لدى تلامذتها باعتمادها اساليب تعلمية تلقينية اقتصرت فيها التربية على المواطنة على حفظ مبادئ وقوانين الديموقراطية، في حين انعدمت اي فرص للتلامذة لممارسة واختبار هذه القيم.
إن الحل لمواجهة الطائفية يكمن في كيفية تطوير قدرات التلامذة على تحليل ونقد مصادر متعددة والتدقيق في مدى قوتها وصحتها. ولتحقيق ذلك يجب اتباع مقاربة علمية لتعليم التاريخ كغيره من مواد المنهج وعدم اختزاله في عملية سرد قصص عن الماضي. فكما يتعلم التلامذة حل المسائل الرياضية ويطوروا قدراتهم الفكرية الرياضية، فباستطاعة التلامذة ان يطوروا مهارات واساليب التحليل التاريخي المنهجي. وقد اتبعت بريطانيا هذا الاسلوب منذ حوالى العقدين على رغم تشكيك الكثيرين، الا ان التجربة شهدت تسجيل نجاحات كبيرة.(النهار 6آب2011)
وزارة التربية سمحت لتلامذة المدارس غير المرخصة بالتقدم استثنائياً إلى الامتحانات لمرة واحدة
اتخذت اللجنة المتخصصة في وزارة التربية والتعليم العالي المكلفة بمرسوم ايجاد حل للتلامذة الذين درسوا في مدارس غير مرخصة قانونا ، قرارا بالسماح لهؤلاء التلامذة الذين بلغوا صفوف الشهادات الرسمية بأن يتقدموا الى الدورة الاستثنائية من الامتحانات الرسمية في صورة استثنائية ولمرة واحدة فقط ، وحملت أهاليهم المسؤولية ، ودعتهم الى التنبه في المستقبل وعدم تسجيل اولادهم في مدارس غير موجودة قانونا.
ورفعت اللجنة المتخصصة اقتراحا الى وزير التربية والتعليم العالي عن طريق المدير العام للتربية بقفل المدارس المخالفة في صورة نهائية والتي سببت هذه المشكلة لكي لا تستمر في مخالفتها وترتب نتائج غير قانونية يتحملها الأهل والتلامذة.(النهار 4 آب2011)